الخميس 31 أكتوبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمود الشويخ يكتب: « مصر تكتب تاريخا جديدا »..كيف صنع السيسى "المعجزة النووية" مع القيصر الروسي؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشفية

- ماذا قال الرئيس لـ " بوتن".. وما الذى جرى فى الوحدة النووية الرابعة؟

- هل يعلن الأمريكان الحرب على القاهرة؟.. ولماذا تغضب أوروبا من الحلم المصرى الكبير؟

- أسرار الرعب الإسرائيلى من " نووى الضبعة"..وكواليس عملية تأمين أخطر مشروع فى تاريخ مصر 

 

تقول حكمة التاريخ إن الآمال تولد من رحم التحديات وفى قلب كل "محنة" "منحة"!

هذا ما قفز إلى ذهنى وأنا أتابع بفخر واعتزاز شديدين فعاليات بدء تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة بمشروع الضبعة النووى.. بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى ومشاركة نظيره الروسى فلاديمير بوتين.

فى الحقيقة إننى لم أصدق أننا نقف هنا فى هذه الدولة التى تتعرض لتهديدات غير مسبوقة من جميع حدودها تقريبا.. لكنها فى الوقت ذاته تعلن للعالم أنها ماضية فى طريقها إلى المستقبل.. لن يعوقها شيء.. ولن يوقفها أى أحد.. وأيضا لن تعرقلها أى تحديات أو مخاطر.. طالما كنا على قلب رجل واحد.

فمشروع أول محطة نووية مصرية للطاقة السلمية هو حلم لطالما راود المصريين على مدى أكثر من نصف قرن، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان أول من طرق أبواب المستقبل النووى، وسعى سعيا حثيثا من أجل انضمام مصر للنادى النووى ، ففى عام 1955 تم تشكيل "لجنة الطاقة الذرية" برئاسة الرئيس عبد الناصر، وفى يوليو 1956 تم توقيع عقد الاتفاق الثنائى بين مصر والاتحاد السوفيتى بشأن التعاون فى شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها.

وفى سبتمبر عام 1956 وقعت مصر عقد مفاعل الأبحاث النووى الأول مع الاتحاد السوفيتى بقدرة 2 ميجاوات (أُطلق عليه اسم مفاعل أنشاص) .

وتقرر فى العام التالى تحويل "لجنة الطاقة الذرية" إلى "مؤسسة الطاقة الذرية" .

ودخل مفاعل أنشاص العمل فى سنة 1961 .

ولكن ما لبث أن تضاءل الحماس لتحقيق الحلم النووى بعد التوتر الذى شاب العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات ، فوجه الرئيس السادات أنظاره صوب الولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد للاتفاق على بناء عشر محطات نووية مصرية  من خلال شركة وستنجهاوس الأمريكية وتم توقيع اتفاقية تعاون نووى بين الجانبين المصرى والأمريكى ، ولكن لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بالبدء فى تنفيذ أى خطوة تجاه هذا المشروع مما دفع الرئيس السادات لاستبعاد الشريك الأمريكى والتوجه للغرب الأوروبى وتحديدا فرنسا .

وفى الثمانينيات وبعد اغتيال السادات وتولى الرئيس الأسبق مبارك مقاليد الحكم ، عزم على المضى قدما فى المشروع النووى ، ووقع الاختيار على منطقة " الضبعة " لإنشاء أول المحطات النووية ، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ، حيث أدى حادث مفاعل " تشرنوبل " إلى إلغاء البدء بتنفيذ الفكرة وتأجيلها إلى أجل غير مسمى .

وجاء عام 2007 ليعلن الرئيس الأسبق مبارك استئناف البرنامج النووى المصرى فى أرض الضبعة .. لكن فى ذلك الوقت ثار جدل واسع حول ملاءمة هذه المنطقة للمشروع، وما إذا كان من الأفضل نقله إلى موقع آخر واستغلال الضبعة فى مشروعات سياحية .

وتعاقدت الحكومة مع شركة أسترالية عام 2009 لمراجعة الدراسات الخاصة بالمشروع ومدى ملاءمة منطقة الضبعة للمفاعل النووى، وتم تقديم نتائج الدراسات التى أعدتها الشركة الأسترالية، بالتعاون مع هيئة المحطات النووية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتى أقرت بأن موقع الضبعة مناسب، وأنها لا تمانع فى إقامة محطة نووية هناك.

وفى 2013 بدأ إعداد وتجهيز الموقع لتنفيذ المشروع بعد استلام القوات المسلحة للموقع ، حيث قامت الهيئة الهندسية بتشييد مبانٍ للعاملين بالمشروع والإدارة وتمكنت القوات المسلحة من إنشاء برج الأرصاد لقياس "درجات الحرارة، الرطوبة واتجاهات الرياح"، بالإضافة إلى إنشاء مبانى العاملين وأجهزة قياس المياه الجوفية والزلازل والتيارات البحرية وإمداد خطوط الغاز والمياه والكهرباء والاتصالات.

وفى 19 نوفمبر 2015 وقع الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين اتفاقية إقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء بأرض الضبعة كمرحلة أولى، والتى تستهدف إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 1200 ميجاوات بإجمالى قدرات 4800 ميجاوات بتكلفة إجمالية 20 مليار دولار، وحددت هيئة المحطات النووية هذا اليوم من كل عام عيدا وطنيا للطاقة النووية .

وتعمل روسيا على إنشاء مفاعل نووى لمصر من الجيل الثالث من خلال شـــركة الطاقة الذرية الروسية Rosatom ، يضاهى فى قوته مفاعل لينيجراد، حيث ستكون مصر الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك مفاعلات من الجيل الثالث  موثوقة وآمنة.

وفقًــا للاتفاقيــة، ســـتقدم روســيا قرضًــا بقيمة ٢٥ مليـار دولار أمريكـى لمصـر لتغطيـة85  %مـن تكلفـة البنـاء، بينمـا سـتمول مصـر المبلــغ المتبقــى مــن خــلال مســتثمرين مــن القطاع الخاص .

وستقوم هيئة الطاقـة النوويـة التابعـة لـوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصـرية بـإدارة المشروع وامتلاكه.

وتكمن أهمية مشروع الضبعة النووى فى الفائدة التى ستعود على مصر فى مجالات عديدة، وكذلك النقلة النوعية التى ستجعل مصر فى قائمة ومصاف الدول التى تمتلك طاقة نووية سلمية نظيفة .. فلا شك أن دخول مصر النادى النووى يعنى دخول الاقتصاد المصرى إلى مجال أرحب وأوسع، وستكون هناك فوائد مباشرة على إنتاجنا من الكهرباء، كما سيتيح لها تنويع مصادرها من الطاقة البديلة غير الناضبة والرخيصة نسبيا، ويقلل اعتمادها على النفط والغاز، ويجنبها تقلبات أسعارهما، فضلا عن تميز الطاقة النووية بنظافتها وعدم الإضرار بالبيئة، والتسبب فى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى التى تسهم فى تغير المناخ، وغيرها من الآثار الناجمة عن استخدامات الوقود الأحفورى .

وتدخل مصر رسميا بعد تدشين هذا المشروع عصر الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، الأمر الذى يدعم مسيرتها فى معركة التنمية، وهى تخطو نحو بناء دولة حديثة تقوم على أسس علمية سليمة، تأخذ فى سبيلها بكل أسباب النهوض والتقدم العلمى، خاصة بعد أن تعددت الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وأصبحت تدخل فى معظم المجالات العلمية والطبية والزراعية والصناعية، وحتى فى مجالات التغذية، وزيادة الإنتاج النباتى والحيوانى.

وقد ألقى الرئيس السيسى كلمة فى غاية الأهمية خلال فعاليات بدء تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة بمشروع الضبعة النووى.. أعرب خلالها، فى البداية، عن خالص تقديره وسعادته بالمشاركة الكريمة لـ"الصديق العزيز، فخامة الرئيس فلاديمير بوتين"، فى فعاليات بدء تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة بمشروع الضبعة النووى، والتى تأذن بشروع الدولة المصرية فى مرحلة الإنشاءات الكبرى لكافة الوحدات النووية بالمشروع.

الرئيس قال: 

إنه لمن دواعى سرورى وفخرى واعتزازى أن أتشارك معكم هذه اللحظة التاريخية، التى ستظل خالدة فى تاريخ وذاكرة هذه الأمة، وشاهدة على إرادة هذا الشعب العظيم الذى صنع بعزيمته وإصراره وجهده التاريخ على مر العصور، وها هو اليوم يكتب تاريخا جديدا بتحقيقه حلما طالما راود جموع المصريين بامتلاك محطات نووية سلمية، مؤكدا تصميمه على المضى قدما فى مسار التنمية والبناء، وصياغة مستقبل مشرق لمصر.

إن هذا الحدث العظيم يمثل صفحة مضيئة أخرى فى مسار التعاون الوثيق بين مصر وروسيا الاتحادية، ويعد صرحا جديدا يضاف إلى مسيرة الإنجازات التى حققها التعاون "المصـــرى – الروسى" المشترك عبر التاريخ، كما يعكس مدى الجهود المبذولة من كلا الجانبين للمضى قدما نحو تنفيذ مشروع مصر القومى، بإنشاء المحطة النووية بالضبعة، الذى يسير بوتيرة أسرع من المخطط الزمنى المقرر متخطيا حدود الزمان، ومتجاوزا كل المصاعب، ليعكس الأهمية البالغة التى توليها الدولة المصرية لقطاع الطاقة إيمانا بدوره الحيوى كمحرك أساسى للنمو الاقتصادى، وأحد ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق "رؤية مصر 2030"..

وها هو يؤكد أن ما يشهده عالمنا اليوم من أزمة فى إمدادات الطاقة العالمية يؤكد أهمية القرار الإستراتيجى الذى اتخذته الدولة المصرية بإحياء البرنامج النووى السلمى المصرى لإنتاج الطاقة الكهربائية، كونه يساهم فى توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل، وبما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفورى، ويجنب تقلبات أسعاره.

كما أن إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذى تعتمد عليه مصر لإنتاج الكهرباء يكتسب أهمية حيوية للوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فى زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يحقق الاستدامة البيئية والتصدى لتغير المناخ.

ودائما وأبدا.. تحيا مصر.

 

 

تم نسخ الرابط