« لن ننسى جرائمكم ».. كيف تحاول الجماعة الإرهابية إسقاط الدولة المصرية؟
- ماذا تفعل ذيول الإرهاب الآن؟.. ولماذا لجأوا إلى "حرب الشاشات" ؟
- خطة الأجهزة الأمنية لحرق ما تبقى من التنظيم.. كواليس وأسرار خاصة
- من يحرك الإرهاب فى الخارج؟.. ومتى تخرج الشياطين من جحورها؟
- المصريون يردون على الأكاذيب بحملة كبرى عنوانها "لن ننسى"
هل كان لا بد أن يجرى ما جرى؟.. كان هذا هو السؤال الذى شغلنى على وقع المحاولة الإخوانية الأخيرة لتعكير الأجواء وإثبات وجودها عبر "لعبة سخيفة" على إحدى الشاشات.
وجدتنى أسأل: هل كان لا بد أن يحتشد المصريون بالملايين فى الشوارع والميادين بين يومى ٣٠ يونيو و٣ يوليو ٢٠١٣ ليهتفوا ضد الجماعة الإرهابية، مطالبين بإسقاط حكم المرشد؟
تداعت الأسئلة على ذهنى أكثر: هل كان لا بد أن يعلن الملايين من أبناء البلد المخلصين عدم عودتهم إلى بيوتهم مرة أخرى إلا بعد أن يخرج الرئيس الإخوانى مندوب مكتب الإرشاد من قصر الاتحادية؟
وهل كانت ثورة ٣٠ يونيو مجرد غضبة فى وجه مَن لم يقدروا للوطن قدره... وينزلوه المنزلة التى يستحقها؟ أم كانت ثورة شاملة بالمعنى العلمى للثورات التى لا تقوم إلا من أجل تغيير شامل، ليس فى شكل النظام السياسى فقط ولكن فى البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التى تشكل دولة جديدة تخاصم فى كل شىء ما كان؟
الحدث كبير... ولذلك فالأسئلة حوله لا بد أن تكون كبيرة ومستمرة.
لقد أنجزت ثورة ٣٠ يونيو المهمة الكبرى.. وهى مهمة رغم نجاحها الكبير فإنها لا تزال تلقى مقاومة ومحاولة لإفسادها والعودة بنا جميعًا إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
وقبل أن تسألنى عن هذه المهمة الكبرى التى أقصدها، سأقول لك إن ٣٠ يونيو كان لها الفضل الأكبر فى تفكيك جماعة مخادعة استطاعت أن تصيغ وعى المصريين بالكذب لصالحها.
قال قياداتها للناس إنهم جماعة تعمل من أجل الإسلام ونصرته وإعلاء شأنه، وصاغوا لذلك هتافات براقة دغدغوا بها مشاعر العامة ولعبوا بعواطف البسطاء من أهلنا الطيبين... فقالوا للناس إن الله غايتهم والرسول زعيمهم والقرآن دستورهم والموت فى سبيل الله أسمى أمانيهم.
وقالوا للناس إنهم يملكون برنامجًا شاملًا لإصلاح الحياة، وحاولوا أن يكون الإغراء كاملًا، فأسندوا الحديث عن برنامجهم إلى أنهم يسعون إلى تطبيق شرع الله.
وقالوا للناس إنهم لا يريدون السلطة لينعموا بملذاتها ولكن لأنها مسئولية من خلال مباشرتها يستطيعون أن يخدموا الناس وتيسير حياتهم.
وقالوا للناس إنهم لا يعارضون النظام من أجل أنفسهم... ولكن من أجل تحرير الناس من بطشه واستبداده وطغيانه وفساده.
وقالوا للناس إنهم يملكون الكوادر اللازمة لإدارة الدولة، واحتجوا على ذلك بأنهم يحملون درجات الماجستير والدكتوراه، وأنهم يستطيعون التصدى لمواجهة الأزمات والمشكلات الكبرى.
وقالوا للناس إنهم سيكونون خدمًا تحت أقدامهم... وسارعوا فى الخداع عندما بدأوا تقديم خدمات متهافتة لهم، وتواجدوا بينهم فى مناسباتهم الاجتماعية... فخُدع فيهم الناس وانخدعوا لهم.
كانت الخدعة الكبرى التى مارستها جماعة الإخوان الإرهابية ضد الشعب المصرى، أنها جماعة عانت كثيرًا وضحت كثيرًا، أعضاؤها دخلوا السجون ونالوا قسطًا وافرًا من التعذيب، وتمت مصادرة أموالهم، ودخل أولادهم فى موجات عاتية من التشريد... وأنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الناس ومصالحهم.
هذه الدعاية الساقطة كانت أكبر دليل على انحطاط جماعة الإخوان وسقوطها.
فلم يكن حديثهم عن السجون والتعذيب ومصادرة الأموال وتشريد الجموع حديث التضحية بقدر ما كان حديث الابتزاز السياسى والنفسى للمصريين، فقد أرادت الجماعة أن تحصل على ثمن ما تدعى أنها قدمته، وهو ما جعلها تبالغ إلى حد الإفك فيما تعرضت له، وتصل إلى أعلى درجات الكذب بخصوص ما عانته.
لقد تعرضت فئات سياسية كثيرة لأكثر مما تعرضت له جماعة الإخوان، لكن هذه الفئات لم تتعامل مع الشعب المصرى كما تعامل الإخوان، لم يجعلوا من سجنهم وتعذيبهم حجة للابتزاز أو البحث عن الحصول على مكاسب وتعويضات... بل لم يسعوا إلى الوصول إلى الحكم فقط من أجل أن ينتقموا ممن سجنوهم وعذبوهم.
لم يكن هتاف «يسقط يسقط حكم المرشد» الذى رفعه المصريون فى مظاهراتهم ومسيراتهم ضمن ثورة ٣٠ يونيو هتافًا موجهًا لنظام حكم فقط، بقدر ما كان موجهًا وبقوة إلى جماعة كان عمرها وقت الثورة ٨٥ عامًا.
لم تقم الثورة لتفكيك نظام سياسى ثبت فشله من طلته الأولى علينا... عندما خرج رئيسه يعلن أنه جاء من أجل أهله وعشيرته فقط.
عملت الثورة من اللحظة الأولى، التى أعلن المشاركون فيها التمرد، على تفكيك كيان عصابى تكوّن عبر عقود، وكان ينتظر الفرصة لينقض ويفتت ويهدم تمهيدًا لإعادة بناء وطن كبير على هواه وطبقًا لمصالحه، غير مهتم ولا ملتفت إلى قيمة هذا الوطن وقدره ومكانته وتاريخه ودوره.
كانت الجماعة الإرهابية مجرد ورم سرطانى فى جسد الوطن... غريب عليه... لا يعرفه ولا يعترف به... لا يحترم ثوابته ولا يقدره... ينظر إلى مصالحه وحده حتى لو تضاربت مع مصالح الوطن الكبير.
حصل هذا الورم السرطانى على شرعية وجوده فى عصر الرئيس السادات، عندما أقدم الرئيس على منحه فرصة العمل والتواجد لمواجهة خصومه وكسر شوكتهم، وتمكن من الانتشار فى جسد الوطن كله فى عصر الرئيس مبارك، الذى تعامل مع الجماعة على أنها أداة من أدوات الحكم، بعد أن حولها إلى فزاعة يخيف بها الخارج ويُرهب الداخل.
كان من مصلحة مبارك أن تبقى الجماعة وتتضخم، ولذلك لا تندهش عندما تعرف أن عصر مبارك بالنسبة لجماعة الإخوان كان عصر الصفقات السياسية والانتخابية والاقتصادية الكبرى، وهى الصفقات التى استطاعوا بها تحقيق أكبر قدر من المكاسب، مكنهم أن يكونوا القوة الشعبية الوحيدة المنظمة بعد ثورة ٢٥ يناير، وأعانهم على أن ينقضوا على كل شىء بسهولة ودون عناء، وهو ما أدهش الجميع وأصابهم بذهول أفقدهم القدرة على العمل والمقاومة.
كان وضع الجماعة غريبًا.
فهى جماعة صدرت قرارات عديدة بحلها، أى أنها لم تكن كيانًا قانونيًا أو شرعيًا بأى شكل من الأشكال، وعندما كان خصومها يطلبون منها تقنين أوضاعها والتقدم بأوراقها للحصول على ترخيص بالعمل تحت مظلة الدولة، فتخضع إلى مراقبة أعمالها وتمويلها، كانت ترفض بشدة، وكانت حجتها فى ذلك أنها أكبر من أن تعمل كجمعية أهلية، فشرعيتها يمنحها لها الشارع وتواجدها فيه، وكان هذا إعلانًا واضحًا منها أنها أكبر من الدولة أو على الأقل لا تعترف بها ولا تقر بقوانينها.
لم يكن مرشد جماعة الإخوان مجرد قائد لجماعة دعوية، ولكنه كان رئيسًا لجماعة قررت أن يكون لها تنظيمها وقوانينها وقياداتها ونشاطها، فتحولت إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة، ولأن الوضع لم يكن طبيعيًا على الإطلاق، فقد كان لا بد من قرار بتفكيك هذه الدولة الدخيلة.
تفكيك الجماعة الذى قامت به ثورة ٣٠ يونيو لم يحدث بمجرد هتاف ولكنه مر بمراحل.
وهنا يمكننى أن أحدثكم عما سنقوم به هنا.
أمامى وأمامكم أربع مراحل مهمة جرى خلالها تفكيك الجماعة تنظيميًا وفكريًا.
المرحلة الأولى هى الحافة... ويمكننا تحديد هذه المرحلة بالفترة من بدايات ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٢، وهى المرحلة التى شهدت فيها مصر أكبر حالة من الفوضى التى كادت تعصف بالوطن وتضعه فى مهب الريح.
وفى هذه المرحلة حاولت الجماعة أن تفرض سطوتها مستندة إلى دور كاذب وغير حقيقى قامت به فى أحداث يناير... ولا يمكن أن نتجاهل الضربات الداخلية التى تعرضت لها الجماعة قبل ٢٥ يناير، لكنها بهتت تمامًا على هامش الفعل الثورى الذى تنكرت له الجماعة فى البداية، ثم قررت أن تركبه وتحصل على كل غنائمه.
المرحلة الثانية هى الوهم... ويمكننا تحديد هذه المرحلة بحدود العام الذى حكمت فيه جماعة الإخوان بعد أن وصل فيها مندوبها إلى قصر الاتحادية من ٣٠ يونيو ٢٠١٢ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهو العام الذى تبدت فيه أكذوبة الجماعة، وتجسد وهمها الذى ساقته للمصريين خلال عقودها الطويلة، فقد اكتشف المصريون أنهم أمام جماعة من السراب لم يزدهم السعى وراءه إلا عطشًا وجوعًا وخوفًا وفزعًا، ولذلك كان القرار بإنهاء عصر الوهم ضروريًا.
حتى الآن هناك من يتخيل أننا خسرنا كثيرًا بوصول الإخوان إلى الحكم، وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها أو نتجاهلها، وجودهم أضر بنا كثيرًا.
لكن لا يمكننا أن ننكر أيضًا أن وصول الإخوان إلى الحكم، ولو لمدة عام واحد، كان لازمًا، بل كان ضرورة تاريخية لا يستقيم الحال إلا بها.
المرحلة الثالثة هى اليقظة... وهى المرحلة التى نصفها باللحظة المفصلية فى تاريخ حكم الإخوان، عندما أصدر محمد مرسى إعلانه الدستورى الذى أراد تحصين نفسه به وجعله إلهًا على رقاب العباد وليس رئيسًا منتخبًا، وهى لحظة استيقظ فيها المصريون على الجحيم الذى ألقوا أنفسهم فيه باستهانتهم وعدم وعيهم.
المرحلة الرابعة هى الوعى... وهى مرحلة بدأت من ٣ يوليو ٢٠١٣ ولا تزال قائمة حتى الآن، وأعتقد أنها لا بد أن تظل مستمرة ما بقيت محاولات الجماعة للانبعاث والعودة للعمل، وهى محاولات أعرف، كما تعرفون جميعًا، أنها مستمرة ولن تنتهى.
كان لا بد من التمكين للوعى الجمعى لدى المصريين بخطر هذه الجماعة، فبقاؤها كان يعنى فناء الوطن بشكل كامل، وأعتقد أن هذا الوعى كفيل بأن يحمينا من محاولات احتلال هذه الجماعة وأفكارها لنا ولوطننا مرة أخرى.
المراحل الثلاث الأولى كانت كافية لتفكيك الجماعة كتنظيم، لوضع كلمة النهاية لتاريخ جماعة وقياداتها.
لكن المرحلة الرابعة وهى الأخطر ستكون قادرة على تفكيك الجماعة كفكرة، ولذلك فهى المرحلة الأخطر، لأن خطر هذه الجماعة فى فكرتها، التى يعتقد كثيرون أنها لا يمكن أن تموت... رغم أن قتلها سهل لو أدركنا بشكل حقيقى خطرها.
فقد كانت الجماعة تعتقد أنها لا يمكن أن تُهزم أبدًا، لكننا هزمناها.
وتعتقد الجماعة الآن أنها قادرة على أن تبعث نفسها من جديد... وهو دورنا القائم والدائم الذى لا بد أن نقوم به ولا نتخلى عنه.
دورنا الآن وللأبد أن نحمى جسدنا من أن يغزوه السرطان الإخوانى من جديد.
ودائما وأبدا.. تحيا مصر.