الخميس 21 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب:  كيف فرضت مصر إرادتها على الجميع؟ 

الشورى

◄ التاريخ سيكتب بحروف من نور فى سجلات التاريخ موقف القيادة السياسية من القضية الفلسطينية

◄مصر تقف بقوة ضد كل محاولات تصفية القضية وتحذير العالم من سيناريو التوطين 

◄الرئيس السيسى يكشف للغرب خطر موقفه الداعم إسرائيل ويعمل على تخفيف الحصار عن غزة بكل قوة 

 

يحتاج المشهد إلى كثير من القراءة والتأمل، يحتاج إلى مزيد من التحليل والتفسير، ويحتاج أيضا إلى روح وطنية متجردة لتعرف جيدا ما الذى قدمته مصر منذ اندلاع التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى غزة فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. 

شاء من شاء وأبى من أبى، فإن مصر هى حجر الزاوية فى الصراع الجارى الآن، ليس لأنها فقط راعية السلام فى المنطقة، ولكن لأن التصعيد هذه المرة صاحبه حديث متجدد عن خطة شيطانية وضعتها إسرائيل مبكرا، تقضى بنقل الفلسطينيين الموجودين فى غزة إلى سيناء. 

أدارت مصر موقفها ببراعة سياسية ودبلوماسية شديدة، فى الوقت الذى تعمل فيه من أجل غزة وتخفيف الحصار عليها ودعم أبنائها فى مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، فإنها تتحرك وهى تعرف أنها مستهدفة، وأن هناك من يريد بها شرا وضرا وضررا هائلا. 

من اللحظة الأولى دعت مصر إلى وقف التصعيد، حدث هذا بعد ساعات من أحداث ٧ أكتوبر، كانت مصر بخبرتها وتجربتها تعلم أن هذا المشهد سيتطور وستكون له عواقب شديدة، وهى العواقب التى لن تكون فى مصلحة أحد على الإطلاق. 

كانت إسرائيل متشددة فى مواقفها، أعلنت أنها لن تتراجع حتى تصفى حركة حماس، وهو ما دعمها فيه الغرب سياسيا وإعلاميا، وهو ما دفعها إلى حصار غزة حصارا شاملا، فى الوقت الذى رفضت فيه مرور المساعدات إلى الداخل الفلسطينى عبر المعبر، واصلت قصفها، وكأنها تريد أن تقول لأهالى القطاع ليس لكم عندى إلا الموت. 

كان الموقف المصرى واضحا، فهى ترفض ضرب الحصار على غزة، وترفض التعنت الإسرائيلى الذى يرفض دخول المساعدات عبر معبر رفح، بادرت مصر بتخصيص شاحنات المساعدات الغذائية والطبية التى تكفلت بها ونظمتها حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى، وجاءت بعد ذلك طائرات المساعدات الأخرى، لكن إسرائيل تمسكت بموقفها، رفضت دخول المساعدات. 

هنا ظهرت قوة مصر وامتلاكها قرارها، فصدر قرار من القيادة المصرية بأن مصر لم تفتح المعبر من ناحيتها لمرور الرعايا الأجانب ومنهم أمريكان، إلا إذا سمحت إسرائيل بدخول المساعدات، كان هذا القرار مربكا جدا لأمريكا وإسرائيل، وأعتقد أن أحدا لم يكن ينتظره أو يتوقعه. 

أصدرت مصر القرار وتمسكت به ولم تتراجع عنه، وكانت القيادة السياسية صلبة وواثقة من نفسها وهى تستقبل قادة وزعماء ومسئولى العالم، وهى تعلن موقفها الذى لن تتراجع عنه، وهو ما بدا جيدا فى لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى مع وزير خارجية أمريكا، الذى خرج من مصر دون أن يحصل على أى شيء. 

جلس وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية أمام الرئيس السيسى ليتلقى محاضرة فى تفسير سبب كراهية الشعوب العربية والإسلامية لإسرائيل، فقد كان اليهود يعيشون بيننا بلا مشاكل، كانوا آمنين وسالمين ولم يكن يتعرض لهم أحد، لكن عندما ظهرت إسرائيل تغير الوضع تماما. 

سعت مصر إلى استخدام كل وسائلها السياسية والدبلوماسية لدفع الموقف إلى الأمام وكسر الحصار عن غزة، وكان مرتبا أن تكون هناك قمة رباعية تضم مصر والأردن وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية، وكان هناك تعويل على أن هذه القمة يمكن أن تساهم فى تخفيف الضغط على الفلسطينيين فى غزة. 

كان الجميع يستعد لهذه القمة، وكان الرئيس الأمريكى فى طائرته متجها إلى الشرق الأوسط، ولكن جرى ما غير المعادلات كلها على الأرض، فقد أقدمت إسرائيل على حماقة كبرى عندما قامت بضرب مستشفى المعمدانى الذى استشهد فيه ما يزيد على ٥٠٠ فلسطينى من بين المصابين وأهالى الجرحى. 

تم التنسيق بين مصر والأردن وفلسطين، وتم إلغاء القمة فى رسالة مهمة جدا إلى أن ما قامت به إسرائيل ليس مقبولا جملة وتفصيلا، وأنه ليس معقولا أن يلتقى القادة العرب بالرئيس الأمريكى على هامش الدماء التى لم تجف، فما الذى يمكن أن يقال، وهل يمكن أن تقبل الشعوب العربية والفلسطينيون أى كلام؟!

كان إلغاء القمة مع الرئيس الأمريكى رسالة قوية، وقفت مصر فى قلبها، ودلت بشكل أساسى على أننا نقف وبقوة وراء القضية ولن نفرط فيها أبدًا، بل يمكن أن نصل إلى أبعد مدى فى الدعم والمساندة، وهو ما بدا بعد ذلك، فبمجرد عودة جو بايدن بدأ يتحدث عن دور مصر فى الاتفاق على دخول شاحنات المساعدة إلى غزة، ويتوجه  بالشكر المباشر والملائم مع دور الرئيس السيسى فى هذا الأمر. 

بعد أيام بدأت الشاحنات المحملة بالمساعدة تدخل إلى غزة وهى ترفع علم مصر، فى إشارة واضحة إلى أن مصر فرضت إرادتها كاملة على الجميع ، فعلت ذلك بأدواتها السياسية والدبلوماسية، وبموقفها الواضح الذى لم تفاوض عليه ولم تساوم. 

لم يتوقف الأمر عند هذا، فقد أصرت مصر على عقد مؤتمر السلام فى العاصمة الإدارية،وهو المؤتمر الذى شارك فيه عدد كبير من قادة وزعماء ومسئولى العالم ، ولم يكن متوقعا أن يصدر بيان يتفق فيه الجميع على رأى واحد، ولكن كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الحراك لصالح القضية، وهو ما جرى فقد قام الرئيس بوضع الغرب المساند لإسرائيل أمام مسئوليته. 

فى كل المواقف كان الرئيس السيسى يتحدث بلسان مبين، فموقفه واضح، وهو ما كان واضحا فى رفض كل خطط ومحاولات تهجير الفلسطينيين ونقلهم إلى سيناء، وهو ما لاقى دعما هائلا من الشعب المصرى بكل طوائفه، وقد ترجم المصريون ذلك فى الوقفات المؤيدة لموقف القيادة السياسية يوم الجمعة، فقد خرج ملايين المصريين استجابة لدعوة الرئيس ليسمع العالم صوت المصريين الرافض كل الخطط التى تستهدف أمنهم القومى. 

إن مصر تعيش الآن أزهى عصور المجد الوطنى، فهى تقف بقوة إلى جوار القضية الفلسطينية التى ترفض تصفيتها بكل الصور، وتقف بقوة أيضا فى مواجهة مخطط التوطين الذى يستهدف سيناء، وهو ما سيسجله التاريخ للقيادة السياسية بحروف من نور فى كتاب التاريخ الكبير .

تم نسخ الرابط