محمد فودة يكتب عن خلاف رامي صبري وويجز: مناوشات فنية تكشف أزمة المشهد الغنائي في مصر
- رامي صبري فنان مبدع يخشى على تراث الأغنية المصرية من جيل يبحث عن الهوية
- أغاني الراب السبب الأساسي في أزمة الهوية الفنية بالغناء المصري
- أغاني ويجز "ترند" سيختفي قريبا.. والتاريخ الفني لن يذكره أبدا
- الأغنية الحقيقية ستظل في الذاكرة المصرية.. والحفاظ عليها ضرورة ثقافية وليس رفاهية
- جيل "ويجز" مجرد موجة عابرة ستختفي مع ظهور تيارات جديدة
تابعت باهتمام بالغ ذلك الخلاف الذي شغل الرأي العام مؤخراً ، والذي اندلع بين المطرب والملحن الموهوب رامي صبري ، صاحب الصوت العذب والرسالة الفنية الراقية، ومغني الراب ويجز، الذي يمثل موجة جديدة من الفن أثارت الكثير من الجدل.
توقفت طويلاً أمام هذه الأزمة التي تتجاوز كونها مجرد مناوشة فنية لتصبح مرآة تعكس التحولات التي تشهدها الأغنية المصرية المعاصرة ، الأمر الذي يدفعني للقول بأن هذا الخلاف هو مواجهة حقيقية بين مدرستين: إحداهما تتجذر في عمق التراث المصري، والأخرى تطفو كظاهرة عابرة تحاول فرض نفسها على المشهد الغنائي دون أن تحمل قيمة فنية راسخة.
اللافت للنظر أن تصريحات رامي صبري جاءت عفوية وصادقة، تعكس رأياً فنياً محضاً حول طبيعة أغاني الراب وعدم فهمه كلماتها أو انسجامه معها ، ورغم أن هذا الرأي قد يكون صادماً لبعض عشاق الراب، فإنه يعبر عن وجهة نظر شريحة كبيرة من الجمهور الذي تربى على الأغنية المصرية بمفهومها الأصيل ، لكن المستفز حقاً هو الرد العنيف وغير اللائق من ويجز، الذي لم يكتفِ بمناقشة الرأي بموضوعية، بل لجأ إلى الهجوم الشخصي واللغة الساخرة، وكأن هذا الخلاف تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات وليس نقاشاً فنياً.
رامي صبري ليس مجرد مطرب يؤدي أغاني عاطفية بأسلوب تقليدي، بل هو فنان متكامل يلحن ويغني ، فقد استطاع أن يُحدث نقلة نوعية في مسار الأغنية المصرية بألحانه المميزة وصوته الذي يلامس الوجدان، قدم أغنيات أصبحت علامات فارقة في تاريخ الموسيقى المعاصرة.
أعمال مثل "يا حبيبي" و"بحبك" ليست مجرد أغانٍ عابرة، بل هي تجارب موسيقية متكاملة تجمع بين الكلمة الراقية واللحن العصري الذي يحمل نكهة شرقية أصيلة.
من خلال هذه الأعمال، استطاع رامي صبري أن يبني جسراً بين الأجيال المختلفة، جامعاً بين محبي الطرب الكلاسيكي وعشاق الموسيقى الحديثة.
في المقابل، يظهر ويجز كظاهرة طارئة على الساحة الغنائية، استطاعت أن تخطف الأضواء لبعض الوقت لكنها تفتقر إلى العمق والاستمرارية.
في رأيي، نجاح ويجز لم يأتِ من قوة فنية حقيقية بقدر ما جاء من زخم إعلامي وظروف اجتماعية جعلت من الراب والمهرجانات مساحة للتعبير عن مشاعر الغضب والتمرد لدى شريحة معينة من الشباب.
أغنيات ويجز، التي يصعب وصفها بالأغاني بمفهومها التقليدي، تعتمد على الإيقاع السريع والكلمات الغامضة التي لا تُفهم إلا بشق الأنفس ، هذه الأعمال، في تقديري، تفتقر إلى عنصر الخلود الذي يجعلها تصمد أمام اختبار الزمن، بعكس الأغنيات التي يقدمها رامي صبري والتي تحمل قيمة فنية وإنسانية تعبر عن مشاعر تتجاوز حدود اللحظة، وأنا في هذا الصدد أرى أن الفرق بين ما يقدمه رامي صبري وما يقدمه ويجز يشبه تماما الفرق بين نهر النيل العظيم وحمام سباحة صغير ..
وعلى الرغم من ذلك لا يمكنني إنكار أن هناك جمهوراً واسعاً يتابع ويجز وينجذب إلى هذا النوع الجديد من الموسيقى ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لهذا الجمهور أن يبقى مخلصاً لهذا النمط لفترة طويلة؟ أم أنها مجرد موجة عابرة ستختفي مع ظهور تيارات جديدة؟ في تقديري، التاريخ دائماً ما ينحاز إلى الفن الذي يحمل رسالة ويمتلك عمقاً يجعله قادراً على مخاطبة الوجدان البشري.
الأغنية المصرية، التي تمثل جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية لهذا الوطن، ليست مجرد كلمات وألحان، بل هي سجلٌ يوثق مشاعر المجتمع وتاريخه ، لهذا السبب، أرى أن الدفاع عن هذه الأغنية وحمايتها من موجات الغناء العابر ليس مجرد معركة فنية، بل هو معركة وجودية للحفاظ على الهوية.
لقد لاحظت في ردود الأفعال على هذا الخلاف بين رامي صبري وويجز، أن هناك انقساماً واضحاً بين جمهور الطرفين ، البعض يرى في ويجز ممثلاً لجيل جديد يبحث عن الحرية والتعبير عن نفسه بأسلوب غير تقليدي، بينما يرى آخرون في رامي صبري حارساً أميناً على تراث الأغنية المصرية الراقية.
أنا شخصياً دائماً أجد نفسي منحازاً إلى المدرسة التي يمثلها رامي صبري، ليس فقط لأنه فنان موهوب، بل لأنه يحمل على عاتقه رسالة فنية تحترم ذوق الجمهور وتُعلي من قيمة الكلمة واللحن.
قد يختلف معي البعض في هذا الرأي، وربما يعتبرون أن ما يقدمه ويجز يعبر عن واقع جديد لا يمكن تجاهله.
لكنني على يقين من أن هناك فرقاً شاسعاً بين الفن الذي يعبّر عن واقع المجتمع بعمق وفن آخر يستغل هذا الواقع لتقديم منتج يفتقر إلى القيمة الفنية الحقيقية ، ففي النهاية، الأغنية التي تبقى وتخلّد في الذاكرة ليست تلك التي تثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي تلك التي تخاطب الروح وتترك بصمة لا تُمحى .
أقولها مراراً وتكراراً ، رامي صبري، يمثل نموذجاً للفنان الذي يوازن بين الأصالة والمعاصرة، ويقدم فناً يحترم الجمهور ويعبر عن مشاعرهم بصدق. أعماله ليست مجرد أغانٍ عاطفية، بل هي مرآة تعكس تجارب حياتية وإنسانية تجعل المستمع يشعر وكأنها كتبت خصيصاً له.
هذه القدرة على التفاعل مع الجمهور هي ما يجعل رامي صبري فناناً حقيقياً يستحق كل هذا الحب والتقدير.
أما ويجز، فهو، في تقديري، سيظل ظاهرة إعلامية أكثر من كونه فناناً يمتلك رسالة واضحة ، ربما نجح في خلق حالة من الجدل وجذب انتباه شريحة من الشباب، لكنني أشك في قدرته على الصمود أمام التحديات التي تواجه هذا النوع من الغناء.
الأغنية ليست مجرد كلمات وإيقاع، بل هي تجربة متكاملة تحمل رسالة وتترك أثراً.
وعندما تفتقد هذا العمق، تصبح الأغنية مجرد ضجيج ينتهي بمجرد أن يتوقف الإيقاع.
في النهاية أقولها واضحة ومدوية .. لا يصح إلا الصحيح.
ستبقى الأغنية المصرية الأصيلة صمام الأمان للساحة الغنائية، مهما تعرضت له من موجات عابرة.
وكما أن التاريخ أنصف أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما من رموز الطرب، سيظل ينصف الفنانين الحقيقيين الذين يقدمون فناً يحمل قيمة ويخلّد في الوجدان.
أرى أن رامي صبري سيبقى واحداً من هؤلاء الفنانين الذين يدافعون عن هوية الأغنية المصرية ويرفضون الانجراف وراء موجات الغناء الهابط. هذه المعركة ليست مجرد خلاف شخصي بينه وبين ويجز، بل هي معركة للحفاظ على روح الأغنية المصرية، التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من ثقافة هذا الوطن.