انطلاق أسبوع القاهرة السادس للمياه تحت عنوان "العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الاستدامة"
انطلق منذ قليل إسبوع القاهرة السادس للمياه المنعقد تحت عنوان "العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الإستدامة" ، والذي يقام تحت رعاية فخامة السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وذلك خلال الفترة من ٢٩ أكتوبر الى ٢ نوفمبر ٢٠٢٣ ، وحضور عدد كبير من الوزراء والوفود الرسمية وكبار المسئولين في قطاع المياه والعلماء والمنظمات والمعاهد الدولية ومنظمات المجتمع المدني والسيدات والمزارعين والقانونيين من مختلف دول العالم .
وألقى السيد الأستاذ الدكتور/ هانى سويلم وزير الموارد المائية والري كلمة رحب فيها بجميع السادة الحضور فى مصر التى تستضيف للعام السادس على التوالى هذا المؤتمر الدولى الهام المعنى بقضية المياه .
وفيما يلى نص كلمة السيد الأستاذ الدكتور/ هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى فى الجلسة الإفتتاحية لـ "إسبوع القاهرة السادس للمياه"
معالي السادة الوزراء ورؤساء الوفود والسادة السفراء الحضور الكريم
يسعدنى أن أرحب بكم اليوم جميعاً في الجلسة الإفتتاحية لـ "أسبوع القاهرة السادس للمياه" والذى ينعقد هذا العام تحت عنوان "العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الإستدامة" تحت رعاية السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية .
السيدات والساده .. إن هذا المؤتمر الدولى الهام يُعد فرصة للقاء أشقائنا من مختلف دول العالم والمنظمات ذات الصلة بقضايا المياه لتوحيد الرؤى والجهود العالمية حيال دمج قضايا المياه بملف التغيرات المناخية ، وتعزيز أواصر التعاون والتبادل العلمي والتقني بين الدول ورفع الوعي المجتمعى بقضايا المياه وتشجيع الأفكار المبتكرة لمواجهة التحديات المائية بدءاً من طلاب المدارس وصولاً إلى الخبراء والعلماء والسياسيين والتنفيذيين .
السادة الحضور .. إن لقاءنا اليوم يأتي في وقت يواجه فيه العالم تحديات متزايدة لتوفير إحتياجات المياه وضمان استدامتها ، خاصة مع النمو السكاني المتزايد واستمرار التطور الإنساني وما يستتبعه من زيادة الطلب على المياه ، ولا يقتصر الأمر على الزيادة السكانية والحضرية فحسب ، ولكن ما يواجه العالم من تغيرات مناخية أصبحنا نشهدها في العديد من الظواهر التي تؤثر على قطاع المياه في كافة دول العالم مما كان له العديد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية .. ففي عام ٢٠٢٢ فقط تأثر أكثر من ١١٠ مليون شخص في القارة الافريقية بشكل مباشر بالمخاطر المتعلقة بالمناخ والمياه ، مما تسبب في أضرار اقتصادية تزيد عن ٨.٥٠ مليار دولار أمريكي ، وتم تسجيل ٥٠٠٠ حالة وفاة ٤٨٪ منها مرتبطة بالجفاف و ٤٣٪ مرتبطة بالفيضانات وفقا لقاعدة بيانات أحداث الطوارئ بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية ، مما أضاف المزيد من التعقيدات لمساعي توفير المياه بشكل مستدام وبنوعية مقبولة ووضع تحديات إضافية أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة ، وخاصة الهدف السادس الخاص بالمياه وتحقيق الأمن الغذائي على المستوى العالمى في ظل الترابط القوى بين المياه والغذاء والطاقة متوجها بالشكر للسيدة الوزيرة رانيا المشاط على مجهودها فى برنامج نوفى .
وفى هذا السياق .. لا يمكن ان نغفل آثار الحروب على إمداد السكان بالإحتياجات الضرورية للحياه فيما يتعلق بإمدادات المياه والغذاء والكهرباء مثلما هو الوضع في قطاع غزة المنكوب ، فبالاضافة الى ما خلفه العدوان الجارى على الاراضى الفلسطينية المحتلة والذى حصد أرواح ما يزيد عن ٧٠٠٠ شخص في غضون ثلاث أسابيع فقط ، فإن تدهور الأوضاع الإنسانية وفقدان الاحتياجات الأساسية للحياه يجعل هذا الرقم قابل للزيادة بصورة كبيرة .
السادة الحضور .. إن إختيار موضوع إسبوع القاهرة السادس للمياه "العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الإستدامة"... للبناء على مخرجات وتوصيات أسبوع القاهرة الخامس للمياه العام الماضي “المياه في قلب العمل المناخي" ليعكس تلك التحديات والعمل على لفت أنظار المجتمع الدولي وحشد جهوده لوضع ملف المياه على رأس العمل المناخى العالمى .
السادة الحضور .. لعل مصر خير مثال للدول التي تعاني من العديد من التحديات المترتبة على ندرة المياه وتغير المناخ ، حيث تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة والأقل من حيث معدل الأمطار التي لا تتجاوز ١.٣٠ مليار متر مكعب سنويا ، مع الإعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة ٩٨% والذى يأتي من خارج حدود الوطن ، ويبلغ نصيب الفرد في مصر من المياه سنوياً نصف حد الفقر المائي عالميا ويتم سد الفجوة بين الموارد المائية المتاحة المقدرة بنحو ٦٠ مليار متر مكعب والطلب على المياه المقدر ب ١١٥ مليار متر مكعب عن طريق إعادة الاستخدام ٢١ مليار متر مكعب سنويا بالإضافة إلى استيراد ما يفوق ٣٤ مليار متر مكعب من المياه الافتراضية فى صورة اغذية .
ويتعاظم التحدى مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التي تؤثر على مصر سواء من خلال إرتفاع درجات الحرارة وما ينتج عنها من زيادة الاستخدامات المائية أو من خلال السيول الومضية التي صارت أكثر تطرفاً أو من خلال إرتفاع منسوب سطح البحر والنوات البحرية التي تؤثر سلباً على المناطق الساحلية على الرغم من تناقص هطول الامطار بنسبة تتجاوز ال ٢٠% خلال الثلاثين عام الماضية ، بالإضافة لتأثر مصر بالتغيرات المناخية بسائر دول حوض النيل بإعتبار أن مصر هي دولة الأخيرة فى المصب بدول حوض نهر النيل .
السادة الحضور .. في مواجهة هذه التحديات ... فإن مصر تبذل مجهودات ضخمة ومتواصلة على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية .
فعلى الصعيد الوطنى .. تبنت مصر سياسة مائية تقوم على الاستخدام الرشيد والمستدام لمواردها المائية مع الاعتماد المتزايد على الموارد المائية غير التقليدية ، وذلك على التوازي مع سياسة غذائية توازن ما بين إنتاج الغذاء محليا واستيراده لتوفير الأمن الغذائي .
كما تقوم بتنفيذ إستثمارات هائلة لرفع كفاءة منظومة المياه لديها ، من خلال تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي ، وأعمال تطهير وتأهيل الترع والمصارف ، حيث تم حتى الآن تأهيل ٧٢٠٠ كم ، وجاري العمل في تأهيل ٣١٠٠ كم ، كما تقوم الوزارة بتأهيل محطات الرفع وإحلال وتجديد ٤٥ محطة تخدم ١.٧٠ مليون فدان ، وتحديث ٦ محطات للطوارئ ، وكذلك تأهيل المنشآت المائية المقدرة بما يزيد عن ٤٧ ألف منشأ بمختلف انحاء الجمهورية ، هذا بخلاف التحول لأنظمة الرى الحديث بالأراضى الرملية ومزارع قصب السكر والبساتين ، وتحقيق الإدارة الرشيدة للمياه الجوفية غير المتجددة ، وتنفيذ ١٦٠٠ منشأ للحماية من أخطار السيول و حصاد المياه ، كما تهتم الوزارة بمشروعات حماية الشواطئ المصرية ، والتي تمتد على مدى ١٢٠ كم لحماية استثمارات مقدرة ب ٢.٥٠ مليار دولار واستعادة ١.٨٠ مليون متر مكعب ، مع التوسع في إعادة استخدام المياه عدة مرات لسد جزء من الفرق بين الموارد والإحتياجات المائية مثل محطات المعالجة الكبرى في بحر البقر والحمام وبذلك يبلغ اجمالى استثمارات الدولة المصرية فى مجال المياه خلال السنوات التسعة الماضية ٤.٤٠ مليار دولار .
السادة الحضور .. على ضوء ما تقدم ، فإن وجود تعاون مائي فعَّال عابر للحدود يُعد بالنسبة لمصر أمراً وجودياً لا غنى عنه ، ولكي يكون هذا التعاون ناجعاً فإن ذلك يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى "الحوض" بإعتبار الحوض وحدة متكاملة ، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء ، كما يتطلب ذلك مراعاة الالتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق ، لا سيما مبدأ التعاون والتشاور بناء على دراسات فنية وافية ، وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الاستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الأضرار ما أمكن .
واتصالاً بذلك .. تبرز أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة ، والتي يُعد أحد أمثلتها السد الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه منذ أكثر من ١٢ عاماً على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة ، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي ، وهى الممارسات الأحادية الغير تعاونية التي تشكل خرقاً للقانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام ٢٠١٥ ، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام ٢٠٢١ ، وهو ما يشكل استمرارها خطراً وجودياً على أكثر من مائة مليون مواطن على ارض مصر ، وعلى الرغم مما يتردد من أن السدود الكهرومائية لا يمكنها أن تشكل ضرراً ، لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية في تشغيل هذا السد المبالغ في حجمه يمكن أن يكون لها تأثير كارثي ، ففي حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل ، وفقدان ما يقرب من ١٥% من الرقعة الزراعية المصرية ، بما يترتب على ذلك من مخاطر ازدياد التوترات الاجتماعية والاقتصادية وتفاقم الهجرة غير الشرعية ، كما يمكن أن تؤدي تلك الممارسات إلى مضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية .
وعلى الرغم من ذلك تستمر مصر في مساعيها الحثيثة للتوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد المذكور ، على النحو الذي يراعى مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائية مع الحيلولة دون إلحاق الضرر به وبما يحقق المنفعة للدول الثلاث ، وهو الأمر الذي يتطلب أن تتبنى جميع أطراف التفاوض ذات الرؤية الشاملة التي تجمع بين حماية المصالح الوطنية وتحقيق المنفعة للجميع .
كما تحرص مصر على تعزيز أواصر التعاون والتكامل مع دول حوض النيل ونقل الخبرات المصرية لها في كافة المجالات ، وهو ما يتمثل في العديد من مشروعات التعاون الثنائى التي تنفذها الدولة المصرية في دول حوض النيل مثل مشروعات مقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى والمساهمة في الحد من مخاطر الفيضان والحفاظ على القري والمدن المطلة على البحيرات من أخطار الفيضانات ، وكذلك إنشاء خزانات حصاد مياه لأغراض الشرب والاستخدامات المنزلية وإنشاء محطات مياه الشرب من المياه الجوفية ، بالإضافة الى إنشاء محطات قياس المناسيب والتصرفات وإنشاء مراكز للتنبؤ ، كما تهتم مصر ببناء القدارات لكافة الفنيين من مختلف الدول الافريقية .
وعلى الصعيد الدولى .. إنخرطت مصر وبفاعلية في كافة المبادرات الدولية المائية التي تهدف لتحقيق المزيد من التعاون الدولى في التعامل مع قضايا المياه وتحدياتها ، حيث تمكنت مصر - خلال رئاستها لمؤتمر COP27 - وبالتعاون مع الشركاء الدوليين من وضع المياه في قلب العمل المناخي العالمى من خلال تنظيم مائدة مستديرة رئاسية عن الأمن المائي ، وإستضافة جناح خاص للمياه ، ويوم خاص للمياه للمرة الأولى فى تاريخ ال COP ، وإطلاق مبادرة دولية للتكيف فى قطاع المياه (AWARe) والتى تهدف لتنفيذ مشروعات على الأرض بالدول الإفريقية للتكيف مع التغيرات المناخية ، كما تم تتويج كل هذه الجهود بإدراج المياه للمرة الأولى على الإطلاق في القرار الجامع covering decision الصادر عن مؤتمر المناخ COP27 ، وقد كان لإسبوع القاهرة الخامس للمياه لعام ٢٠٢٢ دور هام في الإعداد لفعاليات مؤتمر COP27 .
كما تشرف مصر برئاسة مجلس وزراء المياه الافارقة (AMCOW) لمدة عامين .. حيث تعمل مصر جاهدة خلال رئاستها في الدفع بإحراز تقدم في ملف المياه على مستوى القارة الافريقية ، فضلاً عن إبراز تحديات القارة على الأجندة العالمية ، حيث تم تدشين "المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي" PAN AFRICAN تحت مظلة المبادرة الدولية للتكيف بقطاع المياه AWARe ، والمعنى بتنفيذ حزم تدريبية متنوعة في شتى مجالات ادارة المياه ، من أجل بناء كوادر قادرة على التعامل مع ملف المياه في ظل التحديات المتفاقمة المرتبطة بتغير المناخ .
كما تواصل مصر مساعيها من خلال مشاركتها الفعالة في كافة المحافل الإقليمية والدولية وبصفتها رئيسا للمجلس بقيادة العديد من الجلسات والموائد المستديرة ، واجراء مناقشات مع المانحين لحشد المزيد من التمويل لتحقيق الأمن المائي في القارة وتحقيق رؤية افريقيا للمياه ٢٠٢٥ وما بعدها بما يتماشى مع أجندة أفريقيا ٢٠٦٣ "افريقيا التي نريد" ، ونذكر في هذا الاطار مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذي عقد هذا العام للمرة الأولى من ٤٦ عاما ، حيث قامت مصر بدور فعال في القيادة المشتركة مع دولة اليابان في الحوار التفاعلى الثالث حول المياه والمناخ والذي اسفر عن توصيات هامة تساعد في رسم خارطة الطريق لعقد الأمم المتحدة للمياه المقرر عام ٢٠٢٨ .
كما تشارك مصر بصفتها رئيسا المجلس الحالى لوزراء المياه الأفارقة بإدارة الحوار الاقليمي الافريقي للمنتدى العالمي العاشر للمياه (World Water Forum) المزمع عقده في بالي اندونيسيا عام ٢٠٢٤ ، وذلك لتأكيد تضمين الرسائل والاولويات الافريقية وتضمينها بالأجندة المائية العالمية .
ويأتي إسبوع القاهرة السادس للمياه الذى نشهد بدء فعالياته اليوم كحدث تحضيرى لمؤتمر المناخ القادم COP28 والمقرر عقده في غضون شهر من الآن بدولة دولة الإمارات العربية الشقيقة ، حيث سيتم رفع التوصيات الصادرة عن إسبوع القاهرة السادس للمياه كمدخلات لفعاليات المياه في مؤتمر المناخ COP28 .
السادة الحضور .. ختاماً أود أن أؤكد على سعادتي بوجودي معكم اليوم في هذا الجمع الكريم وأشكركم جميعاً على المشاركة ، وأود التأكيد على أهمية المناقشات المتوقعة خلال هذا المؤتمر في وضع حلول مشتركة لتحديات الندرة المائية وتغير المناخ والأمن الغذائي التي يواجهها المجتمع الدولى ، وبلورة رسالة واضحة وتعهدات ملزمة لكافة الأطراف للعمل التشاركي والتعاون الإقليمي والدولي لتوحيد الجهود لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية علي قطاع المياه ، وحشد الجهود من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا وللأجيال القادمة .