محمد فودة يكتب: "أبو الفنون" فى "غيبوبة"!
المهرجان القومى يكشف الأزمة الكبرى التى يعيشها المسرح المصرى
ضعف الأعمال المسرحية واضح وصريح.. والواقع لا يليق بعراقة المسرح المصرى
اختفاء النجوم الكبار يشعل الأزمة ويكشف أسباب التراجع
السؤال الصعب: هل لدينا "مسرح" حتى نقيم "مهرجانات مسرحية"؟
على الرغم من أن مهرجان المسرح المصرى يعد حدثا فنيا مهما لعرض ملامح المسرح المصرى على مدار عام كامل، إذ تتاح المشاركة فى المهرجان للعروض المنتجة من مسرح الدولة والقطاع الخاص والشركات، والمجتمع المدنى وفرق الهواة والمسرح الجامعى والنقابات الفنية، ومختلف الجهات الإنتاجية وفق الضوابط التى يعتمدها المهرجان، فإن المهرجان كان سبباً فى الكشف عن أزمة حقيقية يعيشها المسرح المصرى ، فقد تابعت خلال الأيام الماضية فعاليات المهرجان القومى للمسرح المصرى، والذى اختتم فعالياته يوم الاثنين الماضى، وقد حملت الدورة اسم الزعيم الكبير عادل إمام، بينما ترأس المهرجان هذا العام الفنان محمد رياض، وتشكلت لجنة التحكيم من الفنان أشرف عبد الغفور رئيساً، ومهندس الديكور محمد الغرباوى، والناقد جرجس شكرى، والدكتورة سحر هلالى، والفنان مجدى كامل، والمؤلف نادر صلاح الدين، والفنان طارق مهران.
وعلى الرغم من الجهد المبذول لإدارة المهرجان الذى يهدف إلى تشجيع المبدعين من فنانى المسرح على التنافس، وكذلك تطوير العروض من أجل المشاركة فى صناعة أعمال تليق بعراقة المسرح المصرى، فإننى مازلت أتساءل: أين هو المسرح المصرى؟ وأين التجارب التى تستحق أن تعرض وتقتنص الجوائز؟ بكل أسف نحن لا نمتلك مسرحيات وليس عندنا نجوم مسرح، وللأسف الشديد مسارح مصر التى أنارت شُعلة النور والإبداع فى كل ربوع الوطن العربى، وخرج منها آلاف الفنانين الذين ملأوا الدنيا بإبداعهم على مدار عقود طويلة، منذ فرقة نجيب الريحانى وعلى الكسار، ويوسف وهبى، وفاطمة اليوسف، وزكى طليمات، وإسماعيل يس، وفؤاد المهندس وأمين الهنيدى ومحمد عوض، وجيل الزعيم عادل إمام ومحمود يس ومحمد صبحى وسمير غانم ونور الشريف وغيرهم، من الذين تركوا إبداعا ثريا فى المسرح بالذات الذى يعد واحدا من الفنون التى تتطلب استغراقا شديدا وتكريسا للوقت والمجهود فى العمل المسرحى، مع أنه لا يعطى ذات العائد المادى والأدبى مثل نجوم السينما لكنه يعد عشقا من نوع آخر لا يباريه عشق ولا يقبل شريكا فى الوقت والجهد، لكن اليوم لم يعد هناك مسرح حقيقى وكل ما هو معروض فى المسرح التجارى لا يليق أبدا بحجم مصر ولا مكانتها الفنية الرائدة.
أعتقد أن المسرحيات التى حظيت بالجوائز فى المهرجان القومى للمسرح المصرى لا يعرفها الجمهور ولم يسمع عنها أحد، فقد حصل عرض "سيدتى أنا" من إنتاج فرقة المسرح القومى بالبيت الفنى للمسرح على جائزة أفضل عرض مسرحى لهذا العام، وحصل عرض "ياسين وبهية" من إنتاج فرقة مسرح الشباب على جائزة أفضل عرض ثانٍ، كما حصلت عروض البيت الفنى للمسرح على جوائز أفضل ممثلة دور أول نساء مناصفة لفاطمة محمد على عن دورها فى "سيب نفسك" من إنتاج فرقة المسرح الحديث، وإيمان غنيم عن دورها فى "ياسين وبهية" من إنتاج فرقة مسرح الشباب، وحصل عرض "ياسين وبهية" على جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ مناصفة لآية أبو زيد، وجائزة أفضل مخرج صاعد ليوسف مراد منير، إضافة إلى ذلك حصل عرض "سيدتى أنا" على جوائز أفضل ديكور مناصفة للدكتور حمدى عطية، أفضل أزياء مناصفة للدكتورة مروة عودة، أفضل أشعار لعادل سلامة، أفضل إخراج لمحسن رزق، كما حصل عرض "ستوكمان" من إنتاج فرقة مسرح الغد، على جائزة أفضل ممثل دور أول رجال لياسر عزت مناصفة مع حازم القاضى عن عرض "ياسين وبهية"، أعتقد أن جميع العروض لا يعرفها الجمهور مثل العروض المسرحية التى تربينا عليها وكانت تهز الدنيا إلى الآن، فمن منا لم يحفظ "إفيهات" عادل إمام فى مسرحية "مدرسة المشاغبين"، أو "الواد سيد الشغال" أو "شاهد ماشفش حاجة"، بل فى جميع أعماله المسرحية التى اتسمت بالغزارة والمزج بين متعة المشاهدة والقدرة على تجسيد الواقع فى كثير من مجالات الحياة، ومسرحيتى فؤاد المهندس "أنا وهو وهى" و"سيدتى الجميلة"، وغيرهما ومسرحيات سمير غانم ومحمد صبحى؟!
وللحق فإن حال المسرح المصرى فى قمة البؤس، حتى إنك لا تستطيع أن تتعرف على نجوم المسرح فى الوقت الحالى، خاصة مع غياب نجوم الصف الأول الأمر الذى جعل من المسرح الخاص "سمك لبن تمر هندى"، ولك أن تتخيل أن كثيرا من العروض يتم عرضها ولكن لا أحد يسمع عنها شيئا، فمثلا تقدم فرقة المسرح الكوميدى مسرحية "طيب وأمير" من كتابة أحمد الملوانى وإخراج محمد جبر، وذلك أيام الخميس والجمعة والسبت فى تمام الثامنة والنصف مساء على مسرح ميامى بشارع طلعت حرب، بينما تقدم فرقة المسرح الحديث عرض "خطة كيوبيد" من تأليف وأشعار عبد الله الشاعر، إخراج أحمد فؤاد، وذلك فى تمام الثامنة والنصف مساء، على مسرح السلام بشارع قصر العينى، كما تعرض فرقة مسرح الغد مسرحية "ستوكمان" من تأليف ميخائيل وجيه، إخراج أسامة رؤوف، وذلك يوميا ابتداء من الأحد المقبل فى تمام التاسعة مساء على مسرح الغد بالعجوزة، وتعود فرقة مسرح الطليعة لتقدم عرض "باب عشق" من تأليف إبراهيم الحسينى وإخراج حسن الوزير، وذلك يوميا ما عدا الثلاثاء فى تمام الثامنة والنصف مساء، على قاعة زكى طليمات بمسرح الطليعة بالعتبة، كما تقدم فرقة مسرح الطليعة أيضا عرض "ليلة القتلة" من تأليف خوزيه تريانا، إخراج صبحى يوسف، وذلك فى تمام السابعة والنصف مساء أيام الخميس والجمعة والسبت على قاعة صلاح عبد الصبور بمسرح الطليعة، وللأطفال تقدم فرقة مسرح القاهرة للعرائس عرض "نجوم من خشب" من تأليف وأشعار حمدى عطية، إخراج سيد رستم، وذلك أيام الخميس والجمعة والسبت فى تمام السابعة والنصف مساء على مسرح القاهرة للعرائس بالعتبة، بينما تقدم فرقة المسرح القومى للأطفال عرض "عفركوش" من تأليف عيسى جمال وإخراج عادل الكومى، وذلك أيام الأحد والخميس والجمعة والسبت من الأسبوع المقبل فى تمام السابعة والنصف مساء على مسرح متروبول بالعتبة، كما تعرض فرقة مسرح الشمس لدمج ذوى الاحتياجات الخاصة، مسرحية "مغامرات جيمو" من تأليف صلاح متولى، إخراج محمد عشرى، وذلك أيام الخميس والجمعة والسبت فى تمام الثامنة والنصف مساء على مسرح الحديقة الدولية بمدينة نصر، وبالإسكندرية تقدم فرقة مسرح الإسكندرية عرض "الملك همام وعصابة الضباع"، تأليف وإخراج إيهاب مبروك، وذلك أيام الخميس والجمعة من كل أسبوع على مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية فى تمام الثامنة مساء. والمفارقة أنه سيتم عقد مهرجان آخر للمسرح خلال أيام، حيث ينظم مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، برئاسة الدكتور سامح مهران، عددا من الورش المختلفة، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثلاثين، والتى تقام فعالياتها خلال الفترة من 1 إلى 8 من شهر سبتمبر المقبل، وتشهد الدورة الثلاثين من فعاليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، إقامة 8 ورش فى العناصر المسرحية المختلفة، هى: ورشة "رسم وبناء الشخصية" ويقدمها الفنان لوك لينر خلال يومى 2 و3 سبتمبر، كل ذلك يجعلنا نتساءل أيضا: هل يذهب أحد لمشاهدة هذه الفاعليات أم لا؟
أتمنى ظهور مسرحيات تليق بأبو الفنون وتليق بعراقة المسرح المصرى، وأتمنى أيضاً عودة الناس إلى مسرح الدولة من جديد، بعد سيطرة المسرح التجارى الذى عمل على تقزيم المسرح وسقوطه سقوطا مدويا، ومن أجل الأهمية الكبيرة التى يزخر بها المسرح المصرى فى نفوس المشاهدين لابد من التدخل القوى والفعال لإعادة الأعمال المسرحية المصرىة لمكانتها بعد أن أصابها الوهن خلال السنوات الماضية، بل أصابها الموت، لأن التردى والضعف والهلاك التى يشهدها المسرح منذ سنوات تؤدى لمردودات سلبية، والتقاعس فى إنقاذه لمزيد من الوقت قد يؤدى لاندثاره تماما.