محمد فودة يكتب: مهرجانات "الصور التذكارية" والشو الإعلامى
◄"السوشيال ميديا" الراعى الرسمى لمهرجانات "بير السلم" والترويج للكومبارسات ◄عشرات المهرجانات والفاعليات لتكريم "الشلة" والمغمورين ◄المكرمون خارج تصنيف النجوم الكبار ولا علاقة لهم بالفن ◄لغة "السبوبة" تسىء لسمعة الفن المصرى ويجب التصدى لها فورا
فى غفلة من الزمن استيقظ الوسط الفنى والإبداعى على واقع مرير ومؤلم، حيث اكتظت الساحة الفنية بالعديد من الأنشطة التى تطلق على نفسها اسم "مهرجانات فنية" وهى أبعد ما تكون عن المهرجانات بمفهومها الحقيقى فأصبحنا نقرأ صباح مساء عن أسماء لمهرجانات فنية لا يعرفها أحد، وهى مجرد أسماء تبدو فى ظاهرها وكأنها كيانات قوية ومؤثرة بينما هى فى حقيقة الأمر مجرد فقاعات هواء سرعان ما تختفى وتتلاشى، وبالتالى لم نسمع عنها شيئاً فيكون مصيرها التجاهل والنسيان والإلقاء بها فى سلة المهملات. وللأسف الشديد أصبحت السوشيال ميديا هى الراعى الرسمى لتلك المهرجانات، حيث تتناقل أخبارها وصورها رغم أنها أقل ما توصف به أنها مهرجانات "بير السلم" حيث يتم تنظيمها بشكل مريب أشبه بمصانع بير السلم التى تنتج منتجات رديئة وغير مطابقة للمواصفات، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل إننا نفاجأ أيضاً من حين لآخر بأخبار عن نتائج استفتاءات وهمية حول الأفضل والأول والأقوى فى الوسط الفنى والإبداعى وكأن من يقومون بهذه الاستفتاءات يضربون الودع أو يقرأون الطالع فيقوم كل منهم ومن خلال هذا الاستفتاء أو ذاك بفرض اسم فنان معين ويطلقون عليه الأفضل والأهم بينما ربما يكون فى حقيقة الأمر هو مجرد "كومبارس" ليس له مكان أصلاً بين النجوم الكبار ولكن للأسف الشديد لأن بعض أصحاب تلك المهرجانات أو الاستفتاءات أو استطلاعات الرأى يمتلكون القدرة على قلب الحقائق وتزييف الواقع فإنهم يفعلون كل ما فى وسعهم لفرض تلك الصورة وجعلها تبدو وكأنها حقيقية وذلك من خلال الحملات التسويقية الممولة على مواقع السوشيال ميديا وبالتالى فإن تلك المواقع تفرض أخبار هؤلاء الفنانين المغمورين وتصورهم على أنهم "نجوم" بينما هم مجرد نجوم من ورق ولا علاقة لهم أصلاً بالفن ولا بالنجومية. وهنا يبدو التساؤل وعلامة الاستفهام الكبيرة: لماذا يتم ترك مثل هذه الأفعال المشينة التى تشوه من قيمة مهرجاناتنا السينمائية؟ ولماذا لا يكون هناك جهات رقابية تمتلك قوة الردع وتمتلك قوة اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة ضد تلك الأنشطة؟ إذ أنها تسيء لاسم مصر وتشوه صورة نجوم مصر أمام العالم حينما يتصدر المشهد تلك النوعية من المهرجانات التى لا تمت للمهرجانات بأى صلة ولا تحمل سوى الاسم فقط بينما نجد من يقومون بتلك المهرجانات يحولونها إلى حفلة لالتقاط الصور التذكارية أو مباراة لإظهار أنواع الفساتين التى ترتديها مجموعة من مدعيات النجومية من أجل لفت الأنظار والظهور الإعلامى الذى يكون فى كثير من الأحيان مدفوع الأجر ولكنه يبدو للقارئ أو المشاهد وكأنه نشاط حقيقى، ومع التكثيف المبالغ فيه فى عملية الانتشار الإعلامى تكون النتيجة ظهورنا بشكل غير لائق فى الخارج ويصبح هناك انطباع بأن هذا هو مستوى مصر فى المهرجانات فى حين أننا أول دولة تقيم مهرجانا فنيا فى المنطقة العربية ليس هذا فحسب وإنما مهرجان القاهرة السينمائى الدولى له تاريخ مشرف حيث إنه مصنف عالميا من بين المهرجانات الدولية الكبرى والمهمة أيضاً، وعلى ذكر اسم مهرجان القاهرة السينمائى الدولى هناك مسألة فى منتهى الخطورة وتدعو للتساؤل هى: أن الغالبية العظمى من النجوم الكبار يختفون ولم نر أحدا منهم فى حفلات افتتاح وختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى أو حتى حضور الفاعليات الثقافية والفنية المصاحبة له بينما نجدهم يتهافتون على الظهور فى تلك المهرجانات الوهمية التى تقام فقط من أجل شلة معينة تحرص على التقاط صور تذكارية تكتظ بها مواقع التواصل الاجتماعى، وأعتقد أن عزوف الفنانين الحقيقيين وعدم حرصهم على حضور المهرجان الأهم والأشهر فى الدولة وهو مهرجان القاهرة السينمائى الدولى أمر يتطلب وقفة لبحث الأسباب والمبررات التى تجعلهم يتصرفون على هذا النحو فربما تكون هناك مبررات حقيقية وراء هذا التصرف الغريب وغير المنطقى، وبالطبع فإن الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة عليها بحث هذه الظاهرة ودراستها بشكل دقيق للوقوف على الأسباب الحقيقية من أجل الوصول إلى حلول عاجلة لإنقاذ صورة مصر وريادتها خاصة أن تكريم أنصاف وأرباع الموهوبين فى مهرجانات "السبوبة" يؤثر وبشكل سلبى على أصحاب الموهبة الحقيقية ويترتب عليه خلق صورة مشوشة وغير حقيقية لمستوى الفن المصرى. أعتقد أن هناك لجنة تتولى مهمة الإشراف على المهرجانات الفنية التى تقام فى مصر ولكن هذا لا يكفى فإذا كانت بعض المهرجانات تتقدم بالفعل للحصول على موافقة فإن هناك الكثير والكثير من المهرجانات يتم تنظيمها بشكل عشوائى وبعيداً عن رقابة الدولة وكأنها مجرد سبوبة يتم خلالها توزيع دروع التكريم وشهادات التقدير التى ينطبق عليها القول المأثور :"من لا يملك أعطى من لا يستحق"، فمن يقدمون هذه الدروع لا يملكون أصلاً الحق فى أن يقوموا بتكريم أحد تحت مسمى مهرجان وبالتالى فإن من يحصلون على هذه التكريمات تحت مسمى أنهم نجوم فإنهم لا يستحقون التكريم من الأساس؛ لأنهم فى حقيقة الأمر ليس لديهم أعمال كبيرة تستحق التكريم، ولا ساهموا فى الارتقاء بالفن المصرى بل إنهم ربما يكونون سبباً رئيسياً فى تشويه صورة الفن المصرى فى أعين الآخرين الذين يتربصون بريادة مصر ويعز عليهم أن تظل فى صدارة المشهد الإبداعى، وبعضهن يذهب للتفاخر والمنظرة وعرض الأزياء لجلب الترند، بعيدا عن أى فن، وهذا حدث فى أكثر من مهرجان سبوبة فى الآونة الأخيرة، يذهب بعض المغمورات من أجل التكريم وهن لم يقدمن شيئا فى الفن من أجل التقاط الصور المثيرة والمخجلة وكأنهن يتعمدن تشويه الفن المصرى. وقد بدأت تتوغل هذه المهرجانات وللأسف الشديد فإن كل نجم من نجوم الدرجة الثانية والثالثة يتباهى بأنه ذاهب للتكريم فى هذه المهرجانات، وكأنه قدم ما يستحق التكريم، ويفتخر كونه وقع عليه الاختيار، مع أن هذا كله يقتنص من قدر الفنان سواء كان مشهورا أو عاديا، لكن مع جنون الميديا والترند أصبح الجميع يلهث وراء أى شىء ضاربين بثقافة التكريم عرض الحائط، ومع مرور الأيام تتبخر هذه الأشياء وكأنها لم توجد، لذلك فإننى عندما أطالب بالتصدى لمثل تلك الأنشطة التى تظهر فجأة وكأنها زرع شيطانى لا جذور له، فأنا لا أطالب بشيء صعب ولا مستحيل وإنما أطالب فقط بأن يتم تقنينها والتصدى لها بحسم وردع شديدين والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بقيمة الفن، خاصة إذا كانت مهرجانات عبثية وفوضوية تسعى لتشويه صورة الفن والفنانين والإبداع المصرى بشكل عام، على أن تبقى مهرجاناتنا الفنية مثل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ومهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، ومهرجان جمعية الفيلم، ومهرجان القومى للسينما، وغيرها من المهرجانات المهمة، فى الصدارة ولا ينافسها مهرجانات "بير السلم" التى تبحث عن "الشو" فقط، مع أنها فى النهاية ما هى إلا مهرجانات "فنكوش".