محمد فودة يكتب: فوضى الاستفتاءات "الوهمية"
◄استطلاعات الرأى "المضروبة" تغرق "السوشيال ميديا" بعد رمضان
◄سبوبة "الاستفتاءات" تثير الجدل بنتائج لا وجود لها على أرض الواقع
◄تزييف نتائج الاستفتاءات يمثل خطراً على النجوم ويهدد صناعة الدراما
◄أطالب بوضع ضوابط لقياس الرأى العام بشكل علمى بعيداً عن الأهواء الشخصية
بعد انتهاء شهر رمضان المبارك وانتهاء المنافسة الساخنة بين الأعمال الدرامية التى عرضت طوال الشهر الكريم، انتشرت عبر مواقع الإنترنت والسوشيال ميديا العديد من الاستفتاءات واستطلاعات الرأى، التى قد تكون فى كثير من الأحيان غير حقيقية، بل هى فى الغالب من صنع خيال بعض ضعاف النفوس وأصحاب المصالح والمرتزقة الذين يديرون صفحات "السوشيال ميديا" الوهمية حيث يحترفون لعب "التلات ورقات"، فنجدهم يزيفون الحقائق ويزورون الأرقام ويروجون أشياء مغلوطة وفق حملات منظمة وممنهجة أرقاماً وبيانات لا وجود لها على أرض الواقع، وذلك بالطبع من أجل رفع أسهم هذا الفنان أو ذاك وأيضا خفض أسهم هذا الفنان أو ذاك.
وبالطبع فإن هذا النوع من الاستفتاءات "المضروبة" ينشط دائماً فى المواسم الفنية، وبالطبع فإن سباق دراما رمضان يأتى فى مقدمة تلك المواسم خاصة وسط ما تتناقله وسائل الإعلام بشكل يومى عن الأعمال الأكثر مشاهدة والنجوم الذين يشكلون الأعلى "ترند"، وكأن حياتنا تحولت -بقدرة قادر- إلى ما يشبه السوق التى يعرض بداخلها كل شخص بضاعته بالشكل الذى يرضيه، وبالطريقة التى يرى أنها تناسبه، فيختلط "الحابل بالنابل" ويتحول مجال النقد وتصنيف الفنانين وترتيب الأعمال الفنية إلى تجارة تحكمها آليات شديدة التعقيد وسط هذا الكم الهائل من مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى التى تروج لهذا الأمر حسب أهواء القائمين عليها، وبالتالى فإن من يدفع أكثر يكون فى الصدارة، لأن الحملات الممولة تأتى دائماً بنتائج أكثر خطورة لأنها تأتى بلوى الذراع، وللأسف الشديد فإن المحصلة النهائية من وراء هذه الاستفتاءات الوهمية التى تتم حسب الأهواء الشخصية أن نصبح فجأة وبدون مقدمات أمام نتائج مفبركة تأتى على حساب النجوم الحقيقيين الذين يستحقون بالفعل التقدير والتكريم، وأعتقد أن هذا العبث استفحل أكثر من اللازم بسبب زخم السوشيال ميديا وكثرة عدد الصفحات الوهمية التى يتراوح عددها ملايين.
وهنا أتساءل: إلى متى تظل تلك الاستفتاءات التى نسمع عنها ونقرأ نتائجها الفجة تتم بدون أن تكون هناك ضوابط تحكمها، وبدون أن يكون هناك التزام بمعايير علمية، وأن تكون من خلال فريق يضم نخبة من المتخصصين ونقاد الدراما والذين يمتلكون مقومات إصدار الأحكام المتعلقة بمستوى النجوم بشفافية؟ كما أرى ضرورة أن يكون القائمون على تلك الاستفتاءات الجماهيرية يمتلكون الخبرة الكافية التى تؤهلهم لتحليل وقياس الرأى العام بشكل علمى ودقيق بعيداً عن الأهواء الشخصية وبعيداً عن الرضوخ لرأى من يمتلكون القدرة على تزييف الواقع ورسم صورة ذهنية مغلوطة بعيدة كل البعد عن الحقيقة .
إن هذا الموضوع شديد الأهمية لأن العشوائية فى الاستفتاءات تمثل خطراً حقيقياً على النجوم الذين يستحقون أن يكونوا فى الصدارة، خاصة أنه فى حالة ظهور تلك الفقاعات الفنية لتحتل المراكز الأولى فى الاستفتاءات التى أراها سريعة التجهيز، فإن هذا يتسبب فى إهدار قيمة فنانين كبار بذلوا جهداً مضاعفاً واجتهدوا قدر استطاعتهم ليقدموا لنا فناً متميزاً وناجحاً بكل المقاييس، ولكنهم يفاجأون بأن الساحة الإعلامية تمتلئ بأسماء ونقاد لم نسمع عنهم من قبل، يتصدرون المشهد عبر صفحات السوشيال ميديا وعلى مواقع الإنترنت التى أرى أن كثيرا منها يشبه المنتجات الرديئة التى تنتجها مصانع "بير السلم"، أما عن عشاق الشو الإعلامى والمرضى بالظهور مع هذا النجم أو ذاك، فحدث ولا حرج، فهؤلاء ينتشرون ويتغلغلون من خلال تلك النوعية من الاستفتاءات الوهمية، حيث يحرص كل منهم على التصوير مع النجوم فى حفلات التكريم التى يتم تنظيمها بحجة إعلان نتائج الاستفتاء الذى يستخدمونه كواجهة لهم، وبالتالى فإن بعض الفنانين يقعون فى هذا الفخ الإعلامى المنصوب لهم ويتحول الأمر إلى مجرد حفلات من أجل التقاط الصور التذكارية فى العديد من المؤسسات التى غالباً ما تكون عبارة عن جمعيات خيرية أو مدارس أو مستشفيات، فالكل يسعى من أجل تحقيق هدف واحد هو "الشو الإعلامى".
ولقد شهد الوسط الفنى مؤخرا حالة واسعة من الجدل بعد إعلان استفتاء إحدى الجهات عن الأفضل والأسوأ فى رمضان 2023، حيث كانت النتيجة مفاجئة للكثير، إذ صنفوا بعض الفنانين على أنهم الأسوأ فى دراما رمضان 2023، على غير العادة، فالمتعارف عليه أن يتم اختيار الأفضل والأحسن، وليس الأسوأ إطلاقا، والمفارقة أن هذه الجهة أكدت أن النتائج جاءت بتصويت الجمهور ولم تكن تابعة لاختيارات النقاد، وقامت بإصدار بيان بعد أن هاجمها كثيرون من المختصين بشؤون الدراما وصناعة السينما وقالت الجهة فى بيانها :"الانتقادات التى وجهت لنتائج "تصويت الجمهور" على مسلسلات موسم رمضان 2023، ومع تقديرنا الكامل لكل الآراء والتعامل معها بمنتهى الاهتمام حيث تعد الآراء الناقدة هى الوسيلة الأهم للتطوير خاصة عندما تصدر من زملاء ومتخصصين، لكن هناك خلطا واضحا عند الزملاء والمتخصصين بين جوائز النقاد التى يتم إعلانها سنويا والجائزة تشهد عامها الثالث فى 2023 والتى يتم التصويت خلالها من قبل 42 ناقدا وصحفيا مصريا وعربيا ولا يتقاضون أى أجر مقابل مشاركتهم فى التصويت وذلك من خلال تقسيم 4 مراحل للتصويت تشمل مسلسلات العام بالكامل، وبين تصويت "الجمهور" الذى يجريه الموقع سنويًا خلال موسم رمضان، فى تصويت متاح للجميع على السوشيال ميديا، ويتم إعلان نتائجه يوميا، ويمكن الرجوع لصفحة الجائزة على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، وأوضحت :"أنه لا يتم التدخل نهائيا فى أرقام التصويت كونها تعبر عن رأى المصوتين من الجمهور فقط دون التقليل من قيمة أى عمل فنى، ولكن فى النهاية لا تكون الأعمال بنفس القدر والمستوى الفنى وهناك دائما رابحون وخاسرون خاصة إذا جاء التقييم من الجمهور الموجهة له المسلسلات من الأساس"، وأكملت بيانها قائلة :"مع احترامنا لكل جهود العاملين فى الوسط الفنى، ونقدر مجهوداتهم للخروج بأعمال فنية على قدر كبير من الجودة، وكذلك اهتمام الصحفيين والإعلاميين والفنانين بصورة الفن المصرى والذى نقدره بدورنا كجزء من المنظومة الكبيرة فى مصر والتى تقف وراء صناعة الدراما التليفزيونية، ويمكن الرجوع لنتائج الجائزة فى العامين الماضيين للتعرف أكثر على النتائج النهائية لتصويت النقاد والجمهور، وأن هذه الاختيارات فى النهاية تعبر عن المصوتين سواء من الجمهور على السوشيال ميديا، كما تم إعلانه، أو النقاد وهو ما سيتم إعلانه فى موعده المحدد بنهاية الموسم، وهى فى حقيقتها ليست إلا وسيلة لنقل استقبال الجمهور والنقاد المصوتين للأعمال المتنافسة".
فى النهاية أنا لست ضد إجراء استفتاءات جماهيرية، فالاستفاءات الجماهيرية وقياسات الرأى العام شىء مهم وضرورى فى كافة المجتمعات، ولكن الذى أرفضه شكلاً وموضوعاً، هو تلك العشوائية التى تتسم بها الغالبية العظمى من الاستفتاءات التى يتم تنفيذها وتفصيلها بشكل خاص لتكون على مقاس نجم معين، أو مسلسل معين، وهو ما يهدر جهود الآخرين الذين هم فى أشد الحاجة لمن يقول لهم "شكرا.. لقد أمتعتونا بفنكم الجميل".