محمد فودة يكتب: هذه رسالة مصر إلى العالم عن حرب غزة فاسمعوها
- على العالم أجمع أن يجتمع من أجل الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة
- أكثر من 85% من جميع المساعدات الإنسانية التى وصلت قطاع غزة تم حشدها من قبل الحكومة المصرية والمجتمع المدنى المصرى
- ما يحدث فى غزة يخالف كل ما سمعناه من الغرب عن حقوق الإنسان والاحتياجات الإنسانية الأساسية والديمقراطية وكل الأمور الأخرى التى يتبناها الغرب
لا تدخر مصر جهدا فى كل المحافل الداخلية والخارجية للتأكيد على ثوابت موقفها من القضية الفلسطينية، ولما تقوم به وتقدمه من أجل نصرة الأشقاء فى غزة، وهو الدعم الذى يتجاوز الكلام النظرى الإنشائى، ولكن الفعل على الأرض يتحدث عن نفسه دائما.
مؤخرًا كان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى يشارك فى جلسة حوارية بشأن الوضع فى قطاع غزة ضمن فعاليات اليوم الثانى للمنتدى الاقتصادى العالمى الذى تستضيفه العاصمة السعودية الرياض.
هذه الجلسة شارك فيها الدكتور بشر الخصاونة، رئيس الوزراء بالمملكة الأردنية الهاشمية، والسيدة سيجريد كاج كبير منسقى الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار فى غزة، والسيد سامر خورى، رئيس شركة اتحاد المقاولين العالمية "CCC"، وأدار الجلسة أحد مسئولى المنتدى الاقتصادى العالمى.
ومن خلال ما قاله الدكتور مصطفى مدبولى نجد أن مصر دولة تتحرك بثوابت واضحة فى سياستها تجاه القضية الفلسطينية، فما سبق أن قلناه يؤكد عليه رئيس الوزراء، وأعتقد أن هذا الثبات على الموقف هو ما يدعم تأييد دول العالم المختلفة لموقف مصر وتأييدها لما تأخذه من خطوات.
فى مستهل كلمته، أعرب رئيس الوزراء عن تقديره جهود المملكة العربية السعودية فى حسن تنظيم المنتدى الاقتصادى العالمى، موجهًا الشكر لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان على دعمهما لإخراج المنتدى بهذه الصورة الناجحة.
وانتقل رئيس الوزراء بعد ذلك للحديث عن تداعيات الحرب على غزة التى أصبحت بمثابة "كابوس" للعالم بأسره منذ اندلاع شرارتها الأولى فى السابع من أكتوبر 2023.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى إن مصر منذ اللحظة الأولى لنشوب هذه الحرب أعلنت موقفها بكل وضوح "بأنها تعارض تمامًا كل صور الهجوم على المدنيين من الجانبين، ونحن لا ندعم ما حدث فى السابع من أكتوبر ضد المواطنين الإسرائيليين، ولكن ردة الفعل من الجانب الإسرائيلى كانت صادمة، إذ كانت بمثابة عقاب جماعى لكل الفلسطينيين سكان قطاع غزة، وليس ردًا عقابيًا لحماس وحدها، ودفع جميع الفلسطينيين فى قطاع غزة ثمن ما حدث فى يوم السابع من أكتوبر.
وتابع: نحن نتحدث عن تضرر نحو 2.5 مليون مواطن فلسطينى كانوا يعيشون بقطاع غزة، حيث بلغ عدد القتلى أكثر من ٣٤ ألف شخص، وتعرض ٧٧ ألف شخص لجروح وإصابات، فضلًا عن وجود ما يقرب من ٧ آلاف شخص تحت الأنقاض، وإلى جانب ذلك فإن أكثر من 84% من المنشآت الصحية تم تدميرها، كما توقفت المنظومة التعليمية، وتم تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية بالقطاع.
وأكد أنه حتى لو نجحت جهود الوساطة فى وقف إطلاق النار اليوم، وبدأنا ننظر لمستقبل هذا القطاع، نحن نتحدث -بدون مبالغة- عن عقود حتى يعود القطاع لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر منذ اليوم الأول أعلنت دعمها الفلسطينيين، وأستطيع أن أقول بدون مبالغة إن أكثر من 85% من جميع المساعدات الإنسانية التى وصلت قطاع غزة، تم حشدها من قبل الحكومة المصرية والمجتمع المدنى المصرى.
وتطرق الدكتور مصطفى مدبولى إلى عملية إدخال المساعدات عبر معبر رفح الحدودى، وبعد ذلك عبر معبر كرم أبو سالم، مشيرًا إلى "أننا حاولنا تمرير جميع أنواع المساعدات من جانبنا على الرغم من أن معبر رفح ليس معبرا لمرور الشاحنات أو للبضائع، لكن للأشخاص بشكل أساسى، لكننا قمنا رغم ذلك بفتحه منذ اليوم الأول، وما زال مفتوحًا على مدار اليوم من جانبنا من أجل محاولة عبور كل أنواع المساعدات.".
وقال: بالإضافة إلى ذلك نجحنا فى استقبال العديد من الإصابات الحرجة، مشيدًا فى هذا السياق بجميع المؤسسات والمنظمات العالمية الداعمة وكذا الكثير من الدول التى عرضت استضافة عدد من هؤلاء المصابين بغرض تلقيهم العلاج على أراضى هذه الدول، مشيرًا إلى أن الآلاف من هؤلاء المصابين تم استضافتهم فى مصر وتلقيهم العلاج فى المنشآت الصحية المصرية.
وأضاف: فيما يتعلق بالتكلفة المباشرة وغير المباشرة على مصر، سأعطى فقط رقما عاما حول أعداد الضيوف الأجانب فى مصر -ونحن لا نسميهم لاجئين بل ضيوفنا- فمصر اليوم تستضيف ما يزيد على 9 ملايين شخص من دول الإقليم وإفريقيا بسبب ظروف عدم الاستقرار فى هذه البلدان، مشيرًا إلى أن التكلفة المباشرة لاستقبال هذا العدد أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا وهى قيمة تتحملها الدولة المصرية على الرغم من الأزمة الاقتصادية التى تجابهها.
وتابع: بالعودة إلى ملف الحرب فى غزة، لدينا قناعة بأن أهم شيء الآن هو العمل من أجل تجنب أى هجوم على رفح، لأن الوضع الحالى فى رفح الفلسطينية الآن هو أننا لدينا أكثر من 1.1 مليون فلسطينى تم تهجيرهم من شمال ووسط غزة، بالإضافة إلى 250 ألفا من سكان رفح.
وقال رئيس الوزراء أيضًا إن ثمة ما بين 1.3 و1.4 مليون نازح فلسطينى منتشرون وموزَّعون على الحدود بين مصر ومعبر رفح، لافتًا إلى أن أى نوع من الهجوم على هؤلاء سيكون بمثابة إجراء كارثى، كما سيؤدى إلى النزوح الجماعى لهؤلاء الفلسطينيين بحثًا عن موطِن آمن، ما يمكن أن يضع ضغوطًا على المنطقة الحدودية مع مصر.
وأكد فى هذا الإطار أن الحكومة المصرية، ومن وجهة نظر إنسانية، مستعدة لتوفير كل أنواع الدعم للشعب الفلسطينى، ولكن من المنظور السياسى، سيُسهم ذلك بالتأكيد فى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولى: أعتقد أن كل ذلك يضعنا كمجتمع دولى فى موقف يتطلب أن نفعل ما بوسعنا لمنع حدوث تلك العملية فى رفح، ودفع طرفى الحرب من أجل التوصُّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة يسمح لنا بفسحة من الوقت تسمح ببدء عملية المفاوضات مرة أخرى.
وأكد رئيس مجلس الوزراء على الهدف الرئيس بشأن الحل السياسى للقضية الفلسطينية، وهو "حل الدولتين"، مشيرًا إلى أن أى مفاوضات لم تنتهِ بحل الدولتين ستُفضى إلى استمرار تلك الأزمة دون توقف، لذا؛ يجب أن يعمل العالم جاهدًا لإيقاف الهجمات والأزمة الإنسانية فى قطاع غزة، ثمّ تبنّى الخطوات التى من شأنها الوصول إلى حل الدولتين.
وحول المفاوضات بين حماس وإسرائيل، قال "مدبولى": نحن نستضيف المحادثات بين الطرفين حول قضايا محددة، ولكن لا تزال القضايا الجوهرية تحتاج إلى حلٍ وسط من قِبل الطرفين.
وأكد أن الموقف بات أكثر تعقيدًا، فى ظل الوضع السياسى الداخلى للطرفين؛ حيث توجد ضغوط داخلية تدفع الطرفين لعدم التوصل إلى أى تسوية.
وقال: يضيف ذلك مزيدًا من الصعوبات التى تحول دون التوصل إلى حل من شأنه تحقيق المصلحة لجميع الأطراف، حيث يتحدث كل طرف فى المفاوضات عن أجندته الخاصة، وذلك ما تسعى مصر إلى حله وإقناع الأطراف بالتوصل إلى حل وسط.
وقال: أريد أن أنوِّه إلى الآثار الاقتصادية الشديدة والمباشرة على مصر، لافتًا إلى انخفاض عائدات قناة السويس -نتيجة تراجُع التجارة العالمية- بمعدل أكثر من النصف فى الأشهر الأربعة الأخيرة.
وتابع إنه نتيجة لذلك أيضًا تسعى مصر إلى التوصل إلى تسوية بين الطرفين.
وفى ختام كلمته قال رئيس الوزراء: أود أن أؤكد أنه فى عام 1948 اعترف العالم بأسره بالدولة الإسرائيلية، وفى هذا الوقت أقر مجلس الأمن الدولى بحل الدولتين، لذا يتعين على العالم أجمع -اليوم قبل غدٍ- أن يجتمع من أجل الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة.
وتابع: ما يحدث فى غزة يخالف كل ما تعلمناه وسمعناه من الغرب عن حقوق الإنسان والاحتياجات الإنسانية الأساسية والديمقراطية وكل الأمور الأخرى التى يتبناها الغرب، وهذا يخلق شكوكًا حول جدية تبنى هذه المبادئ.
وأضاف: لو أنكم تعتقدون أن إرجاء قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيحل الأمر أو أن هذا سيكون فى صالح إسرائيل فأنتم مخطئون تمامًا، على العكس سيكون هذا ضد مستقبل إسرائيل، ولا يمكنكم تصور ما يمكن أن يحدث فى المستقبل، لأننا نتحدث عن أمة فلسطينية ترزح منذ 75 عامًا تحت وطأة الاعتداء والاحتلال ونقص جميع الحقوق الأساسية للعيش فى وطنهم التاريخى، وهو الحق الذى يتبناه الجميع فى الجلسات غير العلنية، لكن عندما يتعلق الأمر بالحقيقة واتخاذ موقف واضح وقوى، الجميع يتراجع.
وأضاف: "أعتقد أن الآن هو الوقت المناسب للعالم أن يجتمع على كلمة سواء إذا كان يود أن يجد حلا جادا للأزمة الحالية فى المنطقة، لأننا لا نستطيع أن نتخيل حجم التصاعد فى الأزمة ، ولقد رأينا دليلا على ذلك ما حدث بين إيران وإسرائيل خلال أيام قليلة، لذلك ماذا سوف يكون الموقف للعالم كله لو حدثت حرب فى المنطقة؟ وإذا كنا نظن أننا بعيدون عن هذه الحرب فإننا فى موقف صعب، فكل فرد وكل دولة سوف تتأثر بهذه الحرب، ولذلك فإن دورنا اليوم هو أن ندفع باتجاه حل الدولتين، والقيام بكافة جهود إعادة البناء وتقديم كل أنواع المساعدة الإنسانية للشعب الفلسطينى.
إننى أضع ما قاله رئيس الوزراء فى كلمته أمام الجميع ليتأكدوا من رؤية مصر ومن دورها الذى تواصله دون توقف من أجل مصلحة الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية.