◄توقعات بزيادة الموارد القومية لـ19.9 تريليون جنيه وارتفاع معدل الادخار لـ10.3%
◄خطة التنمية تبرز الاعتماد المتزايد على المدخرات المحلية فى الوفاء بمتطلبات الاستثمار
◄السياسات الإصلاحية الاقتصادية التى تنتهجها الدولة تقود إلى التعافى رغم استمرار تفاقم الأزمات العالمية
◄زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بمعدل يربو من 2% عام 2023/2024
◄مصر قادرة على احتواء موجات التضخّم وخفض عجز الموازنة العامة للدولة
◄برامج ومُبادرات لسرعة توفير الحماية الاجتماعية وبخاصة للفئات الأكثر تضررًا من الأزمة العالمية
على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية التى ألقت بظلالها على جميع اقتصاديات العالم بما فيها الدول الصناعية الكبرى، فإن استيعاب هذه التداعيات والقدرة على التعامل معها يختلف من بلد لآخر حسب ظروف كل بلد . وهنا أتوقف قليلاً أمام التقارير التى تصدرها المؤسسات المالية العالمية والتى تشيد بقدرة مصر على مواجهة التحديات بفضل مواصلة الإصلاح الاقتصادى الهيكلى وتشجيع القطاع الخاص.. حيث تستهدف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوسطة المدى العمل على زيادة مُعدّل الادخار ليصل إلى نحو 10.3% بنهاية الخطة عام 2025/2026، مقارنة بنحو 6.8% فى عام 2022/2023 و8.1% فى عام 2023/2024 مُقابل مُعدّلات استثمار مُناظرة 13.5 و15.2% على التوالى، وصولا إلى 16.7 % بنهاية الخطة.. وهو ما جاء فى تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب وتم مناقشته واستعراضه فى ضوء البيان الذى ألقته وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد أمام المجلس.
ففى هذا البيان تبرز تلك المعدلات اتجاه فجوة الموارد المحلية للانكماش التدريجى اعتبارًا من عام 2023/2024 على امتداد أعوام الخطة لتصل إلى 6.4% بنهايتها، وبالطبع فإن ذلك يعكس بوضوح ظاهرة إيجابية تشير إلى الاعتماد المتزايد على المدخرات المحلية فى الوفاء بمتطلبات الاستثمار المتنامى على نحو مطرد ، وفى هذا الصدد كانت مستهدفات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام الجديد وبالتحديد فى ضرورة مواصلة اتباع حزم السياسات والإجراءات الرامية لرفع معدلات الادخار المحلى من مستواها المنخفض (حوالى 7% فى بداية الخطة إلى ما يربو على 10% بنهايتها).
ووفقا لهذا التقرير المهم فإن خطة التنمية تستهدف تحقيق معدل نمو مرتفع للناتج المحلى الإجمالى الحقيقى قدره 4.1% فى عام الخطة، وصولا إلى 5.2% فى العام الأخير من الخطة (2025/2026) وهو ما ينطبق أيضاً على زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بمعدل يربو من 2% عام 2023/2024 وليصل إلى 3.6% فى العام الأخير من الخطة.
واللافت للنظر أن ملامح الخطة تشير أيضاً حسب تقرير لجنة الخطة والموازنة إلى أنه خلال عام 2021/22 استطاع الاقتصاد المصرى تحقيق معدل نمو مرتفع قدره 6.6% رغم تأثره بتبعات الأزمة الروسية -الأوكرانية فى الربع الأخير من العام. وجاء ذلك مقاربًا لما كان مستهدفا فى خطة عام 2022/23 (6.4%) بعد التعافى التدريجى من جائحة فيروس كورونا، ومتفوقا بذلك على العديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية وهو ما أشاد به صندوق النقد الدولى الذى أشار عدة مرات إلى ارتقاء مصر إلى مصاف أهم عشر دول على مستوى العالم وإلى احتلالها المركز الرابع عالميًا من حيث معدل النمو بعد العراق والمملكة العربية السعودية والكويت.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل توقع أيضاً صندوق النقد العربى فى تقريره الصادر فى أغسطس 2022 أن يحقق الاقتصاد المصرى نموا بنسبة 5.5% عام 2022/2023 بفضل السياسات الإصلاحية التى تنتهجها الحكومة والتى تقود إلى التعافى رغم استمرار تفاقم الأزمات العالمية.
ومع اشتداد تبعات الأزمة الروسية- الأوكرانية خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2022وتواصل تداعياتها فى شهرى يناير وفبراير من عام 2023 تم مراجعة توقعات النمو لعام 2022/23 عِدة مرات وتخفيضها من 5.5% ابتداء إلى 4.8% ثم مُؤخّرًا إلى 4.2% وفقًا لمُؤشرات الأداء الفعلية خلال الربعين الأول والثانى والنصف الأول من العام، وتقديرات النمو لكل من الربع الثالث والرابع.
وبالنسبة لباقى أعوام الخطة متوسطة المدى، قُدرت مُعدّلات النمو على نحو متصاعد لتصل إلى 5.2% فى نهايتها، بفرض التعافى التدريجى من تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، ومواصلة التدابير الوقائية من جائحة فيروس كورونا، وعودة التحسّن التدريجى فى مؤشّرات الأداء الاقتصادى.
كما يشير التقرير إلى أن تقديرات المؤسسات الدولية الصادرة مؤخرًا بعد التعديل جاءت أكثر توافقا مع تقديرات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فقد توقع تقرير البنك الدولى أن معدل نمو الاقتصاد المصرى بنسبة كل من عامى 2022/2023 2023/2024 مُقابل توقعات سابقة فى ديسمبر، بمعدل نمو 4,5% و4.8% على التوالى)، كما توقع صندوق النقد الدولى فى تقريره الصادر فى إبريل 2023 أن يبلغ مُعدّل النمو 3.7 عام 2023، (وهو أقل من توقعاته السابقة البالغة 4.4% الصادرة فى أكتوبر من عام 2022 و4% فى يناير عام 2023، كما توقع أن يصل مُعدّل النمو إلى 5% فى عام 2024 (مقابل 5.2% توقع سابق فى يناير 2023.
ولا شك فى أن ضبابيّة الـمشهد الدولى أمرٌ خطير، فحالة عدم اليقين الحالية يصعب معها التعرف على مدى إمكانيّة تجاوز الاقتصاد العالـمى مخاوف الوقوع فى فخ الركود التضخّمى، وبالتالى لا نستطيع صراحة تقدير متى يسترد الاقتصاد العالـمى عافيته، وبالطبع مصر ليست بمنأى عن التحديّات ومخاطر عدم اليقين التى تفرضها الأزمة الروسية- الأوكرانية.
صحيح أن مصر سارعت باتخاذ تدابير احترازيّة وخطوات استباقية لتأمين مصادر الإمداد فى الـمدى العاجل، كما تبنّت عددًا من البرامج والـمُبادرات لسرعة توفير الحماية الاجتماعية، وبخاصة للفئات الأكبر تضرّرًا من تداعيّات الأزمة، بالإضافة إلى اغتنام بعض الفُرص الواعدة التى أتاحتها الأزمة لزيادة الصادرات، وبخاصةٍ من الخُضَر والفاكهة والأسمدة والغاز الطبيعى، إلا أن ذلك لا يعنى – بأى حال من الأحوال – التغاضى عن رصد التأثيرات السلبية التى لِحقت بالاقتصاد الـمصرى جرّاء الأزمة أو التهوين من تداعياتها. وإزاء عدم اليقين بأبعاد الأزمة الراهنة والـمدى الزمنى الـمُتوقّع للخروج منها، والعودة لـمسارات النمو الطبيعى الـمُستدام، فقد حرِصت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 23/2024– بعد طرح السيناريوهات الـمُختلفة للمُستتبِعات التنمويّة للأزمة– إلى تخيّر السيناريو الحذر بما يُفيد باتباع سياسات تحوّطيّة ومرنة تضمن التخفيف والتكيّف مع ما يترتّب على الأزمة من صدمات أو تحديات لـمسارات التنمية الـمُستدامة، وقد ضاعف من أهمية هذا النهج التحوّطى فى السياسات الاقتصادية التى ترتكز عليها الخطة تزايُد الـمخاطر البيئية الناجمة عن التغيّرات الـمناخية واستشرائها على مستوى العالـم.
خلاصة الأمر أنه على الرغم من اتجاه المؤسسات الدولية لخفض مُعدّلات النمو المتوقعة عن تقديراتها السابقة فى ظل تأثر الاقتصاد المصرى بتبعات الأزمة الروسية- الأوكرانية، وتنامى الضغوط التضخمية، فإنها أشادت بقدرة مصر على مواجهة هذه التحديات بفضل جهودها فى مواصلة الإصلاح الاقتصادى الهيكلى وتشجيع القطاع الخاص، وهو ما ترجمه تقرير البنك الدولى فى التنويه عن قدرة مصر على احتواء موجات التضخّم وخفض عجز الموازنة العامة للدولة وبفاعلية الجهود الرامية إلى تعزيز الشمول المالى والتحول الرقمى.