الثلاثاء 18 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

"شفرة الإنجاز".. ماذا قال السيسى لرجاله الجدد؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشفية

- التقارير السرية للحكومة الجديدة .. وكواليس التكليفات الحاسمة من الرئيس

- من وقف وراء الشائعات حول الوزراء الجدد؟.. وما الملفات العاجلة على الطاولة الآن؟

- سرى جدا.. لماذا بقى هؤلاء فى الحكومة؟.. ولماذا خرج البعض غير مأسوفٍ عليه؟! 

فى الثالث من يونيو الجارى؛ كلف الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الوزراء مصطفى مدبولى بتشكيل حكومة جديدة، بعدما تقدم الأخير باستقالة الحكومة السابقة، وقد حث الرئيس السيسى على تشكيل حكومة جديدة تضم ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة، وتعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف أبرزها: الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ظل التحديات الإقليمية والدولية، ووضع بناء الإنسان المصرى كأولوية قصوى، لا سيما فى مجالات الصحة والتعليم. كما تشمل الأهداف تعزيز المشاركة السياسية، وتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، إلى جانب تطوير الثقافة والوعى الوطنى وتعزيز الخطاب الدينى المعتدل لترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعى.

كما تضمنت التكليفات مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى، مع التركيز على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل الجهود للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، وذلك ضمن إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادى للدولة فى جميع القطاعات.

وقد تصاعدت التكهنات على الساحة السياسية حول مصير الحكومة الحالية بعد أداء الرئيس عبد الفتاح السيسى اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة فى 2 أبريل 2024، وكان طرح تغيير الحكومة هو فرصة لطرح رؤى مغايرة تظهر فيها الحكومة الجديدة أكثر تضامنًا مع المواطنين، وتتناسب مع تطلعات الجمهورية الجديدة وذلك للسيطرة على التحديات الاقتصادية الحالية والتى تنعكس نتائجها السلبية على المواطن، لذا كان من الضرورى أن تتدخل القيادة السياسية للعمل على تشكيل حكومة جديدة تسهم فى تحسين الأداء العام للدولة.

وتعد وزارة مدبولى هى الوزارة الرابعة والعشرين بعد المائة فى تاريخ مصر، وقد أدت الحكومة اليمين الدستورية فى 14 يونيو 2018، وقد واجهت حكومة "مدبولى" تداعيات الأزمة الاقتصادية التى يمر بها العالم نتيجة جائحة كورونا مروراً بالأزمة الروسية- الأوكرانية وأخيرا الحرب فى غزة، وقد خلفت كل هذه الأزمات الإقليمية والعالمية، تحدياتٍ كبيرة من ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع فى أسعار السلع.

وهذه التحديات كانت فى أعقاب تحديات أخرى مزمنة أصابت هيكل الاقتصاد المصرى، إذ يعانى الاقتصاد المصرى من عدة أمراض مزمنة يرجع تاريخها لعقود، لعل أبرزها العجز المزمن فى الموازنة العامة، وتهالك البنية التحتية الأمر الذى جعل الاقتصاد المصرى بيئة غير مشجعة على الاستثمار لعقود، إلى جانب تفشى البيروقراطية وتضخم الجهاز الإدارى للدولة، وارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب، مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى، النمو السريع بمعدلات النمو السكانى.

جل هذه التحديات انعكست بصورة سلبية على مظاهر الاقتصاد المصرى، والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية. وفيما يلى أبرز التحديات التى كانت تواجه الدولة المصرية خلال الفترة من 2009-2014:

الأوضاع الاقتصادية نتيجة ما واجهته مصر من  مرحلة عدم الاستقرار السياسى، والاضطراب الأمنى، فى أعقاب أحداث يناير2011، أثر سلباً على العديد من المؤشرات الاقتصادية، مثل: تصاعد معدل البطالة، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور ملحوظ فى حجم الاستثمارات الأجنبية، وتراجع ملموس فى الاحتياطيات الأجنبية الذى انخفض ليسجل 13.6 مليار دولار أمريكى بنهاية يناير 2013 مقارنة بـ 36 مليار دولار فى بداية يناير 2011، بالإضافة إلى تدنى نسب نمو إجمالى الناتج المحلى إذ سجلت نسب النمو أقل معدلاتها التاريخية إذ بلغت 1.8% و2.22% و2.2 % لأعوام 2011 و2012 و2013 على الترتيب، وفيما يلى أبرز المؤشرات الاقتصادية (معدل النمو الاقتصادى- معدل البطالة- عجز الموازنة للناتج- الاحتياطى النقدى- الاستثمارات الأجنبية المباشرة) خلال الفترة من 2009-2013.

تدهور البنية التحتية والتى تعد مقياسا لمكانة الدولة على المستوى العالمى ومعاملا أساسيا لجذب الاستثمارات، لكن واجهت الدولة المصرية خلال الفترة من عام 2009 حتى عام 2014 العديد من التحديات أبرزها: الخلل فى التوزيع الحضرى للسكان حيث تمركز ما يقرب من 56 % من المواطنين فى محافظات القاهرة والإسكندرية، كما وصلت نسبة الأراضى المعمورة والمستغلة من إجمالى المساحة الكلية لمصر 7% عام 2013، مقارنة بـ 13.8% فى عام 2023. كما كلفت الاختناقات المرورية الدولة ما يقرب من 8 مليارات دولار فى محافظة القاهرة فقط، وهو ما جعل حكومة مدبولى تعمل على التوسع فى شبكات الطرق، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة كامتداد عمرانى للمحافظات الراهنة.

الرئيس السيسي  مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.

بالإضافة إلى تدهور شبكات المياه والصرف الصحى، حيث وصلت نسبة التغطية فى شبكات المياه إلى 97% عام 2014، كما كان هناك تحدٍ متمثل فى انخفاض نسب تغطية شبكات الصرف الصحى إلى 50% على مستوى الجمهورية. كذلك كانت قدرة محطات التحلية تصل إلى 80 ألف متر مكعب فى اليوم لعدد 35 محطة، ووصلت محطات معالجة الصرف الصحى إلى 410 محطات عام 2014.

كذلك، واجهت الدولة عدم استدامة مصادر الطاقة، فقد وصلت مشروعات إنتاج الطاقة إلى 29 ألف ميجا اسمية عام 2014، فضلا عن انخفاض عدد الوحدات التى لديها غاز طبيعى حيث بلغ إجمالى عددها 6 ملايين وحدة عام 2014 مقارنة بـ 14.2 مليون وحدة عام 2023.

الخدمات الاجتماعية والتى كانت تواجه ترديا فى كافة القطاعات من تعليم وصحة، فقد كان ترتيب مصر العالمى 108 من 187 دولة بتقرير التنمية البشرية لعام 2014، فضلا عن أن 14 % من سكان مصر يعانون من فيروس سى. أما عن المنظومة التعليمية، فقد كانت المؤشرات تعكس انخفاضا فى المستوى التعليمى بالداخل، والذى ظهر بشكل كبير فى وصول نسب المتسربين من التعليم الإعدادى إلى 4%، كذلك عدم تنوع المسارات الجامعية وتماشيها مع متطلبات سوق العمل المصرى والعالمى، فقد بلغ عدد الجامعات المصرية 50 جامعة عام 2014، أما المنظومة الصحية والتى شهدت تدهورا فى عدد وحالة المستشفيات الحكومية وعدم كفايتها للتناسب مع أعداد السكان، فقد وصل عدد المستشفيات إلى 88 مستشفى عام 2014 مقارنة بـ 125 مستشفى عام 2023.

وبخلاف التحديات المتجذرة بالاقتصاد المصرى، واجه الاقتصاد المصرى تحديات جساما خلال السنوات القليلة الماضية، تجلت صعوبتها فى تواليها وتزامنها وعمق تأثيرها. ولعل من أبرز التحديات التى عانى منها الاقتصاد المصرى مؤخرًا؛ انتشار جائحة كورونا، وقبل التعافى الاقتصادى من آثار الجائحة اندلعت الأزمة الروسية – الأوكرانية، مسببة أزمة اقتصادية عالمية، تبلورت فى معاناة العالم أجمع من التضخم وارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة، وشلل حركة الإمداد حول العالم. ثم أخيرا أزمة غزة المندلعة منذ أكتوبر 2023 والتى كان لها تأثيرات سلبية على عائدات السياحة وانخفاض مدخلات قناة السويس لأقل من 50  % من مدخلاتها.

فالاقتصاد العالمى شهد ارتفاعًا غير مسبوق فى معدلات التضخم، خاصة بعد الآثار السلبية لجائحة كورونا والتى أدت إلى إغلاق كامل فى العديد من دول العالم، وما ترتب على ذلك من نقص المخزون الإستراتيجى العالمى، ونقص فى الإنتاج بالإضافة إلى أزمة نقص فى الطاقة فى الأسواق العالمية، وتعثر عمليات الشحن الدولية والتى طالت أسواق أوروبا وأمريكا وبريطانيا والصين، إضافة إلى التغيُّرات المناخية الحادة التى أثرت على الإنتاج الزراعى العالمى.

ولم تكن مصر بمعزل عن هذه الأزمات، بل كانت مصر واحدة من أكثر الدول المتأثرة بهذه الأزمات، باعتبارها تستورد ما يقرب من 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن كونها مقصدًا سياحيًا يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، وهو ما انعكس على معدلات التضخم المحلية الشهرية بشكل عام، ولمجموعة الطعام والمشروبات على وجه التحديد لكونها الأكثر تأثرًا على المديين السنوى والشهرى.

أدى الارتفاع فى معدلات التضخم العالمى، إلى توجه البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمة إلى رفع أسعار الفائدة العالمية أكثر من مرة، لاحتواء الضغوطات التضخمية، وهو ما أدى إلى هروب الأموال الساخنة من الاقتصادات الناشئة؛ ومن بينها مصر حيث خرج ما يزيد على 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة فى الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم الأساسى ليسجل %38.7 فى عام 2023، وتراجع قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى بما يزيد عن 60%، إلى جانب تصاعد حجم المديونية الخارجية، واتساع الفجوة الدولارية بين المطلوب والمعروض من الدولار.

ولم تلبث الدولة المصرية تتخطى الآثار الاقتصادية للأزمة الروسية- الأوكرانية –والتى مازالت مستمرة حتى الآن- حتى اندلعت الحرب على قطاع غزة، والتى كان لها بالغ الأثر على حركة التجارة بقناة السويس، فقد انخفضت أعداد السفن المارة بقناة السويس بنسب تخطت 50% خلال الشهور القليلة الماضية، تجنباً لهجمات الحوثيين جنوب البحر الأحمر. وذلك بخلاف؛ ارتفاع الدين العام، وانخفاض عائدات قطاع السياحة، وتصاعد ارتفاع معدلات التضخم.

كل هذه التحديات مجتمعة كانت أحد الدوافع أمام الدولة للبحث عن حلول ناجعة لعلاج مواطن القصور بهيكل الاقتصاد المصرى، فتوجهت الحكومة السابقة للعمل على تحفيز الاستثمار المحلى والأجنبى بمصر، ودعم القطاعات الإنتاجية بالدولة كقطاعات الزراعة والصناعة، والتوجه نحو تعزيز موارد الدولة من خلال تقليل الأعباء بموازنة الدولة، بتخفيض فاتورة الدعم عن بعض السلع الأساسية كـ (الخبز – الكهرباء – والمحروقات). الأمر الذى أثار مخاوف الشارع المصرى، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا، من آثار السياسات الاقتصادية الأخيرة.

فقد أدى الإعلان عن تحريك سعر رغيف الخبز المدعم إلى تصاعد الجدل فى الشارع المصرى، حول مدى قدرة المواطن على تحمل المزيد من الأعباء المالية والاقتصادية. وتصاعدت الآراء المنادية بضرورة تعديل الحكومة وضخ كفاءات جديدة قادرة على إدارة الملفات والتحديات الراهنة، تكون أكثر مرونة وموضوعية فى الاستجابة لشكاوى الرأى العام، وتحقيق التوازن الكافى بين استثمار ما تم تحقيقه من تنمية فى المجالات الاقتصادية المختلفة، والحفاظ على رضا المواطن المصرى.

وقد جاءت استقالة الحكومة، يوم 3 يونيو 2024، استجابة لمطالب الشارع المصرى بضرورة ضخ دماء جديدة للسلطة التنفيذية بالدولة، تكون قادرة على التعامل مع التحديات والأزمات التى تواجه الدولة المصرية الآن، خاصة بالملفات الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، والتى تتماس مع المواطن المصرى بشكل مباشر.

ومن المتوقع أن يسهم التغيير الحكومى فى إعادة رسم وصياغة السياسات الراهنة، ولعب دور محورى فى تحديد بوصلتها، بما يتماشى مع طبيعة التطورات والتحديات التى تمر بها الدولة فى الداخل والأزمات الاقتصادية العالمية، وعمق التوترات والصراعات الجيوسياسية التى تحيط بها فى الخارج.

بالتأكيد من شأن ضخ دماء جديدة داخل الحكومة المصرية أن يؤدى إلى تغييرات ملموسة على الأرض، بجانب استمرار الحوار الوطنى الذى سيعد بوصلة مهمة من شأنها تصويب مسارات الحكومة، الأمر الذى سيعود بالإيجاب على المواطنين، ويزيد من الدعم الشعبى.

ودائما وأبدا.. تحيا مصر.

الصفحة الثانية من العدد رقم 366 الصادر بتاريخ 13 يونيو2024
 
تم نسخ الرابط