الحكومة ترسم "خريطة المستقبل "
- رئيس الوزراء يجدد تعهداته أمام المواطنين ويعد بحل المشكلات المعلقة
- أربعة محاور لخطة الحكومة والرهان على قدرة الوزراء على تجاوز التحديات
- الخطة مبشرة ومطمئنة وليس علينا إلا أن نتابع ونراقب ونتمسك بالأمل
لا أخفى على قارئى العزيز أننى كنت أتطلع إلى الاستماع إلى بيان الحكومة الذى ألقاه رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى أمام مجلس النواب بمقر البرلمان بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهو البيان الذى يقدم من خلاله حيثيات اعتماده وحصوله على ثقة البرلمان وشرعيته.
وسر تطلعى للاستماع إلى البيان هو معرفتى بحجم التحديات التى ستواجهها هذه الحكومة خلال السنوات القادمة، وهى تحديات لا تخفى لا أحد، ولذلك جلست مستمعا إلى البيان بإنصات شديد.
بدأ الدكتور مدبولى بيانه بأن يقف أمام مجلس النواب لتقديم برنامج عمل الحكومة للسنوات الثلاث القادمة، مُجدِّدًا مع النواب العهد على استكمال مسيرة بناء الوطن، وتحقيق تطلعات المواطن المصرى، لافتًا إلى أن برنامج عمل الحكومة اعتمد بشكل رئيسى على مستهدفات رؤية مصر ٢٠٣٠، وتوصيات جلسات الحوار الوطنى، ومختلف الإستراتيجيات الوطنية، والبرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية، حيث تسعى من خلال هذا البرنامج إلى تحسين واقع حياة المواطن بجميع جوانبها، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التطوير المستدام الذى يضع وطنَنَا فى المكانة التى تليق به.
استعرض رئيس الوزراء طبيعة التحديات التى تُواجهنا، والتى علينا بادئا ذى بدء أن ندركها، مشيراً إلى أنها تحديات ذات وجوه متعددة، حيث يرتبط الوجه الأول بإكمال المسيرة التى بدأتها مصر منذ عشر سنوات، والتى بذلت فيها الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى جهدًا كبيرًا فى تطوير البنية التحتية، ومشروعات الطاقة، واستصلاح الأراضى وتطوير الصناعة، وتطوير العشوائيات، وتوفير الإسكان الاجتماعى لقطاعات عريضة من السكان، وإتاحة شبكة حماية اجتماعية متكاملة للفئات الأكثر احتياجًا، وتطوير خدمات الصحة مع تقديم مبادرات ناجحة فى القضاء على الأمراض المُزمنة، والتوسع فى إنشاء الجامعات والمدارس، والعمل على تقديم نوعية جيدة من التعليم، وتقديم مبادرات تنموية كبرى مثل مشروع "حياة كريمة" لتحسين جودة الحياة فى القرى، ومبادرة "مائة مليون صحة"، ومبادرة "تكافل وكرامة."
وأضاف: "أما الوجه الثانى فهو يرتبط بتحديات جديدة خلقتها الأزمة الاقتصادية العالمية التى ترتبت على الحرب الروسية- الأوكرانية، وما تبعها من تعطل لحركة الأسواق العالمية، وتسببت هذه الأزمة فى زيادة غير مسبوقة فى الأسعار، وأثرت على مستوى العرض لسلع بعينها، وقد أدى هذا المشهد إلى صور من المعاناة بالنسبة للمواطن فى كافة دول العالم، وقد أثبت المواطنون المصريون أنهم على قدر المسئولية، فتحملوا الأمر بقوة وصلابة"..
وقال: "ثمة وجهٍ ثالث لهذه التحديات يرتبط بالصراعات التى يشهدها الإقليم، والذى تقف مصر فى قلبه، ولا تَخْفى علينا جميعًا الصراعات والحروب التى تنشب هنا وهناك فى كل الاتجاهات، والتى كان آخرها الحرب الظالمة التى تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية، حيث تبذل الدولة المصرية جهودًا كبيرة فى مواجهة هذه التحديات الإقليمية، وتلعب دورًا بارزًا فى الدعوة إلى السلام والوئام، وتبذل قصارى جهدها لوقف الحرب فى غزة والعمل على قيام دولة فلسطين المستقلة، وقد كان لهذه الحرب تداعياتها الشديدة السلبية على موارد الاقتصاد المصرى، وعلى رأسها إيرادات قناة السويس، والتهديدات الحالية لحركة التجارة الدولية فى منطقة البحر الأحمر"..
وأشار مدبولى إلى أن الحكومة لمست معاناة المواطنين من مشكلة انقطاع الكهرباء، معاهداً مجلس النواب بأن تعمل الحكومة بكل عزم وإصرار على القضاء على هذه المشكلة نهائيًا خلال نصف العام الأول من برنامجها، كما لمست معاناة المواطنين من ارتفاع الأسعار وبذلت جهودًا كبيرة لضبط الأسواق وسارعت بضخ المزيد من الكميات من السلع لضمان توافرها، وقد أسفرت تلك الجهود عن تراجع معدلات التضخم فى الشهرين الأخيرين، وتستهدف الحكومة مزيداً من التراجع خلال الفترة المقبلة.
وأضاف: "كل ذلك يفرض علينا المزيد من العمل، والمزيد من المشاركة، والثقة، والوعى بأن المسئولية هى مسئولية الجميع لا يُستثنى من ذلك أحد، ومن ثم، فإننا يجب أن نؤمن بشكل دائم بأن العمل من أجل المستقبل، هو مسئولية الجميع، وأن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، وكافة المواطنين هى السبيل الأفضل نحو تحقيق الأهداف؛ وأن المصلحة الجمعية للوطن يجب أن تعلو على أى مصلحة.".
وأكد الدكتور مصطفى مدبولى فى بيانه أمام مجلس النواب، أن برنامج الحكومة المصرية للفترة (2024/2025 – 2026/2027)، الذى وضعت له عنوانًا (معًا نبنى مستقبلًا مستدامًا)، يقوم على استكمال البناء والتطوير؛ ليضمن حاضرًا أفضل ومستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة، حيث تسعى الحكومة من خلاله إلى العمل على أربعة محاور رئيسية، هى: حماية الأمن القومى وسياسة مصر الخارجية، وكذلك بناء الإنسان المصرى وتعزيز رفاهيته، بالإضافة إلى بناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، وأخيراً تحقيق الاستقرار السياسى والتماسُك الوطنى.
واستعرض رئيس الوزراء مُحددات العمل فى كل محور من المحاور الأربعة الرئيسية، موضحاً أن المحور الأول المعنىِ بحماية الأمن القومى وسياسة مصر الخارجية، يتضمن العمل على تحقيق الأمن القومى بمفهومه الشامل، بما يضمن حماية أمن واستقرار الحدود، ودعم القدرات العسكرية لجيشنا فى مواجهة التهديدات، وتعزيز أمن البحر الأحمر وقناة السويس، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والإتجار بالبشر، فضلًا عن تطوير السياسة الخارجية لمصر، وتعزيز دورها فى محيطها العربى والإفريقى والدولى، بالإضافة إلى تعزيز مشاركتها فى المنظمات الدولية.
وشدد رئيس الوزراء على أنه باعتبار أمن مصر المائى، والأمن الغذائى، وأمن الطاقة، والأمن السيبرانى، جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى؛ فإن المحور الرئيسى الأول من برنامج الحكومة يشمل العمل على تحقيق حماية أمن مصر المائى من خلال تعزيز التعاون الثنائى مع دول حوض النيل والقرن الإفريقى، وعدم التفريط فى حصة مصر من مياه النيل والتى تمثل الحياة لكل المصريين، وتقليل الفاقد من المياه وترشيد استخدام مياه الرى، وحماية الموارد المائية من التلوث، هذا فضلًا عن الأمن الغذائى وزيادة المخزون من المحاصيل الإستراتيجية، ورفع جودة المنتجات الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية.
وانتقل الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال بيانه أمام مجلس النواب، إلى المحور الرئيسى الثانى ضمن برنامج عمل الحكومة، والمَعنِى ببناء الإنسان المصرى وتعزيز رفاهيته، مشيرًا إلى أن هذا المحور يَتضمَّن عدة محاور فرعية، وهى: الحماية الاجتماعية، والصحة، والتعليم، وتمكين الشباب والمرأة، والتشغيل والقوى العاملة، والإسكان والمرافق.
وأكد رئيس الوزراء فى هذا الصدد، أن الحكومة وضعت رؤية إستراتيجية متكاملة لبناء الإنسان المصرى، إيمانًا بدوره الرئيسى فى عملية التنمية الشاملة، حيث يأتى هدف توفير مظلة الحماية الاجتماعية على رأس أولويات برنامج العمل، وذلك من خلال: تحسين مستوى معيشة الأسر، والعمل على التمكين الاقتصادى لها، والتوسع فى تمويل المشروعات المُنتِجَة لتلك الأسر والمُولِّدة لفرص العمل، مشيرًا إلى الاستمرار فى تقديم برامج الحماية الاجتماعية، وتوسيع نطاق تغطيتها، وتوجيهها للأسر المستحقة، هذا بالإضافة إلى حماية وتمكين العمالة غير المنتظمة، مع التأكيد على مدِّ مِظَلَّة الحماية لتشمل كبار السن وذوى الهمم الذين تسعى الحكومة إلى تمكينهم اقتصاديًّا وإدماجهم اجتماعيًّا.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولى أن الحكومة ستستكمل تنفيذ الأهداف الإستراتيجية لقطاع الصحة؛ للنهوض به خلال المرحلة المقبلة، والتوسُّع فى مِظَلَّة التأمين الصحى الشامل على مستوى المحافظات، وإتاحة خدمة صحية متميزة وعالية الجودة، ورفع كفاءة العاملين فيه، كما تحرص الحكومة على الارتقاء بجودة المنظومة التعليمية، ورفع كفاءة المؤسسات التعليمية، والعمل على رفع كفاءة وأداء المعلمين وتدريبهم على أحدث الأساليب التعليمية، مع التأكيد على إتاحة التعليم للجميع، وتعزيز دور البحث العلمى فى الجامعات والمراكز البحثية، وتنويع مصادر التمويل له.
وفى هذا السياق، أشار رئيس الوزراء إلى إعطاء الأولوية لإنشاء المدارس الجديدة بالمناطق الأعلى كثافة من حيث الطلاب والمناطق النائية، مع إيلاء اهتمام بالتعليم الفنى لتخريج طلاب مزودين بأحدث المهارات والتقنيات، واستهداف إنشاء أكثر من 60 مدرسة فنية وتكنولوجية حتى عام 2026 فى إطار من الشراكة مع القطاع الخاص فى إدارة وتشغيل تلك المدارس، كما تستهدف الحكومة التوسع فى مدارس النيل والمتفوقين، وإضافة 100 مدرسة جديدة من المدارس اليابانية حتى عام 2026، لتقدم مناهج تعليمية متطورة، مع إتاحة فرص الالتحاق بها لأبنائنا الطلاب من الأسر المتوسطة.
وتطرق الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إلى المحور الرئيسى الثالث لبرنامج عمل الحكومة، والمَعنِى ببناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، مشيرًا إلى أنه يَتضمَّن ثلاثة محاور فرعية، هى: ترسيخ دعائم النهوض الاقتصادى، وتمكين القطاع الخاص، وضبط الأسعار والحدُّ من التضخم.
وفى هذا الإطار، أوضح رئيس الوزراء أن الحكومة تستهدف فى العام الأول من برنامج عملها، تحقيق معدل نمو يبلغ 4.2%، على أن تحقق معدلات نمو تتجاوز 5% كمتوسط خلال فترة البرنامج، مع التحول نحو دور أكبر للقطاع الخاص فى توليد الناتج وفرص العمل، وتحقيق نمو احتوائى قادر على خلق المزيد من فرص العمل اللائقة، ومواصلة دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى، فضلًا عن خلق اقتصاد تنافسى قائم على المعرفة، ومنع الممارسات الاحتكارية.
ووصل الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، خلال بيانه أمام مجلس النواب، إلى المحور الرئيسى الرابع لبرنامج عمل الحكومة، والمتمثل فى "تحقيق الاستقرار السياسى والتماسُك الوطنى"، مشيرًا إلى أنه يأتى من منطلق كون استقرار الدولة المصرية يعتمد على قدرة مؤسسات الدولة على التكيُّف مع حركة التفاعلات فى المجتمع، ومواجهة التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية الرامية إلى استغلال المجتمع أو فرض أوضاع غير مقبولة عليه.
خريطة البيان كما عرضها الدكتور مصطفى مدبولى مبشرة ومطمئنة، وليس علينا الآن إلا أن نراقب ونتابع ونحن نتمسك بالأمل فى مستقبل مستقر ونامٍ ومستدام.