محمد فودة يكتب: لا صوت يعلو فوق صوت الشعب فى اختيار رئيسه
- المصريون يوجهون "ضربة قوية" لكل المشككين فى الانتخابات الرئاسية ويقولون للعالم: نحن هنا
- الناخبون كانوا ينتظرون أمام اللجان قبل موعد فتحها للإدلاء بأصواتهم... وهو حدث لأول مرة فى الانتخابات المصرية
- صحف العالم تشيد بإيجابية المصريين.. والشباب فى مقدمة المشهد.. والرسالة: اطمئنوا على المستقبل
قررت أن أنزل إلى لجنتى الانتخابية فى اليوم الثانى للتصويت – الاثنين 11 ديسمبر – كنت أعتقد أن اليوم الأول سيشهد حشدا هائلا فى اللجان الانتخابية، وأن اللجان فى اليوم الثانى ستكون أقل ازدحاما، لكننى ومن اللحظة الأولى التى نزلت فيها إلى الشارع متجها إلى المدرسة التى بها لجنتى، وجدت أننى كنت مخطئا فى حساباتى، فاليوم الثانى كما اليوم الأول تماما فى الحشد والازدحان، وكأن المصريين قرروا أن تكون الانتخابات الرئاسية هذه المرة وحدة واحدة لا انفصال بين أيامها. فى اللجنة الانتخابية ورغم الازدحام الشديد، كانت الأمور كلها ميسرة، فقد قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بجهد هائل، من أجل وصول الناخب إلى لجنته والإدلاء بصوته، لا شيء يعطل عملية التصويت، ولا شيء يجعل منها عملية معقدة، تجعل المواطنين ينصرفون عنها، وهو ما وضح فى الأيام الثلاثة، فقد تابعت اليومين الأول والثالث عبر القنوات الفضائية وعبر المواقع الإلكترونية، فوجدت أمامى شعبا عظيما، قرر أن يرفع من قيمة صوته، أولا: من خلال الإدلاء به فى صناديق الاقتراع، وثانيا: من خلال منحه لمن يستحق. تحدثت مع كثيرين ممن حولى شاركوا هم أيضا فى الانتخابات الرئاسية، ذهبوا إلى اللجان الانتخابية بحماس شديد وأدلوا بأصواتهم، وكانوا حريصين على متابعة العملية الانتخابية فى مراحلها وأيامها الثلاثة، فوجدت اتفاقا كاملا على أن هذه الانتخابات هى الأفضل من بين الانتخابات المتعددة التى مرت بمصر منذ العام 2005. لم أندهش من هذا الاتفاق أبدا، فما رأيته يؤكد ذلك، وما سمعته يدعم هذا التوصيف الدقيق للعملية الانتخابية الأهم والأكبر والأعظم فى تاريخ الانتخابات المصرية، فقد رأينا مظاهر عديدة أعتقد أنها لم تحدث من قبل، حيث أقبل المصريون على التصويت حتى من قبل أن تفتح اللجان أبوابها، ورأينا مصريين يجلسون أمام اللجان تمهيدا للإدلاء بأصواتهم، وهو ما يعكس حرصا كبيرا على المشاركة وعلى التفاعل الهائل الذى أصر المصريون على أن يبدوه تجاهها.
لقد كانت الانتخابات الرئاسية ملحمة وطنية كبرى، شارك فيها الجميع، ولا يمكن أن نستثنى أحدا من الصورة الكبيرة والعظيمة التى بدت عليها، لأن ما جرى على الأرض ليس نتاجا لفريق بعينه، وليس حكرا على طائفة بعينها، فالجميع شاركوا، والجميع دعموا وساعدوا وساندوا المشهد لكى يظهر بهذه الصورة التى أبهرت العالم، وهو ما ظهر لنا من التقارير الصحفية والإعلامية التى حرصت الصحف ووسائل الإعلام العالمية على نشرها، وكلها أشادت بما حدث فى مصر، بل وحرص كتاب هذه التقارير على الإشادة بالشعب المصرى وتوجيه الشكر له. عندما تأملت المشهد بتفاصيله وجدت أن الشعب المصرى بالفعل يستحق الشكر، بل لابد أن نرفع له القبعة احتراما وتقديرا وتبجيلا، ولابد أن نشيد بقدرة هذا الشعب المتجددة على الإبهار، فهو لا يتحدى الآخرين، ولكنه طوال الوقت يتحدى نفسه، ويستطيع أن يتفوق عليهم. لقد راهن كثيرون من خصوم هذا الوطن الذين نعرفهم جميعا على أن الشعب لن يشارك فى الانتخابات، وأنه ستكون هناك أكبر عملية عزوف عن التصويت، وأن اللجان ستكون خاوية على عروشها، ولن يدخلها أحد، وأعتقد أن هؤلاء أصابتهم صدمة كبيرة فى الساعات الأولى فى اليوم الأول للتصويت، حيث وجدوا خلاله فى كل محافظات مصر ملايين المصريين وهم يدلون بأصواتهم، وهو ما دفعهم إلى نسج الكثير من الأكاذيب والافتراءات على المشهد الانتخابى، لكن فضح الشعب كذبهم، لسبب بسيط أنه هو من صنع ملحمة الانتخابات هذه المرة. لقد أوقع الشعب المصرى هذه المنصات المعادية فى شر أعمالها، كشف عورتها، بل قام بتعريتها بشكل كامل، ففى كل مرة كانت هذه المنصات تتحدث إلى الشعب عما يفعله المسئولون ويقومون به، وكانت تزيف وتزور وتضلل، وكان بعض ما تنشره يدخل على الناس، لكن هذه المرة كشف الناس كذب هذه المنصات، لأنها تحدثت عما فعلوه وقاموا به فى الانتخابات.
عرف الشعب المصرى أن صوته له قيمة ووزن، ولا يجب أن يهدر هذا الصوت أبدا، ولا يفرط فى حقه فى المشاركة والنزول إلى اللجان، عرف أنه وخلال السنوات الأخيرة أصبح مواطنا كامل الأهلية من حقه أن يشارك فى بناء بلده، وأنه ليس أقل من أى مواطن فى أى دولة فى العالم، وأن كلمته التى يقولها يمكن أن تغير، ويمكن أن ترسم صورة مشرفة للوطن، فلم يتأخر أبدا فى أن يقول كلمته، وأن يدلى بصوته، وأن يتواجد بنفسه. لقد ظللنا لسنوات طويلة نردد شعار" لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وارتبط هذا الشعار بحالة الحرب، فقد كنا نحارب من أجل تحرير بلدنا، وكان القصد أننا ونحن نحارب فلا يجب أن يعلو صوت فوق صوت المعركة، فلابد أن تتضافر الجهود كلها من أجلها، ولابد أن يذهب إليها كل الدعم، ولابد أن نتحول إلى جنود فى ساحة المعركة، دون أن يتأخر أحد أو يتحجج أحد. اليوم ونحن نتحدث عن هذه الانتخابات، أرى أن الشعار المناسب لها تماما ودون مبالغة هو " لا صوت يعلو فوق صوت الشعب"، ولهذا أسبابه الكثيرة والمنطقية.
فقبل هذه الانتخابات حاول كثيرون استغلال الحالة الاقتصادية الصعبة التى كانت انعاكسا لأوضاع دولية معقدة ومتشابكة، وحاولوا التأثير فى المواطنين، بل وصل الأمر إلى محاولة تحريضهم على الدولة والنظام والحكومة، بل كانوا يعتبرون أن هذه الانتخابات فرصة ذهبية يمكن خلالها تنفيذ مخططاتهم ضد الدولة، لكن الشعب المصرى أخرس هذه الألسنة جميعا، عندما منح صوته للدولة المصرية، لتحافظ على حالة الاستقرار التى تحققت وعلى حالة الأمن والأمان التى يعيش فيها الناس. لا يستطيع أحد أن يخدع الشعب المصرى، وعندما يعتقد أحدهم أنه قام بهذا الخداع، يفاجأ فى لحظة بأن هذا الشعب يلقنه درسا قاسيا من خلال وعيه الشديد بأهمية بلده وأهمية الحفاظ على دولته وعلى أمنه القومى، فالمصريون الذين خرجوا للانتخابات الرئاسية لم يخرجوا من أجل مرشح بعينه، بقدر ما خرجوا من أجل الوطن الذى يتكالب عليه كثيرون يريدون أن ينالوا منه. ولا صوت يعلو فوق صوت الشعب المصرى أيضا فى هذه الانتخابات، لأنه عندما أدرك أن بلده يتعرض للخطر، وأن هناك مؤامرة واضحة ماثلة أمامه على الحدود، نسى كل ما يعانى منه، لم يعد يردد ما كان يقوله عن الأسعار أو عن غلاء المعيشة والتضخم، فقد وجد أن بقاء الوطن واستقراره وأمنه سيكون قادرا على تمكينه من حل المشكلات، لكن ماذا سيفعل إذا وجد نفسه بدون وطن على الإطلاق؟! كيف يمكن أن يتصرف فى هذه اللحظة، وإلى أين يذهب ووطنه الذى يحميه لم يعد له وجود من الأساس؟! لقد كان الشعب المصرى على العهد به كما هو دائما، وهو ما بدا واضحا بقوة فى كل طوائف المجتمع، فلم يتخلف أحد، كان الشباب فى مقدمة الصفوف، وخرج كبار السن والنساء، بل وجدت تلاميذ المدارس الصغار الذين ليس لهم أصوات من الأساس، لكنهم تواجدوا فى محيط اللجان وهم يرفعون أعلام مصر، فقد أرادوا أن يشاهدوا هذا الحدث الكبير. ما خرجت به من المشاركة والمتابعة فى هذا الحدث الكبير، أن الشعب المصرى قادر على صناعة المعجزات بالفعل، قادر على أن يجتاز كل العقبات، يستطيع إذا أراد شيئا أن يحققه فى الوقت الذى يريده، مهما حاولوا التقليل منه، ومهما حاولوا الإساءة إليه، فإنه فى الوقت المناسب يرد وبقوة على كل هؤلاء الذين يسخرون منه ويسيئون إليه، يفعل ذلك بقوة وقسوة، وهو ما حدث فى الانتخابات الرئاسية، فقد كان الرد على كل المشككين والمفبركين والكاذبين عاصفا وصاعقا وقويا إلى أبعد مدى.
إننى أتوجه بالتحية إلى جموع شعبنا العظيم، الذى كان على قدر المسئولية، خرج ليقول كلمته، تمسك بحقه فى بناء بلده، وهو ما يجعلنا نطمئن على المستقبل، فبلد شعبه مثل الشعب المصرى لا يمكن أن نخاف عليه أبدا.