خطوة غير مسبوقة نحو إنترنت آمن للشباب والأطفال
- اتفاقية الأمم المتحدة لحظة حاسمة فى تاريخ التعاون الدولى
- الأطفال والمراهقون الفئة الأكثر تعرضًا لمخاطر الجرائم السيبرانية والتنمر الإلكترونى
- الدول النامية تعانى من تحديات كبيرة فى مواجهة الجرائم السيبرانية
- تقرير اليونيسيف يشير إلى أن 79% من أعمار مستخدمى الإنترنت تتراوح بين 15 و24 عاماً
- 175 ألف طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى فى كل يوم أى بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية
- نقف اليوم على أعتاب مستقبل رقمى مليء بالتحديات التى يجب أن نواجهها بحزم وإصرار
الاتفاقية التى أقرتها لجنة الأمم المتحدة المختصة بمكافحة الجريمة السيبرانية تمثل لحظة حاسمة فى تاريخ التعاون الدولى، حيث تتعاظم المخاطر التى تواجهها الأجيال الجديدة فى الفضاء الإلكترونى.
لقد توقفت كثيراً أمام هذه الخطوة غير المسبوقة التى تعد بلا شك إنجازاً عظيماً فى سبيل تأمين عالم افتراضى أكثر أماناً للشباب والأطفال، وهو ما يضع على عاتقنا مسئولية مضاعفة لضمان تنفيذ هذه الاتفاقية بفاعلية على أرض الواقع.
لقد كان الإنترنت نافذة واسعة يطل من خلالها الشباب والأطفال على العالم، ينهلون منها المعرفة، يتواصلون مع أقرانهم، ويعبرون عن أنفسهم.
ومع ذلك، فإن هذا العالم الافتراضى لا يخلو من المخاطر التى قد تهدد أمنهم وسلامتهم.
تشير تقارير الأمم المتحدة واليونيسيف إلى أن نسبة كبيرة من مستخدمى الإنترنت حول العالم تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، وهى الفئة الأكثر تعرضًا لمخاطر الجرائم السيبرانية والتنمر الإلكترونى.
إن هذه الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل هى جرس إنذار يدق بضرورة اتخاذ خطوات جادة لحماية هذه الفئة من التهديدات المتزايدة.
الاتفاقية التى تم إقرارها لمكافحة الجريمة السيبرانية تأتى فى وقت حرج، حيث يشهد العالم تطوراً هائلاً فى تكنولوجيا المعلومات، ما أدى إلى زيادة معدلات الجرائم السيبرانية بشكل كبير.
ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت، أصبح من الضرورى أن تتحد الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة.
الاتفاقية تمثل التزاماً دولياً جديداً يهدف إلى تعزيز التعاون القضائى بين الدول، وتبادل الأدلة الإلكترونية، وتقديم الدعم الفنى والتكنولوجى للدول النامية التى تعانى من تحديات كبيرة فى مواجهة الجرائم السيبرانية.
إن هذا الاتفاق الدولى لا يشكل فقط خطوة نحو تأمين الإنترنت، بل إنه يعكس أيضاً قدرة المجتمع الدولى على تجاوز الخلافات والانقسامات للوصول إلى تفاهمات مشتركة لمواجهة التحديات العالمية.
هذه الاتفاقية التى تم إقرارها بإجماع الدول الأعضاء، تشير إلى أن هناك وعياً متزايداً بحجم التهديدات التى تشكلها الجرائم السيبرانية، وأن هناك إرادة جماعية لحماية المجتمعات، وخاصة الفئات الأكثر عرضة لهذه الجرائم، مثل الشباب والأطفال.
لكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو: هل ستكون هذه الاتفاقية كافية لمواجهة التحديات المتزايدة فى الفضاء الإلكترونى؟ هل سنرى تغييراً حقيقياً على أرض الواقع، أم ستظل هذه الاتفاقية مجرد حبر على ورق؟ الأمل معقود على تنفيذ هذه الاتفاقية بحزم وفعالية، من خلال تفعيل آليات التعاون الدولى، وتوفير الدعم اللازم للدول الأكثر احتياجاً، ومراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية بشكل دورى لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
فى تصريحات إعلامية مهمة أكدت الدكتورة غادة والى، المدير التنفيذى للمكتب الأممى المعنى بالمخدرات والجريمة، أهمية هذه الاتفاقية ووصفتها بأنها خطوة بالغة الأهمية لتعزيز الجهود الدولية فى مكافحة الجرائم السيبرانية.
واللافت للنظر أن تصريحاتها تؤكد أن الاتفاقية ليست مجرد نص قانونى، بل هى خارطة طريق لمستقبل أكثر أمناً فى عالمنا الرقمى.
إن المليارات التى يخسرها العالم سنوياً بسبب الجرائم السيبرانية تجعل من هذه الاتفاقية ضرورة ملحة، وليس مجرد خيار.
من ناحية أخرى، فإن الأطفال والشباب يقضون وقتاً أطول على الإنترنت أكثر من أى وقت مضى، وهذا ما يجعلهم عرضة أكبر للتهديدات السيبرانية.
تقرير اليونيسيف الذى يشير إلى أن 79% من أعمار مستخدمى الإنترنت تتراوح بين 15 و24 عاماً، يجعلنا نتساءل عن دور الأسرة والمجتمع فى حماية هؤلاء الشباب من المخاطر الإلكترونية.
يجب أن يكون هناك دور تعليمى وتوعوى يواكب التطورات التكنولوجية، بحيث يتمكن الشباب من استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول.
من هنا، يتضح أن التحديات ليست فقط على مستوى الحكومات والدول، بل أيضاً على مستوى الأفراد والمجتمعات. فالأسرة هى خط الدفاع الأول فى حماية الأطفال من المخاطر الإلكترونية.
يجب أن يكون الآباء والأمهات على دراية بما يفعله أبناؤهم على الإنترنت، وأن يتعلموا كيف يوجهونهم نحو الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التكنولوجيا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون المدارس والمؤسسات التعليمية جزءاً من هذه العملية التوعوية، من خلال إدراج مناهج تعليمية تركز على أهمية الأمان الإلكترونى والتوعية بالمخاطر المحتملة.
وفقًا لليونيسيف فإن أكثر من 175 ألف طفل يستخدمون شبكة الإنترنت للمرة الأولى فى كل يوم، أى بمعدل طفل جديد كل نصف ثانية.
وبحسب "بلومبيرج" دعمت بريطانيا "قانون الأطفال" الذى أجبر العديد من شركات الإنترنت الكبيرة، إضافة إلى "فيسبوك" و"تيك توك" على تعديل خدماتهم بما فيه صالح الأطفال، وهى تطالب فى الوقت الحالى بوضع معايير صارمة للتحقق من السن.
كما عُرض مقترح بريطانى آخر، يُعرف باسم مشروع "قانون الأمان على الإنترنت" على البرلمان خلال عام ۲۰۲۲ ويتطلب هذا الإجراء من الشركات اتباع معايير معينة للتأكد من العمر.
أما فى الولايات المتحدة فقد اقترح اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ قانون "سلامة الأطفال على الإنترنت"، وصمم على غرار أحدث مشروع قانون فى المملكة المتحدة.
إلا أن المقترح الأمريكى يفتقر إلى التفاصيل المتعلقة بكيفية تطبيق معايير التحقق من العمر، فهو لم يتطرق إلا لضرورة استكشاف الجهات التنظيمية الأمريكية لطرق تكون قابلة للتنفيذ تقنيًا.
بينما فى ألمانيا وافقت الحكومة بالفعل على نحو 80 نهجًا للتحقق من السن عبر الإنترنت، وتعد الجهات التنظيمية فى البلاد أكثر تقدمًا من غيرها، بحسب جولى داوسون، رئيسة السياسات فى شركة "يوتى (Yoti)"، وهى شركة متخصصة فى التحقق من الأعمار، ومقرها لندن.
وختاماً، لا يسعنى إلا أن أعبر عن أملى فى أن تكون هذه الاتفاقية بداية حقيقية لعصر جديد من الأمان الإلكترونى، ليس فقط للشباب والأطفال، بل لجميع مستخدمى الإنترنت حول العالم.
إن هذه الخطوة التاريخية التى اتخذتها الأمم المتحدة تستحق كل الثناء والدعم، لكنها تحتاج إلى تكاتف الجهود الدولية والمحلية لضمان تنفيذها بفاعلية.
إننا نقف اليوم على أعتاب مستقبل رقمى يحمل فى طياته الكثير من الفرص، لكنه أيضاً مليء بالتحديات التى يجب أن نواجهها بحزم وإصرار.
حماية الأجيال القادمة من مخاطر الإنترنت ليست فقط واجباً دولياً، بل هى أيضاً مسئولية جماعية تقع على عاتقنا جميعاً.