القاهرة .. كلمة ودور وتأثير
ماذا قال السيسى لمدير الـ CIA فى لقاء الاتحادية؟
- لماذا جاء ويليام بيرنز إلى مصر الآن؟.. وما الذى دار فى مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة؟
- خطوط مصر الحمراء التى أشعلت غضب نتنياهو.. وكيف تتحرك واشنطن لإتمام الصفقة؟
- أسرار خاصة جدا.. ماذا تفعل مصر فى الملف الفلسطينى؟ وتحركات "رجال الظل" لحماية الأشقاء
إذا كان نتنياهو وحكومته لا يريدان إلا زيادة معاناة الفلسطينيين، وإذا كان تركيز حركة حماس ينصب على ضمان بقائها فى الحكم فى اليوم التالى للحرب، فإن الاهتمام الرئيسى لمصر، وشركائها فى الإقليم وفى العالم، منصب على إنهاء المعاناة الفلسطينية وتوحيد الفلسطينيين تحت قيادة واحدة، وإنهاء هذه الحرب والبدء فورًا فى إعادة إعمار هذا القطاع، وتوظيف كل المواقف الدولية الراهنة للعودة لمسار التفاوض حول حل الدولتين؛ حتى لا تذهب دماء الفلسطينيين هباء فى سبيل مجد حركات وقيادات لا تعبأ بتدمير حياة أكثر من ٢ مليون فلسطينى.
من هذه العقيدة، التى لا تعرف أى حسابات سوى حسابات الأخوة، فإن مصر تتحرك، على كل الأصعدة والاتجاهات، من أجل حقن الدماء والوصول إلى سلام عادل وشامل، بينما كل من إسرائيل و«حماس» لا تمتلكان إرادة الحل وإنهاء الأزمة، وكل منهما تضع أمامها هدفًا واحدًا يسمى المصالح الخاصة والحزبية الضيقة على حساب مصالح وطموحات وآمال الشعوب التى تدفع وحدها الثمن.
ومن هنا نستطيع أن نقرأ استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، السيد ويليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والوفد المرافق له، بحضور اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة.
وفى مستهل اللقاء، نقل رئيس ciaتحيات الرئيس "بايدن" إلى الرئيس، وتقدير الولايات المتحدة للشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وهو ما ثمّنه الرئيس، مؤكداً استمرار التشاور والتنسيق بين الدولتين، لصالح الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.
اللقاء تناول تطورات الأوضاع الإقليمية، حيث تمت مناقشة مستجدات الجهود المشتركة للتوصل لاتفاق للتهدئة ووقف إطلاق النار بقطاع غزة، وأكد الرئيس فى هذا الصدد الموقف المصرى الرافض استمرار العمليات العسكرية فى القطاع، مشدداً على أهمية اضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته لوقف الحرب، وضمان إنفاذ المساعدات الإغاثية، بما يكفى للتخفيف الحقيقى من الكارثة الإنسانية التى يعيشها الفلسطينيون بالقطاع، ومؤكداً ضرورة اتخاذ خطوات جادة ومؤثرة لمنع اتساع رقعة الصراع فى المنطقة، كما شدد على أهمية إنفاذ حل الدولتين، فى إطار تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.
ومن جانبه، ثمّن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الجهود المصرية لوقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية، مؤكداً تقدير بلاده للمواقف المصرية الرشيدة والمسئولة، التى تدفع بقوة فى اتجاه إرساء السلام والأمن والتنمية، إقليمياً ودولياً.
وكان الموقف المصرى -ولا يزال- ثابتًا منذ اللحظة الأولى لاندلاع العمليات العسكرية فى قطاع غزة، وركز على ضرورة خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق يتم بمقتضاه وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين والأسرى بما يحقن دماء المواطنين الفلسطينيين المدنيين فى القطاع.
واستند الدور المصرى فى جوهره إلى منطلقات تتعلق بالخبرة السياسية فى المفاوضات منذ سنوات طويلة، وإلى معرفة عميقة وصلات وطيدة بالأطراف المعنية، استطاعت القاهرة الحفاظ عليها بالرغم من العديد من المتغيرات الجيوسياسية التى مرت بها منطقة الشرق الأوسط على مدار العقود الماضية.
كما تمتلك مصر قنوات خاصة لا تتوافر لغيرها، وفرت القاهرة من خلالها مخرجًا للأطراف من مأزق الحرب بدون أفق، من منطلق أساسى وهو الحفاظ على مصالح الشعب الفلسطينى، وضمان رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية وأى من المخططات الأخرى.
وقد تبنت مصر خطابًا واحدًا لم تحد عنه منذ بداية الحرب، وهو وقف الحرب وإدخال المساعدات والعمل على تطبيق حل الدولتين كحل نهائى، مع مراعاة الأمن القومى والمصلحة الوطنية لمصر كحجر زاوية فى جميع التحركات.
وارتكزت فاعلية الدور المصرى فى مسار التهدئة من كون القاهرة شريكًا دوليًا موثوقًا به من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين، وكذلك من الأطراف الإقليمية ذات الصلة بالحرب فى غزة، حيث مثلت عودة العلاقات بين القاهرة والدوحة تسهيلًا لعملية التفاوض التى كانت قطر والولايات المتحدة جزءًا منها، ومن ثم منحت هذه المقدمات القاهرة مرونة فى حراكها الدبلوماسى وفضاءً أوسع للتقدم بمقترحات ذات قبول عند حركة حماس وإسرائيل، كما تمثل القاهرة الرقم الأهم فى ترتيبات ما بعد الحرب فى غزة، انطلاقًا من عدد من النقاط، أبرزها الحدود الجغرافية المشتركة بينها وبين قطاع غزة، وأن الأمر كله يندرج تحت بند الأمن القومى المصرى.
ومنذ أن نجحت الجهود المصرية بالتعاون مع الشركاء قطر والولايات المتحدة فى التوصل إلى اتفاق فى ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣- تم بمقتضاه وقف إطلاق النار لعدة أيام جرى خلالها وقف جميع الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلى فى جميع مناطق غزة مقابل إبرام صفقة تبادل المحتجزين والأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، وإدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات إلى كل مناطق القطاع- تواصلت الجهود المصرية بعدها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين، وذلك فى عدة مراحل.
لكن الطرفان واصلا العناد تجاه جميع المبادرات.
وفى ٢٣ أبريل الماضى، قدمت مصر مقترحًا جديدًا، يضم ثلاث مراحل؛
المرحلة الأولى "42 يومًا"
الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود فى جميع مناطق قطاع غزة، بما فى ذلك وادى غزة "محور نتساريم ودوار الكويت- كالمبين أدناه".
وقف الطيران العسكرى والاستطلاع فى قطاع غزة لمدة ١٠ ساعات فى اليوم، ولمدة ١٢ ساعة فى أيام إطلاق سراح المحتجزين والأسرى.
فى اليوم الثالث "بعد إطلاق سراح ٣ من المحتجزين" تنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل من شارع الرشيد شرقًا حتى شارع صلاح الدين، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية فى هذه المنطقة بالكامل، والبدء بعودة النازحين إلى مناطق سكناهم "دون حمل سلاح أثناء عودتهم"، وحرية حركة السكان فى جميع مناطق القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية من شارع الرشيد من اليوم الأول ودون معوقات.
فى اليوم الـ٢٢ "بعد إطلاق سراح نصف المحتجزين المدنيين الأحياء بمن فيهم المجندات" تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط القطاع خاصة محور الشهداء نتساريم، ومحور دوار «الكويت» شرق طريق صلاح الدين إلى منطقة قريبة بمحاذاة الحدود، وتفكك المواقع والمنشآت العسكرية بالكامل، واستمرار عودة النازحين إلى أماكن سكناهم شمال القطاع، وحرية حركة السكان فى جميع مناطق القطاع.
البدء من اليوم الأول بإدخال كميات مكثفة وكافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود «٦٠٠ شاحنة يوميًا» على أن تشمل ٥٠ شاحنة وقود منها ٣٠٠ للشمال بما فى ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء والتجارة والمعدات اللازمة لإزالة الركام، وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز فى كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاق.
المرحلة الثانية «42» يومًا
الإعلان عن عودة الهدوء المستدام «وقف العمليات العسكرية والعدائية» وبدء سريانه قبل البدء بتبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين- جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة «المدنيين والجنود»- مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى فى السجون الإسرائيلية ومن المعتقلين فى معسكرات الاعتقال الإسرائيلية، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل خارج قطاع غزة.
خلال المرحلة الأولى، تطلق حماس سراح ٣٣ من المحتجزين الإسرائيليين «أحياء أو جثامين» من نساء «مدنيات ومجندات» وأطفال دون سن ١٩ من غير الجنود وكبار السن «فوق سن ٥٠» والمرضى بمقابل أعداد من الأسرى فى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وذلك وفقًا للتالى: تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء من النساء المدنيات والأطفال «دون سن ١٩ من غير الجنود»، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٣٠ من الأطفال والنساء مقابل كل محتجز أو محتجزة إسرائيلية يتم إطلاق سراحهم، بناءً على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالًا. تطلق حماس سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء كبار السن فوق سن ٥٠ عامًا والمرضى والجرحى المدنيين، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٣٠ أسيرًا من كبار السن «فوق ٥٠ عامًا» والمرضى مقابل كل محتجز أو محتجزة إسرائيلية، بناءً على قوائم تقدمها حماس حسب الأقدم اعتقالًا. تطلق حماس سراح جميع المجندات الإسرائيليات اللاتى على قيد الحياة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح ٥٠ أسيرًا من سجونها مقابل كل مجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها «٣٠» مؤبدًا، و«٢٠» أحكامًا، بناءً على قوائم تقدمها حماس. تطلق حماس ٣ من المحتجزين الإسرائيليين فى اليوم الثالث للاتفاق، وبعد ذلك تطلق حماس سراح ٣ محتجزين آخرين كل سبعة أيام بدءًا بالنساء ما أمكن «المدنيات والمجندات»، وفى الأسبوع السادس تطلق حماس سراح جميع من تبقى من المحتجزين المدنيين الذين تشملهم هذه المرحلة، بالمقابل تطلق إسرائيل سراح العدد المتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، وفق القوائم التى ستقدمها حماس. بحلول اليوم السابع «ما أمكن ذلك» ستقوم حماس بتقديم معلومات عن أعداد المحتجزين الإسرائيليين الذين سيتم الإفراج عنهم فى هذه المرحلة. وفى اليوم الـ٢٢، يطلق الجانب الإسرائيلى سراح جميع أسرى صفقة شاليط الذين أُعيد اعتقالهم.
فى حال لم يصل عدد المحتجزين الإسرائيليين الأحياء المنوى الإفراج عنهم إلى العدد ٣٣ يستكمل العدد من الجثامين من نفس الفئات لهذه المرحلة، بالمقابل، تطلق إسرائيل سراح جميع من تم اعتقالهم من قطاع غزة بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ من النساء والأطفال دون سن ١٩ سنة، على أن يتم ذلك فى الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.
ترتبط عملية التبادل بمدى الالتزام ببنود الاتفاق بما فيها إيقاف العمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وعودة النازحين ودخول المساعدات الإنسانية.
رفع الإجراءات والعقوبات التى تم اتخاذها بحق الأسرى والمعتقلين فى سجون ومعسكرات الاعتقال الإسرائيلية بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وتحسين أوضاعهم، بمن فى ذلك من تم اعتقالهم بعد هذا التاريخ.
بما لا يتجاوز اليوم الـ١٦ من المرحلة الأولى، يتم البدء بمباحثات غير مباشرة بين الطرفين بشأن الاتفاق على تفاصيل المرحلة الثانية من هذا الاتفاق فيما يتعلق بمفاتيح تبادل الأسرى والمحتجزين من الطرفين «الجنود وما بقى من الرجال»، على أن يتم الانتهاء والاتفاق عليها قبل نهاية الأسبوع الخامس من هذه المرحلة.
قيام الأمم المتحدة ووكالاتها، بما فيها أونروا والمنظمات الدولية الأخرى، بأعمالها فى تقديم الخدمات الإنسانية فى كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاقية.
البدء بإعادة تأهيل البنية التحتية: الكهرباء والماء والصرف الصحى والاتصالات والطرق فى جميع مناطق قطاع غزة، وإدخال المعدات اللازمة للدفاع المدنى، وإزالة الركام والأنقاض، واستمرار ذلك فى جميع مراحل الاتفاقية.
تسهيل إدخال المستلزمات والمتطلبات اللازمة لاستيعاب وإيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم خلال الحرب ما لا يقل عن ٦٠ ألف مسكن مؤقت- كرفان و٢٠٠ ألف خيمة.
بدءًا من اليوم الأول من هذه المرحلة يسمح لعدد متفق عليه لا يقل عن «٥٠» من العناصر العسكرية الجرحى بالسفر عن طريق معبر رفح لتلقى العلاج الطبى، وزيادة أعداد المسافرين والمرضى والجرحى من خلال معبر رفح، ورفع القيود عن المسافرين وعودة حركة البضائع والتجارة دون قيود.
البدء فى الترتيبات والخطط اللازمة لعملية إعادة الإعمار الشامل للبيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية المدنية التى دُمّرت بسبب الحرب، وتعويض المتضررين بإشراف عدد من الدول والمنظمات من ضمنها مصر وقطر والأمم المتحدة.
جميع الإجراءات فى هذه المرحلة، بما يشمل الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة والإغاثة والإيواء وانسحاب القوات.. إلخ، يستمر فى المرحلة الثانية لحين إعلان الهدوء المستدام "وقف العمليات العسكرية والعدائية".
المرحلة الثالثة «42» يومًا
تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم.
البدء فى تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة من ٣ إلى ٥ سنوات، بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية وتعويض المتضررين كافة بإشراف عدد من الدول والمنظمات، منها مصر وقطر والأمم المتحدة.
إنهاء الحصار الكامل على قطاع غزة.
وقد مر مسار المفاوضات بعدد من المحطات، ارتكز جميعها بشكل أساسى على المبادرة التى قدمتها مصر لوقف العمليات القتالية فى قطاع غزة، والتى قدمت حلولًا تدريجية ومرحلية قابلة للتطبيق حول القضايا الأساسية، وهى وقف القتال وإعادة الرهائن والمساعدات الإغاثية وإعادة الإعمار تمهيدًا لبدء المسار السياسى.
ودائما وأبدا.. تحيا مصر.