سامر رجب يكتب: الحوار الوطنى والجمهورية الجديدة
الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لإجراء حوار وطني، تبدو ملهمة، في العديد من الأبعاد، ربما أبرزها تعزيز فكرة تبادل الرؤى بين مختلف الأطياف داخل المجتمع المصري، سواء كانت أحزب سياسية، أو منظمات المجتمع المدني، أو الحقوقيين أو غيرهم، لتكون الخطوة بمثابة حلقة جديدة من سلسلة حوارية طويلة، خاضتها الدولة المصرية، منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة" بدءً من الشباب، مرورا بالمرأة، وذوى الهمم، وحتى المواطن العادي، الذي ربما يجد نفسه فجأة أمام رئيس الدولة أو أيا من المسؤولين في مختلف محافظات مصر، في حوار بسيط لعرض ما يعانيه، من تحديات وهموم، وهو ما حدث بالفعل ورصدته الكاميرات في أكثر من مرة أثناء جولات الرئيس في الشوارع.
إلا أن تأثير مبادرة "الحوار الوطني"، ربما لا تقتصر على الداخل المصري، وإنما باتت تتجاوز الحدود، وهو ما يبدو واضحا في العديد من المشاهد الإقليمية، عبر دعوات مشابهة، شهدتها دولا أخرى، أبرزها الجزائر وتونس والسودان، هو ما يمثل استلهاما لافتا للرؤية المصرية التي أطلقها الرئيس السيسي، من جانب، بالإضافة إلى كونها امتدادا لحالة التعميم، التي تشهدها تجربة "الجمهورية الجديدة" منذ نشأتها، وهو ما تجلى في العديد من الملفات الهامة، ربما أبرزها الحرب على الإرهاب، عبر استنساخ مسارات المعركة التي خاضتها الدولة، في مواجهة قوى الظلام، سواء عبر ملاحقات أمنية، من جانب، وأخرى فكرية، تقوم على تفنيد الأفكار المغلوطة التي تروجها الجماعات الإرهابية لاستقطاب الشباب، من جانب أخر، أو الاهتمام بالبعد البيئي، في إطار القضية المناخية، عبر مشروعات صديقة للبيئة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، والعمل على تعميم تلك الرؤية في محيطها الجغرافي.
ولعل الاهتمام بالجانب الأمني والبيئي، يمثلان ضلعين في غاية الأهمية، فيما يتعلق بمفهوم التنمية المستدامة، بينما تبقى الديمقراطية التشاركية، ضلعا ثالثا، وهو ما يعكس أهمية مبادرة "الحوار الوطني"، ليس فقط على مستوى الداخل في الدول التي أعلنت عن اتخاذ هذه الخطوة في الآونة الأخيرة، وإنما أيضا على المستوى الإقليمي "الجمعي" ككل، لنجد أنفسنا أمام مبادرة "وطنية" ترتبط في الأساس في إعادة ترتيب البيت داخل كل دولة، ولكنها تحمل صبغة إقليمية، في إطار تزامن الدعوات التي أطلقتها عدة دول، على اعتبار أنها، في النهاية، سوف تدفع باتجاه تشكيل صورة الإقليم، عبر الوصول إلى نتائج تبدو متناسبة مع ظروف كل دولة، بعيدا عن فرض نماذج بعينها أو املاءات فيما يتعلق بالأوضاع.
"الحوار الوطني" الذى أعلنته الدولة المصرية، يمثل بجلاء الصورة التي ينبغي أن تكون عليها القيادة الدولية والإقليمية، عبر إرساء ما سبق وأن أسميناه في مقال سابق بـ"الديمقراطية الدولية"، والتي تقوم على احترام إرادة الدول أعضاء المجتمع الدولي وظروفها الداخلية، من خلال مبدأ "الحوار" مع كافة القوى، للوصول إلى حلول حقيقية للأزمات، وكذلك الاتفاق على كيفية تسيير الأمور بحسب المعطيات داخل كل دولة، ليجمع المفهوم في "بوتقته" بعدين رئيسيين، أولهما حماية الدولة، من الفوضى أو محاولات التدخل في شؤونها، بينما يقوم الثاني على حماية حق الشعب، عبر حوار جاد مع المؤسسات والأحزاب للتعبير عن رؤيتهم للمستقبل، وهو ما يبدو مختلفا إلى حد كبير عن مفهوم "الديمقراطية العالمية"، والتي ارتكزت على تصدير أفكار معلبة، تحت ذريعة "حرية الشعوب"، عبر نهج قمعي قام في الأساس على التدخل في شؤون الدول الداخلية، إلى حد استخدام القوة العسكرية، على غرار الغزو الأمريكي للعراق في 2003، مع وعود براقة بتحويل بغداد إلى "واحة" للديمقراطية في الشرق الأوسط.
إلا أن النموذج الذي سعت واشنطن إلى تطبيقه، حقق فشلا ذريعا، نظرا لاختلافه الكلي عن الظروف التي كانت تعيشها العراق في تلك الفترة، وهو ما لم يعد قابلا للتطبيق مع التغيير الكبير الذي يشهده النظام الدولي في المرحلة الراهنة، وانتهاء زمن الأحادية القطبية، والتحول نحو التعددية، مع الصعود الكبير الذي حققته كلا من الصين وروسيا، في السنوات الأخيرة، مما يمكنهما من مزاحمة واشنطن على قمة العالم، وبالتالي إيجاد مساحة من المناورة لدى الدول، التي يمكنها تنويع تحالفاتها، وتغيير خريطتها، إذا اقتضى الأمر، تبعا لمصالحها، وبالتالي لم يعد من الممكن فرض الرؤى الدولية بالقوة على أطراف المجتمع الدولي.
وهنا يمكننا القول بأن "الديمقراطية الدولية"، باتت تمثل الخيار الأنسب، بل والأكثر شمولا، من أجل استقرار الدول، وبالتالي رفاهية الشعوب، بينما نجحت مصر مجددا، عبر "حوارها الوطني"، في إرساء قيادتها للمنطقة، عبر كافة الأدوات، سواء فيما يتعلق بإرساء الأمن من خلال الحرب على الإرهاب، أو التنمية الاقتصادية عبر دعم المشروعات وعمليات إعادة البناء، بينما كان الجانب البيئي هو الأخر ضلعا مهما في الدور المصري، ليس فقط على المستوى الإقليمي، وإنما أيضا على المستوى الدولي، وهو ما يبدو في اختيار مصر لاستضافة قمة المناخ المقبلة، في حين تبقى دعوة الرئيس السيسي لإطلاق "حوار وطني" بمثابة بعدا سياسيا مهما للدور القيادي المصري على المستوى الإقليمي.