"الشهرة" مرض العصر
- انفجار رغبة الشهرة عند الناس العاديين "كابوس" خطير يهدد المجتمع
- سباق محموم بين الأشخاص العاديين نحو الشهرة والتربح على حساب القيم والمبادئ
- فيسبوك وتيك توك يصدران نجوما مزيفة.. وكل من "هب ودب" يريد أن يكون نجما
- الجميع يريد الشهرة في عالم افتراضي لعكس صورة مشوهة عن الواقع
كلما دققت النظر فيما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا أشعر وكأن موجة الانفلات تتزايد وتتفاقم، فظاهرة السعي وراء الشهرة على منصات التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك وتيك توك، أصبحت تتوغل بشكل ملحوظ، ولم يعد الأمر مقتصرًا على فئة معينة أو مهنة محددة، بل أصبح الجميع يسعى جاهدًا للحصول على أكبر عدد من المتابعين والإعجابات والكومنتات، بغض النظر عن خلفيتهم أو اهتماماتهم، حتى بعض الذين لا يملكون أي مؤهلات بالمرة ولا يصلحون للظهور في أي وسيلة باتوا يظهرون بشكل غير طبيعي عبر وسائل التواصل بغرض لفت الأنظار وتحقيق مشاهدات للكسب المادي ، حتي وإن كان على أي حساب.
وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي تدفع الأفراد إلى السعي وراء الشهرة على فيسبوك، ومنها الرغبة في الاعتراف والتقدير، والحصول على شعور بالأهمية، وتحقيق مكاسب مادية من خلال التسويق للمنتجات أو الخدمات، بغرض الرغبة في التأثير على الآخرين ونشر الأفكار والمعتقدات الشخصية التي تلعب دورًا كبيرًا في هذا السعي، فإن ذلك كله يؤكد أن أضراره أكثر من نفعياته، وعلى الرغم من الإيجابيات التي قد تقدمها منصات التواصل الاجتماعي، فإن السعي المحموم وراء الشهرة ينطوي على العديد من السلبيات، منها التركيز على المظاهر الخارجية وتجاهل الجوانب الحقيقية في الحياة، وتقليل قيمة الإنجازات الحقيقية، وانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات، فضلاً عن الآثار السلبية على الصحة النفسية.
وللحق فإن هذا الاندفاع نحو الشهرة يؤثر بشكل كبير على المجتمع، حيث يؤدي إلى خلق ثقافة قائمة على المادة والمظاهر، وتشجيع السلوكيات السطحية، كما أنه يزيد من الفجوة بين الناس، ويؤدي إلى انتشار المقارنات الاجتماعية الضارة، ورغم أنني أعرف أننا لن نستطيع مواجهة هذه الظاهرة، لكن يجب توعية الأفراد بخطورة السعي وراء الشهرة الزائفة، وتشجيعهم على التركيز على تطوير أنفسهم ومهاراتهم الحقيقية، كما يجب على منصات التواصل الاجتماعي تفعيل آليات الرقابة لمنع انتشار المحتوى الضار والمزيف، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى تحقيق الشهرة والنجومية، بغض النظر عن المهارات أو الخبرات التي يمتلكونها، وبات الحلم بتحقيق الشهرة عبر السوشيال ميديا يشغل بال الكثير، حتى أولئك الذين يعملون في مهن بسيطة، وأصبحت السوشيال ميديا بمثابة مسرح مفتوح للجميع لعرض أي شيء، وساحة تنافسية شرسة، وهذا ما دفع الكثيرين إلى تقديم أنفسهم، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة، مما خلق صورة وهمية عن حياتهم ونجاحاتهم.
ومما لا شك فيه أن السوشيال ميديا فتحت آفاقًا جديدة أمام الكثيرين، ومكنتهم من تحقيق أحلامهم، ولكنها في الوقت نفسه خلقت جيلًا يعاني من قلة الصبر والرغبة في تحقيق النجاح السريع والفوري، دون بذل الجهد والمواظبة اللازمة، فبدلًا من التركيز على تطوير مهاراتهم الحقيقية، يركز الكثيرون على بناء صورة مثالية لأنفسهم على السوشيال ميديا، فالشهرة على السوشيال ميديا ليست بالضرورة مؤشرًا على النجاح الحقيقي في الحياة، فالحياة الحقيقية تتطلب جهدًا ومثابرة وتفانيًا، ولا يمكن اختصارها في عدد المتابعين والإعجابات.
وللأسف القائمون على السوشيال ميديا لا يدركون حقيقة مؤكدة ينبغي أن نضعها دائماً في الاعتبار هي أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو استخدامها بشكل خاطئ يتسبب في الكثير من الأضرار ويفقد الكثير من الأشخاص التواصل الاجتماعي الحقيقي ، والتقليل من المقابلات الشخصية مع الآخرين وعدم الاندماج في الأنشطة الاجتماعية المختلفة، ومن هنا يميل مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط إلى العزلة والابتعاد عن الآخرين والميل إلى الوحدة، حيث يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي التأثير في الحالة المزاجية للأشخاص بشكل سريع عبر المنشورات المختلفة التي من الممكن أن تؤثر تأثيرا إيجابيا أو سلبيا، حيث إن المنشورات السلبية لها دور في الإصابة بالمزاج السيئ والشعور بالتوتر والقلق بينما يظل التأثير على الصحة من أخطر ما يترتب على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث إن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر في صحة الإنسان، وأتساءل: لماذا لا نستغل السوشيال ميديا في الإيجابيات وبما يعود بالنفع على أنفسنا وعلى بلادنا؟ حيث يمكن أن تستخدم هذه المواقع في مشاركة الخبرات بين الأشخاص الذين تجمعهم نفس الاهتمامات، والتعبير عن الرأي حيث يمكن للأشخاص التعبير عن الآراء وتبادلها عبر هذه الوسائل، ونشر حملات التوعية حيث يمكن الاستعانة بمنصات التواصل الاجتماعي في نشر الحملات التوعوية الخاصة بتوعية أفراد المجتمع بالمشكلات والقضايا المختلفة في كل المجالات والقضايا المجتمعية ، إلى جانب خلق فرص عمل حيث أصبحت هذه المنصات وسيلة ممتازة لتسويق السلع والخدمات، مما يساعد على تحقيق الربح وترويج المنتجات للأفراد والشركات، لذا فهي تعتبر علاجا لمشكلة البطالة التي تعاني منها المجتمعات كما تتجه الشركات للبحث عن موظفين عبر هذه المواقع.
مشاهير صناع المحتوى على مواقع التواصل المختلفة في نقل وترويج شائعات كثيرة ليس لها أساس من الصحة وبالطبع يرجع ذلك لنقص الخبرة العلمية والعملية عن العمل بالمجال الإعلامي، وأصبح كل صانع محتوى يسعى لزيادة شهرته بنقل كل ما هو غريب ومريب وغير مألوف من الأحداث والتي بالطبع تجلب مزيدا من المتابعين، وتأثير هذه التصرفات يمتد ليس فقط في المجال الإعلامي بل وفي تشكيل وعي المجتمع والرأي العام الذي أصبح أداة لتحقيق هؤلاء الهواة شهرتهم الزائفة.
وفي نظري أن التغلب على مشكلة فرط استخدام السوشيال ميديا ليس بالأمر السهل أو البسيط نظرا لكون متابعة أحداث السوشيال ميديا أصبح واجبا يوميا مقدسا لكل إنسان وإلا أصبح إنسانا مغيبا يشبه رجل الكهف، والسر هنا يكمن في زيادة وعي الجمهور بالممارسات السلبية التي تهدف للاستفادة من كل ضغطة إعجاب وكل تعليق وكل مشاركة يقوم بها أي فرد منا تجاه المحتوى الضعيف الذي يقدمه أشهر صناع المحتوى، كما يجب على صناع المحتوى أن يولوا اهتمامًا خاصًا بالتحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، وأن يقدموا المعلومات بشكل دقيق وموثوق، إضافة إلى أنه يجب على الجمهور تطوير مهارات التحقق من المعلومات وعدم الانسياق وراء كل ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي دون التأكد من مصداقيته وبالتالي يمكن أن يساهم التحقق من صحة المعلومات ونقلها بدقة واحترافية في تقليل انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز جودة التواصل ونشر المعرفة الصحيحة.
وإحقاقا للحق فإن جميع المنصات تصنع نجومًا من الوهم، وتبني شخصيات وهمية لا تمت بصلة إلى الواقع، فصناعة النجوم الافتراضيين تتيحها منصات التواصل الاجتماعي لأي شخص بغض النظر عن موهبته أو إنجازاته الحقيقية، فمن خلال استخدام الفلاتر والتعديلات، يمكن لأي شخص أن يخلق صورة مثالية لنفسه، ويقدم نفسه على أنه شخص مثالٍ يتمتع بكل الصفات التي يحلم بها الآخرون، لذا يجب أن نكون حذرين من الانسياق وراء وهم الشهرة السريعة على السوشيال ميديا، وألا نصدق كل ما يبث من خلال هؤلاء الذين يغيرون الواقع لصالحهم من أجل تحقيق مكاسب وهمية، ويا ليتهم يدركون أن السعادة الحقيقية لا تكمن في عدد المتابعين والمكاسب السريعة، بل في العلاقات الإنسانية والإنجازات الحقيقية.