" الدواء فيه سم قاتل " هذه المقولة الشهيرة التى صارت من التراث الشعبى المتداول منذ أن وردت فى الفيلم العربى الشهير " حياة أو موت " عام ١٩٥٤ ، أحداث هذا الفيلم مع فارق التشبيه تعكس حال ما يحدث فى قطاع الدواء بمصر باعتراف وزارة الصحة التى أصدرت مؤخراً بيانا تحذر فيه من تداول أدوية ومستحضرات تجميل بعضها يصيب بالعمى والبعض الآخر يسبب أمراضاً خطيرة .
وربما ما خفى كان أعظم إذ أن كل المعلومات والأدلة تؤكد أننا أمام جريمة مكتملة الأركان ترتكب فى حق صحة المصريين الذين باتوا ضحايا لمافيا الأدوية المغشوشة التى لا يحركها سوى جمع الأموال دون وازع من دين أو دافع من ضمير وما بين مصانع الموت وتجار الغش توارت الحقيقة واختفت الرقابة وسقط المريض المصرى ضحية الداء والدواء .
من خلال المعلومات وتقصى حقائق تلك الجريمة لابد أن نؤكد أنه ما يتردد أن يوجد دواء بديل ويقصد به المثيل ويكون نفس المادة الفعالة ولكن يتم إنتاجه بواسطة شركة أخرى ويوجد دواء مغشوش وهو نوعان الأول به خطأ فى التصنيع والثانى معتمد إذ لا يتم غش المادة الفعالة فقط بل يتم الاستعانة بمادة فعالة أخرى تغير من طعم وشكل الدواء ويكون مسجلا لدى وزارة الصحة ويدخل مصر عن طريق التهريب ويتم كشفه عن طريق التحليل .
وتحدث عملية تصنيع الأدوية المغشوشة داخل مصانع " بير السلم " أو ورش غير مرخصة فى مناطق عشوائية تقوم ببيع منتجاتها لشركات معروفة لتحقيق مكاسب عن طريق استغلالها لاسم منتج آخر وهو المنتج الأصلى .
ولعل ما أكده البروفيسور مارك جيلينى رئيس جمعية مكافحة غش الدواء بباريس موخراً أنه ما بين 700 ألف و800 ألف شخص يموتون سنويا بسبب الغش فى الدواء وأن الأمر لا يقتصر على الفقراء فقط ومن المعروف أن ملك البوب مايكل جاكسون مات بسبب جرعة دواء خاطئة لافتا إلى أن الموت بسبب الأدوية المغشوشة فى الولايات المتحدة نسبته أعلى من الموت عن طريق حوادث الطرق .
ولا ننكر برغم جهود الدولة فى محاربة تلك المافيا إلا أن السنوات الماضية شهدت تصاعداً لظاهرة غش الدواء فى مصر ومن يراجع المشهد إعلاميًا يجد أنه لم يمر الشهر إلا وأعلنت وزارة الصحة عن ضبطها مصانع بير السلم وكميات من الأدوية المغشوشة يتم تداولها فى السوق محذرة المواطنين من تناولها ولابد وأن نشير إلى ترويج الأدوية عبر الإعلانات التليفزيونية لأنها كارثة لا يمكن السكوت عنها إذ أن هذه الأدوية المعلن عنها مجهولة المصدر ولا نعلم ما إذا كانت مسجلة لدى وزارة الصحة أم لا وفى الغالب تعتبر هذه الإعلانات " بيزنس " للنصب على المرضى والحصول على أموالهم من خلال خداعهم وإيهامهم بأن هذه الأدوية مستوردة .
الغريب والكارثة الحقيقية مشاركة بعض الأطباء دون قصد فى عملية خداع المريض فى الأدوية المغشوشة وهنا يلفت إلى الروشتة إلى أن بعض الأطباء يكتبون للمريض أدوية مستوردة غير متوفرة محلياً وهو ما يساعد مافيا غش الدواء على خداع المريض وإيهامه بأن الدواء المغشوش الذى يبيعونه له هو الأصلى الذى يبحث عنه فيلهث عليه المريض أملاً فى شفائه ولا يعلم أنه يلهث وراء الموت .
ولابد وأن نواجه خطورة هذه الإعلانات من خلال ضرورة تفعيل دور المجلس الأعلى للإعلام وخاصة القرار الصادر عنه والذى يفيد بتشكيل لجنة من وزارة الصحة ممثل فيها عضو من نقابة الأطباء لمراجعة أى إعلان عن الدواء قبل عرضك فى الفضائيات وذلك لمنع النصب على المواطنين متسائلا: " لماذا لم تفعل هذه اللجنة إلى الآن ؟! تاركًا لهذا التساؤل علامة استفهام للجهات المسئولة .
يا سادة صناعة الدواء من أخطر وأهم الصناعات فى أى دولة من دول العالم فهى بمثابة صمام الأمان القومى ومؤشر ارتفاع مبيعات الدواء والعمل على تصنيعه وتصديره دليل على استقرار الوضع الاقتصادى للدولة فكلما ارتفعت قيمة صادرات الدولة من الدواء ارتفع اقتصادها وحصدت الكثير من العملة الصعبة التى تساهم بشكل مباشر فى زيادة الاستثمارات ويقدر حجم تجارة الدواء فى مصر ما بين 60 و 70 مليار جنيه سنويا وذلك وفق الإحصاءات الرسمية وبالرغم من ذلك تواجه تجارة الأدوية فى مصر العديد من الأزمات منها استيراد المادة الفعالة من الخارج ، إضافة إلى بعض التعقيدات الإدارية وانتشار مافيا احتكار صناعة الدواء .
وطبقا لما أكده عدد كبير من خبراء صناعة الدواء ، أن الخطير فى الأمر هو صعوبة التفرقة بين الدواء الأصلى والمغشوش حتى إن الأمر يلتبس على الصيدلى نفسه موضحا أن الأدوية المغشوشة يتم تصنيعها فى مصانع بير السلم أو ورش فى مناطق شعبية لديها إمكانيات تصنيع بدائية لكنها تستطيع تصنيع الدواء بشكل يقارب الأصلى لذا نطالب بمحاربة هذه التجارة السامة والقاتلة من خلال ضبط هذه المصانع سواء عن طريق حملات من وزارة الصحة أو الداخلية أو عن طريق التبليغ وأيضاً من خلال ضبط المعدات والآلات المستخدمة فى التصنيع والتى تباع فى الأسواق بدون قيود ، كما نطالب بمنح المطابع الخاصة بطباعة علب الدواء ومواد التعبئة والتغليف تراخيص لشركات الأدوية التى تحددها وزارة الصحة فقط وبذلك ستجد مصانع بير السلم عائقاً فى تغليف الأدوية المغشوشة وبالتالى لن تتمكن من ضخها فى السوق وهذا بالنسبة للأدوية المصنعة محلياً أما بالنسبة للمصنعة خارج مصر وتدخل عن طريق التهريب فلابد من تشديد الرقابة على منافذ الدخول للكشف عن الأدوية المستوردة وحقيقة شرعيتها من حيث كونها مسجلة لدى وزارة الصحة أم لا .
فبعد أن ثبث أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة وصل لنحو ٩ مليارات جنيه سنويا ، جاء الوقت بسرعة إنشاء ما يسمى بالبرنامج الوطنى لمكافحة غش وتزييف وتدليس الدواء موضحاً أنه يشمل كيفية التعامل مع الأدوية المهربة والمصنعة فى الداخل ووضع الضوابط التى تحول بين استمرار عملية غش الدواء ووصول هذه الأدوية القاتلة إلى المواطنين لافتا إلى أن جميع الدول التى حاولت أن تجد حلاً لظاهرة غش الدواء قامت بإنشاء برنامج وطنى للحفاظ على سلامة الدواء لديها ووضع ضوابط ومعايير لمحاربة هذه الظاهرة والتشديد على سرعة إصدار قانون مزاولة المهنة لما يتضمنه من عقوبات مغلظة فى حال ضبط دواء مغشوش وهو ما يضمن وجود عبرة لتجار الموت .. وللحديث بقية.