الجمعة 08 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

«إيّاك أن تعتاد المشهد».. ٣٦٥ يوماً فى مواجهة الوحشية والقتل والدمار والخراب

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

7 أكتوبر 2023.. عقارب الساعة تتحرك لما بعد الخامسة فجرًا، نحو ساعتين، وربما أقل، بدأ تناقل الأنباء حول عملية نوعية نفذتها حركة حماس ضد القوات الإسرائيلية في غلاف غزة.. توالت الأخبار والمعلومات حتى نُشر النبأ الأهم "بدأت الحرب الآن"...

في ذلك الصباح لم يكن يعلم الفلسطينيون أن حياتهم ستنقلب رأسًا على عقب من بعده، فالأمر لم يتوقف عن كونه تصعيدًا معتادًا، أو حملة عسكرية قد تستمر لـ 50 يومًا على أقصى تقدير، لكنها حرب شعواء لم يوقفها الاحتلال حتى الآن.

وبعد مرور عام على العدوان الإسرائيلي في غزة، يمكن القول إن تلك الحرب هي الأكثر دموية ضد شعب مدني أعزل، أكثر من 2.5 مليون نسمة يعيشون فوق قطعة أرض لا تزيد مساحتها على 360 كم.

ورغم أن الغالبية تنظر إلى أن "هجوم 7 أكتوبر" أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي من جديد، فإن ما يجب النظر إليه أيضًا هو ماذا فعلت تلك الحرب بأبناء قضيتها أولًا، الذين يعانون ويلاتها على مدار 365 يومًا، ولا تزال مستمرة؟!

فقد خلفت الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة 41689 شهيدًا، بينهم 16891 طفلا، و11458 امرأة، و2419 مسنا، و986 من الطواقم الطبية، و147 صحفيين، و496 شهداء الكوادر التعليمية، و203 شهداء موظفي الأونروا، و85 من الدفاع المدني.

وتجاوز عدد الذين لا يزالوا مفقودين تحت الأنقاض 10 آلاف شخص، بينهم أكثر من 4700 من الأطفال والنساء، فيما بلغ عدد المصابين 96625 مصابًا، بينهم 6168 طفلًا.

أما عدد النازحين داخليًا، فيمكن القول إن كافة سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.5 مليون نسمة، نفذوا عدة عمليات نزوح لاسيما من شمال القطاع إلى جنوبه، وتحديدا مدينة رفح الفلسطينية ومحيطها، بينما تم اعتقال ما يزيد على 5 آلاف فلسطيني من داخل القطاع.

وبالطبع، دمر العدوان الإسرائيلي الحالي الأخضر واليابس داخل غزة، ولو طال كتم الهواء عن الفلسطينيين المدنيين هناك لفعل ذلك دون تفكير.

وتعمد الاحتلال الإسرائيلي اغتيال أية مقومات أو مظاهر للحياة داخل القطاع، فبحسب البيانات الصادرة عن وزارة الأشغال العامة والسكان الفلسطينية داخل غزة، فهناك أكثر من 360 ألف وحدة سكنية متضررة، تنقسم لـ 297 ألف وحدة سكنية تضررت جزئيًا وأصبحت غير صالحة للعيش، بالإضافة إلى هدم 25010 مبانٍ، و87 ألف وحدة سكنية كليًا.

وشملت خسائر البنية التحتية في غزة جراء العدوان الإسرائيلي أيضًا خروج 34 مستشفى من الخدمة، وتضرر 25 مستشفى نتيجة القصف، وكذلك 131 عربة إسعاف، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 200 مقر حكومي.

وطالت آلة التدمير الإسرائيلي 3 كنائس داخل القطاع، و610 مساجد، بالإضافة إلى تدمير 122 مدرسة وجامعة كليًا، وتدمير 334 مدرسة وجامعة جزئيًا.

كما لم تعد غزة "أرضًا صالحة للحياة" فكل الطرق الرئيسية والمتفرعة منها داخل القطاع تدمرت كليًا وأصبحت لا تصلح للترجل حتى وليس للسيارات فقط، بفعل القصف الإسرائيلي العنيف وعمليات الهدم التي تنفذها قوات جيش الاحتلال على الأرض، لتنفيذ مخطط إعادة تقسيم القطاع لمناطق صغيرة غير مترابطة جغرافيًا.

وبعد أن عاشت غزة 18 عامًا دون احتلال، وتحديدًا منذ عام 2005، حين نفذ أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها خطة "فك الارتباط" حيث تم إخلاء المستوطنات الإسرائيلية والانسحاب لخارج غزة، بعد فشل حكومته في تحقيق هدف منع إطلاق الصواريخ من القطاع.

وبعيدًا عن الأهداف الأخرى التي وضعتها إسرائيل خلف ذلك الانسحاب، أو بالأحرى سعت لاستغلال الأمر عبر خطة بديلة لشق الانقسام بين الفلسطينيين، إلا أنه يمكننا القول إنه منذ عام 2005، لم تكن غزة تحت الاحتلال مجددًا سوى الآن فقط، فقبل ذلك، كان قطاع غزة محاصرًا إسرائيليًا، تارة تخفف تل أبيب ذلك الحصار، وتارة أخرى تحكمه، دون أن تتمكن من دخوله أو المكوث فيه لبضعة أيام.

وبالعودة لمجريات العدوان الحالي، فإن قوات الاحتلال بدأت تنفيذ اجتياحها البري للقطاع بعد 20 يومًا فقط من اندلاع الحرب، تحديدًا في 27 أكتوبر 2023، حيث شن جيش الاحتلال توغلًا بريًا واسع النطاق في شمال غزة.

وكشفت التقديرات الإسرائيلية حينها، أن الجيش حشد قوة قوامها أكثر من 100 ألف جندي، وبدأ تنفيذ حزام ناري على كل القطاع، حيث طالت الغارات والهجمات المدفعية كل أنحاء غزة في وقت واحد، لتوفير التغطية النارية لعملية الاجتياح البري.

ومنذ دخول القوات الإسرائيلية إلى القطاع، ظهر سيناريو إعادة الاحتلال الإسرائيلي لغزة يلوح في الأفق مرة أخرى، لاسيما أنه يوفر لها عدة مبررات، أبرزها يدفع إلى محاولات تنفيذ مخططها الأسود بتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم التاريخية، ومن ثم تصفية القضية إلى الأبد.

وبالتزامن مع ذلك الطرح، استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الزحف شيئًا فشيئًا على أرض القطاع، تعرقلهم التضاريس التي جهلوها على مدار الـ 18 عامًا الماضية، وكذلك "اشتباكات المسافة صفر" مع عناصر المقاومة، لكنها لم تطردهم لخارج أراضي القطاع حتى الآن. 

ونفذ الجيش الإسرائيلي سيناريو احتلاله غزة عبر 3 مراحل، تخللها عشرات عمليات النزوح للفلسطينيين المدنيين العزل، ونفذت خلالها قوات الاحتلال جرائم حرب علنية، حيث قتلت النساء والأطفال والمسنين علنًا خلال مرورهم عبر ما ادعوا أنها "مسارات آمنة" لانتقال الفلسطينيين المدنيين من الشمال إلى مناطق الوسط، عبر بوابات إسرائيلية تم تثبيتها داخل القطاع للمرة الأولى في العقد الأخير.

في المرحلة الأولى، دمر الاحتلال الإسرائيلي مناطق الشمال كليًا، لتصبح أرضًا قاتمة، حتى الهواء فيها ثقيل محمل برائحة الدماء وجثامين المدنيين الفلسطينيين، ومن بقي حيًا منهم يعاني مجاعة غير مسبوقة حول العالم، وبعدها انتقل للمرحلة الثانية، بإجبار الفلسطينيين على النزوح مرة أخرى إلى مناطق الجنوب، منفذًا ضدهم جرائم الحرب ذاته، مبررًا كذبًا بأن هدفه الأساسي هو "القضاء كليا على حركة حماس الفلسطينية"، بينما تتعدى خطته الخبيثة تلك الأهداف التي تقال في العلن فقط.

وبلغ الاحتلال بداية المرحلة الثالثة والأخيرة في 7 مايو الماضي، حين نفذ عملية الاجتياح البري لمدينة رفح الفلسطينية، ووصل إلى معبر رفح، ليدمره ومن ثم يسيطر عليه ويحكم إغلاقه، ويثبت معه احتلاله الحالي لكامل غزة.

ولا تزال قوات جيش الاحتلال موجودة داخل كامل القطاع، حيث يمارسون عمليات الإبادة وجرائم الحرب يوميًا ضد المدنيين الفلسطينيين، حيث يقصفون مخيماتهم، بزعم أنها قد تأوي أي عناصر لحركة حماس الفلسطينية.

 وبالتزامن مع اندلاع الحرب في غزة، تصاعدت حدة التوتر بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة، ولم تتوان قوات الاحتلال عن إلحاق الدمار بآليات لم تشهدها الضفة الغربية منذ عشرات السنين.

ومنذ ذلك التوقيت، استشهد أكثر من 722 فلسطينيًا بالضفة الغربية، بالإضافة إلى 5750 مصابًا، بينهم 660 طفلًا، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وكثف الاحتلال الإسرائيلي من أوامر الاعتقال الإدارية ضد المدنيين الفسطينيين، حيث تجاوز عدد الاعتقالات في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر 2023، أكثر من 11 ألف فلسطيني معتقل، فيما تم تهجير أكثر من ألف فلسطيني قسرًا.

وصنف عام 2023 على أنه الأكثر دموية داخل الضفة الغربية المحتلة، منذ نحو 20 عامًا، حيث مارس الاحتلال الإسرائيلي تدميرًا شاملًا هناك، ونفذ قواته أكثر من 20 اقتحامًا وتوغلًا لعدة مدن فلسطينية محتلة، وأبرزها مخيم جنين.

ولم تقتصر عمليات التدمير الإسرائيلي على المواجهات المسلحة فقط، لكنها امتدت لتندلع اشتباكات مباشرة بين المستوطنين (تحت حماية قوات الاحتلال) والمدنيين الفلسطينيين، وهو الأمر الذي نتج عنه ارتفاع وتيرة العمليات الفلسطينية ضدهم.

وامتدت عمليات جيش الاحتلال داخل الضفة الغربية لتشمل تنفيذ غارات جوية ضد أهداف فلسطينية، وفي حين كانت الغارات الجوية الإسرائيلية نادرة داخل تلك المناطق الفلسطينية منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000 وانتهت فعليًا عام 2005، إلا أنها أصبحت أكثر شيوعا منذ اندلاع الحرب الأخيرة.

وخلال الربع الأول من العام الجاري 2024، نشر الاحتلال الإسرائيلي 23 كتيبة عسكرية داخل الضفة الغربية، بالإضافة إلى ما يزيد على 750 حاجزاً عسكرياً في طول الضفة الغربية وعرضها، وآلاف الكتائب والفرق الشرطية التي تجتاح مدينة القدس يوميًا، وهو ما خلق مخاوف من نوايا تل أبيب بإعادة احتلال مناطق فلسطينية بالقوة.

وعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالمدن الفلسطينية داخل الضفة المحتلة، سواء عبر الاقتحامات المستمرة، وتكليف الجرافات العسكرية بتدمير الطرق والبنية التحتية داخل تلك المدن، لتطال نظام الصرف الصحي وخطوط المياه والكهرباء، وتصل لتدمير مباني المصارف والمتاجر بل ونهبها والاستيلاء على ما بداخلها.

ونفذت إسرائيل مئات الغارات على مناطق فلسطينية متفرقة داخل الضفة الغربية المحتلة، أحدثها تلك الغارة العنيفة التي شنها طيران الاحتلال منذ 3 أيام ضد مخيم طولكرم، وهي المرة الأولى منذ الانتفاضة الثانية، وخلفت 18 شهيدًا.

وتستمر العملية العسكرية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة، تحديدًا في المحور الشمالي الذي يشمل مدن جنين وطولكرم وطوباس، وسط مخاوف من أن تطال تلك العمليات مدنا أخرى خلال الأيام القليلة المقبلة.

 وبينما كان "تبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين" هو أحد الأهداف الرئيسية التي أعلنت حركة حماس الفلسطينية أنها شنت "هجوم 7 أكتوبر" لتحقيقه، ولكن بعد مرور عام كامل على الحرب الحالية، لم يتم تحقيق ذلك الهدف، بل إن الأمر انعكس تمامًا.

وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن عدد المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية قبل اندلاع الحرب الحالية كان يبلغ نحو 5250 معتقلًا، بينهم نحو 40 امرأة و170 طفلًا.

وخلال عام الحرب الحالي، نفذ الاحتلال الإسرائيلي موجات اعتقالات إدارية ضاعفت عدد المعتقلين الفلسطينيين لثلاثة أضعاف دفعة واحدة.

واستنادًا إلى المعلومات الصادرة عن مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن الاحتلال الإسرائيلي نفذ حوالي 11 ألف أمر اعتقال إداري بحق الفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة، موجودين داخل 25 سجنًا إسرائيليا.

ولم يسلم فلسطينيو غزة من الاعتقالات الإسرائيلية، حيث أسرت قوات الاحتلال ما يزيد على 5 آلاف فلسطيني، وهو عدد مرشح للزيادة طالما لم يتحقق وقف إطلاق النار.

هذا ما جنته حماس على أهل غزة بعد ٧ أكتوبر.

الصفحة الثانية من العدد رقم 382 الصادر بتاريخ 10 أكتوبر2024
تم نسخ الرابط