الخميس 21 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الفضاء السيبراني.. رؤية جديدة لمعركة المستقبل

لواء أ.ح د. سمير
لواء أ.ح د. سمير فرج - صورة أرشيفية

ظهر مصطلح الفضاء السيبراني لأول مرة في رواية خيال علمي للكاتب William Gibson عام 1982 المعروفة باسم Neuromancer، ولا يوجد تعريف متفق عليه دوليا للفضاء السيبراني على الرغم من وجود بعض التعريفات المقبولة على مستويات مختلفة مثل الأمن القومي وأمن المعلومات.

لكن بعيدا عن رواية William Gibson فالفضاء السيبراني لم يعد خيالا علميا بل أصبح واقعا علميا وله تأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. 

على المستوى العلمي تعتبر كلمة Cyber مشتقة من الكلمة اللاتينية  kubernētēs أو قائد الدفة والمشتقة من القيادة والإدارة، فيما بعد ألحقت الكلمة Cyber بالفضاء Space واستخدمت في كل ما يتعلق بالإنترنت بعد ظهوره واستخدامه بشكل كبير.

ومن المعلوم أن الفضاء السيبراني أو الفضاء الإلكتروني هو الوسط الذي تتواجد به وتعمل فيه شبكات الحواسب الإلكترونية في العالم كله، بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر وأنظمة الشبكات والبرمجيات وحوسبة المعلومات ونقلها وتخزينها، ومستخدموها من البشر والهيئات والمؤسسات.

ولا شك في أن العالم كله أصبح يألف استخدام مصطلح الفضاء السيبراني الذي أصبح جزءاً من حياتنا ولغتنا وتواصلنا، حتى قيل إن حياتنا الجديدة أصبحت "حياة الإنترنت" تترابط كلها إلكترونياً، وتتواصل مع بعضها، بحيث تتجمع فيها المعلومات وتكون قاعدة للبيانات نستخدمها يومياً، وتشير الإحصائيات إلى أن العالم يوجد به حالياً حوالي 26.6 بليون جهاز متصل بالإنترنت أي أكثر من عدد سكان كوكبنا من البشر فيما بات يعرف بإنترنت الأشياء، لذلك يخشى العلماء من ازدياد ظاهرة فقد السيطرة على أنفسنا، حيث إهمال استخدام العقل البشري، في ضوء وجود  أجهزة لحفظ  المعلومات ومقارنتها ببعضها والخروج لنا بالاستنتاجات والمقترحات، وفي ضوء تراكم هذا الكم الكبير من المعلومات سواء الشخصية أو المعلوماتية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية...إلخ أصبح من الضروري تأمين كل هذه المعلومات، ومن ثم ظهر بعدها مصطلح الأمن السيبراني أو الأمن الإلكتروني.

ومن هنا بدأت الأفكار والخطط والأساليب الخاصة بالحماية السيبرانية في الظهور وذلك بهدف حماية وتأمين الشبكات والبرامج والبيانات من الهجوم أو الاختراق، كما ظهرت حملات التوعية للمستخدمين، وفي ضوء إجراءات الحماية التي ابتكرتها الشركات والمؤسسات والهيئات والدول أصبحت عمليات الاختراق أكثر صعوبة وأكثر تعقيداً من الفترات السابقة، خاصة في ظل اعتمادنا شبه التام في حياتنا اليومية على التكنولوجيا بسلبياتها وإيجابياتها، وللأسف فإن الإنسان هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة.

وقد ظل الأمن السيبراني من أكثر الموضوعات التي تحظى باهتمام الحكومات والدول والمنظمات العالمية، ولقد اكتشف العلماء مؤخراً بعض المواقع المصممة خصيصا لسرقة البيانات فور الدخول إليها من قبل الأفراد ذوى المكانة الخاصة من المشاهير أو السياسيين،  وقد تستغل هذه البيانات فيما بعد ضدهم في عمليات أكثر تعقيدا، كما أن وجود الواي فاي في المنزل مفتوحاً يسهل اختراق جميع الأجهزة الموجودة في المنزل أو المؤسسة، كما أصبحت الفيروسات إحدى الوسائل الهامة في الأمن السيبراني، ورغم وجود برامج من الحماية من الفيروسات فإنها لا تستطيع حماية جميع الأجهزة والبرمجيات من الهجمات السيبرانية المعقدة والتي تعتمد على ثغرات أمنية في البرمجيات والأنظمة قد لا يعرفها بالأساس مصممو هذه البرمجيات.

تشير بعض التقارير السرية التي يتم تسريبها بين الحين والآخر، إلى أن ميدان المواجهة الأهم بين القوى العظمى انتقل إلى الفضاء بشكل عملي، وأن كل ما يجري على الأرض مجرد فقاعات للتعمية على النشاط العسكري الفضائي لتلك القوى.

ADVERTISEMENT

أحدث هذه التقارير جاء من شبكة «سي إن إن» الأمريكية التي قالت إن روسيا تحاول تطوير سلاح فضائي نووي من شأنه أن يدمّر الأقمار الصناعية بتوليد موجة طاقة هائلة عند تفجيرها، ما قد يؤدي إلى شل مجموعة كبيرة من الأقمار الصناعية التجارية والحكومية التي يعتمد عليها العالم في ثورته الرقمية.

وكان رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي مايك تورنر، قد أثار مؤخراً، حالة من الجنون في واشنطن عندما أصدر بياناً قال فيه إن لجنته «لديها معلومات تتعلق بتهديد خطير للأمن القومي».

والحقيقة أن هناك ما هو أكثر حرجاً من مجرد الأمن القومي الأمريكي في الفضاء، فأهميته المتزايدة بالنسبة للاقتصاد العالمي تجعل وجود بيئة مدارية آمنة أمراً حيوياً للجميع.

والأهم أن الذين يعتمدون على الفضاء بشأن قواعد المرور في المدار قلقون جداً من احتمال حدوث صدامات بين المركبات والنفايات الفضائية تترتب عليها تكاليف باهظة.

فقد وسعت الصواريخ منخفضة الكلفة التي أطلقتها شركة «سبيس إكس»، وغيرها، من فرص الوصول إلى الفضاء، حيث تم رصد 212 عملية إطلاق إلى المدار عام 2023، وهذا رقم قياسي مقارنة بـ 55 عملية فقط، عام 2005.

وينفق المستثمرون الحكوميون، وغير الحكوميين المليارات، لبناء شبكات اتصالات وأجهزة استشعار جديدة في مدار الأرض، والتخطيط لأنشطة جديدة تراوح بين التصنيع في الفضاء، والتجسس، والسياحة.

وصار بوسع دولة، مثل كوريا الشمالية، أن تلتقط صوراً للبيت الأبيض بقمرها الصناعي الجديد المخصص للتجسس.

بينما تجري روسيا والهند والصين، اختبارات صاروخية مضادة للأقمار الصناعية، وتكنولوجيا فضائية عسكرية متقدمة.

لكن القلق الحقيقي للجيش الأمريكي يتركز على بكين، فالاتجاهات الجيوسياسية التي دفعت الولايات المتحدة والصين إلى حرب تجارية، وسلسلة من النزاعات المتصاعدة حول حقوق الإنسان والسيادة قد عززت إمكانية نشوب صراع بينهما.

وهكذا عادت فكرة إنشاء قوة كبرى في مجال الفضاء إلى قائمة أولويات «البنتاجون» للمرة الأولى منذ الحرب الباردة.

ويأتي ضمن هذه المنظومة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال وصغار السن، ودور رب الأسرة في تأمين الأطفال، خاصة أن هذه العقول الصغيرة أصبحت غاية في الذكاء والقدرة على استخدام هذه الأنظمة الحديثة، ويتعجب البعض عندما يفتخر الأب بأن من قام بتجهيز تليفونه الجديد هو ابنه الصغير الذي أصبح " شاطر" في التعامل مع هذه الأجهزة الإلكترونية.. ويأتي أول الإجراءات التي ينبغي على رب الأسرة القيام بها هو الحد من الوقت الضائع للأطفال في استخدام هذه الأنظمة، كما أن إطلاع هؤلاء الأطفال على محتويات لا تناسب أعمارهم خاصة المحتويات التي تظهر في اليوتيوب ينبغي معالجته من خلال العلاقة والصداقة بين الأب وأطفاله للتغلب على وصول هذه المواد إلى أيدي الأطفال وصغار السن، كما تأتي الألعاب الجديدة الخطرة التي يتهافت عليها الأطفال وتعرض الكثير منهم للخطر بمحاولة تقليد هذه الألعاب في قمة الاهتمام والحماية.

وتصبح هذه المخاطر أعلى بكثير عند التفكير في الحرب في الفضاء.

فعندما دمرت روسيا قمراً صناعياً بصاروخ في عام 2021 لإثبات قدراتها، تم رصد 1783 قطعة من الحطام تحلق حول كوكبنا بسرعة تزيد على 17500 ميل في الساعة، كل منها قادر على إتلاف، أو حتى تدمير مركبة فضائية.

لذا ستكون عواقب الصراع في الفضاء أسوأ.

وتضخمت تلك المخاوف، هذا الأسبوع، عندما بدأت تقارير استخباراتية تتسرب من واشنطن تتحدث عن التقدم الروسي في الأسلحة النووية الفضائية

ومبعث القلق أن الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، لن تكون لديها وسيلة حقيقية لمواجهة مثل هذا التهديد.

وتعتمد الولايات المتحدة، أكثر من أي دولة أخرى، على أساطيل من المركبات الفضائية المدارية للتواصل مع قواتها العسكرية المنتشرة في أماكن بعيدة، وتوجيه الأسلحة الدقيقة ضد أهداف العدو، واكتشاف تلك الأهداف من خلال المراقبة على ارتفاعات عالية.

ويتضمن السيناريو الكابوس الذي يفكر فيه المخططون العسكريون في «البنتاجون»، سعي الصين للسيطرة على تايوان بالقوة، باستخدام وابل من الصواريخ لتدمير دفاعات الدولة الجزيرة.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية الجيش الصيني وهو يعيد إنشاء الصور التمثيلية للسفن الأمريكية في الصحراء من أجل تدريب محكم على التصويب.

لكن شن حرب صاروخية على مسافة طويلة هو مشروع فضائي، حيث إن العثور على الأهداف في الوقت الحقيقي وتوجيه الصواريخ في طريقها يتطلب أجهزة استشعار تعمل بالأقمار الصناعية.

وفي السنوات الأخيرة، أطلق الجيش الصيني أكثر من 290 مركبة فضائية لهذه الأغراض.

وحرصت كلٌ من روسيا والصين، على إظهار قدرتهما على تدمير الأقمار الصناعية في مدار حول الكوكب باستخدام الصواريخ.

هذه الاختبارات المتفجرة، إلى جانب إنشاء بحر من النفايات الفضائية، ذكّرت الأمريكيين بأن أي صراع مستقبلي ستكون ساحته الفضاء.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة أكثر حذراً بشأن قدراتها.

وقد اعترف «البنتاجون» بأن لديه أنظمة يمكنها تشويش وإبهار أجهزة الإرسال وأجهزة الاستشعار الخاصة بالمركبات الفضائية المعادية.

ومثلها كمثل الصين وروسيا، فهي تمتلك صواريخ قادرة على إسقاط الأقمار الصناعية من الأرض، على الرغم من أن المرة الأخيرة التي برهنت فيها على هذا النمط من الضربات كانت في عام 2008.

والآن يطالب الدبلوماسيون الأمريكيون بوقف اختبارات الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وأسلحة الأقمار الصناعية التي تولد الحطام الفضائي في محاولة لفرض الإدانة الدولية على الجهود الأخيرة لكلٍ من روسيا والصين.

ويسلط ضباط القوة الفضائية الضوء على أن روسيا أطلقت ما يشار إليه أحياناً، باسم أقمار التفتيش الصناعية، وهو جزء من برنامج يعرف باسم «بيور فيستنك».

ويمكن لهذه المركبات الفضائية أن تحلق في مدار معين ثم تنشر مركبات أصغر حجماً يمكنها المناورة بسرعة أكبر في نطاق قريب.

وعرضت هذه التكنولوجيا لأول مرة في عام 2017، وبحلول عام 2020، اقتربت إحدى هذه المركبات الفضائية من قمر تجسس أمريكي، ثم نشرت مركبة فضائية أصغر للمناورة من مسافة أقرب.

والغرض المرجح هو المراقبة، لكن الجيش الأمريكي يعتبر هذه الأقمار بمثابة أسلحة.

وقد نشرت الصين أيضاً مركبة فضائية قادرة على المناورة حول الأقمار الصناعية الثابتة بالنسبة للأرض، وتعتبرها قوة الفضاء الأمريكية سلاحاً؛ والجدير بالذكر أن المركبات في سلسلة «شي جيان» لديها ذراع تصارع آلية تسمح لها بالاستيلاء على قمر صناعي آخر.

ففي عام 2022، التقطت إحدى هذه المركبات الفضائية قمراً صناعياً معطلاً كان جزءاً من نظام تحديد المواقع العالمي الصيني، وسحبته إلى مدار المقبرة - وهي منطقة معترف بها دولياً حول الكوكب حيث تدفن المركبات الفضائية البائدة.

وبما أن الفضاء هو الأكثر سرية عسكرياً حتى من السلاح النووي، يظل الصراع في الفضاء محاطاً بضباب الحرب بشكل أعمق مما كان عليه الصراع على الأرض قبل نصف قرن.

كما تؤكد بعض الدراسات على خطورة الآثار النفسية للفضاء السيبراني أو الإلكتروني على صغار السن من خلال الإفراط في التعامل مع هذه الأجهزة، بحيث تؤدي إلى حالات الانطواء للأطفال مستقبلاً حيث يشعر الطفل بأنه ليس بحاجة إلى مشاركة وقته مع أصدقائه، مفضلاً هذا الجهاز أكثر من الجلوس حتى مع عائلته وخاصة أجهزة الألعاب GAMES التي تجبر الأطفال على الانغماس بها، بل وتطلب منهم الانتقال إلى الجزء الثاني من اللعبة بعد نجاحه في الجزء الأول، وهكذا ينتقل الطفل لعدة أجزاء ويجد نفسه قد أمضى ساعات مع هذه اللعبة.

وينبه العلماء وخاصة في علم النفس بأن الأعمار المعرضة لحالات إدمان للألعاب الإلكترونية من سن 8 إلى 13 عاماً، حيث وصلت حالات منهم إلى الانتحار نظراً لتأثيرها السيئ على نفسية الطفل.

وحاليا تعمل معظم الدول على إطلاق الأقمار الصناعية على الاتصالات الخاصة لها لتحقق نقلة نوعية للاتصالات، حيث يحقق هذا القمر الصناعي لكل دولة تقديم كافة الاتصالات الحكومية وأيضاً المدنية للأغراض التجارية، كذلك تهتم هذه الدول بإطلاق أقمار صناعية خاصة للاتصالات العسكرية لتتجنب الكثير من المشاكل خلال العمليات الحربية مثل التشويش والتدخل والتصنت، لذلك أصبح الفضاء السيبراني هو فضاء اللانهاية.. اللا معقول وسوف يحتاج منا الكثير من الدراسة في المستقبل القريب قبل أن يحل علينا بالأفكار والمفاهيم الجديدة ونحن غير جاهزين لها.

الصفحة الرابعة من العدد رقم 388 الصادر بتاريخ 21 نوفمبر2024

 

تم نسخ الرابط