الخميس 19 ديسمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

«لا سوريا بعد اليوم ».. كيف سقط قلب العروبة النابض في أيدي المتطرفين؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- خريطة الجماعات الإرهابية المسلحة التي تتحرك على الأرض.. ومن يتولى التدريب والتمويل؟

- هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذى أراده نتنياهو وأعطته إياه أمريكا

يوم أسود في تاريخ العرب ولا شك.. إنه يوم لا يقل كارثية عن يوم سقوط بغداد.. والأكيد أن الفاعل واحد في الحالتين.. فإذا كان الأمريكيون قد أسقطوا العراق بشكل مباشر فإنهم فعلوها في سوريا بشكل غير مباشر عبر أذرعهم المسلحة وبالتعاون مع إسرائيل التي أرادت أن تتخلص من الجيش السوري كما فعلت بالجيش العراقي.

لقد شهدت سوريا خلال العقد الماضي واحدة من أعنف الحروب الأهلية في التاريخ الحديث، حيث تحولت من دولة مركزية قوية إلى ساحة صراع مفتوحة بين قوى إقليمية ودولية، بالإضافة إلى فصائل مسلحة متناحرة.

ومع سقوط البلاد في أيدي المعارضة المسلحة، التي تقودها في معظمها جماعات إرهابية، تتزايد المخاوف بشأن مصير هذا البلد العريق ومستقبله المجهول.

بدأت الأزمة السورية في عام 2011 كحراك شعبي سلمي يطالب بالإصلاح السياسي، لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح متعدد الأطراف.

وقد أدى التدخل الخارجي، سواء من قبل قوى إقليمية مثل إيران وتركيا أو دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى تعقيد المشهد وتحويله إلى صراع دولي بالوكالة.

وخلال سنوات الحرب، تعرضت مؤسسات الدولة السورية إلى دمار كبير، بدءاً من الجيش السوري الذي كان يُعتبر أحد أقوى الجيوش العربية، إلى البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تعتمد عليها البلاد.

ومع استنزاف الدولة المركزية، بدأت الجماعات المسلحة المعارضة بالسيطرة على مساحات شاسعة من البلاد، وازدادت الأمور سوءاً مع ظهور تنظيمات إرهابية مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، التي فرضت أجندتها العنيفة على المناطق التي استولت عليها.

ومؤخراً، وبالرغم من الدعم الذي تلقته الحكومة السورية من حلفائها، نجحت بعض الفصائل المسلحة في توسيع نفوذها بشكل كبير، مما أدى إلى سقوط البلاد في أيديهم.

وهذه الفصائل، التي تتبنى في الغالب أيديولوجيات متطرفة، لم تُظهر أي نية لبناء دولة مدنية أو تحقيق الاستقرار، بل على العكس، تعمّقت الخلافات بينها، مما أدى إلى مزيد من التشتت والفوضى.

والآن ظهرت المخاوف من أن تلقى سوريا مصيراً مشابهاً لما حدث في ليبيا، حيث أدى انهيار الدولة المركزية إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها جماعات متصارعة.

في سوريا، يبدو السيناريو مشابهاً، حيث أصبحت البلاد منقسمة إلى مناطق متعددة، تسيطر عليها قوى مختلفة.

شمالاً، تُسيطر تركيا ووكلاؤها على أجزاء واسعة بحجة محاربة الإرهاب، بينما يهيمن الأكراد على مناطق أخرى بدعم أمريكي. في الوقت ذاته، تتصارع الجماعات الإرهابية في الشمال الغربي، مما يهدد بتحول هذه المناطق إلى ملاذ آمن للتطرف.

هذا الانقسام الجغرافي والسياسي يزيد من احتمالات تقسيم سوريا فعلياً، وهو ما يمثل تهديداً خطيراً لوحدة البلاد.

كما أن صراعات الجماعات المسلحة على الموارد والنفوذ تزيد من حدة المعاناة الإنسانية للسكان المدنيين، الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين الأطراف المتنازعة.

وفي ظل الفوضى التي تعيشها سوريا، وجدت إسرائيل الفرصة سانحة لتعزيز مصالحها على حساب الدولة السورية.

فمنذ بداية الأزمة، قامت إسرائيل بشن عشرات الغارات الجوية على مواقع داخل سوريا، مستهدفة مواقع عسكرية تابعة للجيش السوري وحلفائه.

ومؤخراً، استغلت إسرائيل حالة الانهيار في سوريا لتعزيز سيطرتها على المنطقة العازلة في الجولان، والتي كانت تخضع لاتفاقية هدنة بين الطرفين منذ عام 1974.

ومع ضعف الجيش السوري وتراجع دوره في تلك المناطق، قامت إسرائيل بتوسيع نفوذها هناك، سواء من خلال بناء مستوطنات جديدة أو من خلال دعم بعض الفصائل المحلية لضمان عدم عودة سيطرة الدولة السورية.

إلى جانب ذلك، استهدفت إسرائيل مقدرات الجيش السوري بشكل ممنهج، حيث دمرت قواعد عسكرية ومستودعات أسلحة ومراكز للبحث العلمي.

هذه الضربات لم تؤدِ فقط إلى إضعاف قدرات الجيش السوري، بل ساهمت أيضاً في تعزيز الفوضى وإضعاف موقف الدولة أمام الجماعات المسلحة.

وبالنظر إلى الوضع الراهن، تبدو التوقعات لمستقبل سوريا قاتمة، حيث تواجه البلاد سيناريوهات متعددة، جميعها تحمل في طياتها تحديات كبيرة:

1.استمرار الفوضى والصراعات المسلحة:

في حال لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، فمن المرجح أن تستمر الفوضى لفترة طويلة، مع تزايد الصراعات بين الجماعات المسلحة.

هذا السيناريو سيؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والإنساني، بالإضافة إلى تهديد أمن واستقرار الدول المجاورة.

2. التقسيم الفعلي للبلاد:

إذا استمرت القوى الإقليمية والدولية في دعم الأطراف المتصارعة لتحقيق مصالحها، فقد يؤدي ذلك إلى تقسيم سوريا إلى كيانات مستقلة، مما يعني انتهاء الدولة السورية بشكلها الحالي.

هذا السيناريو سيترك فراغاً كبيراً في المنطقة، وقد يفتح الباب أمام نزاعات جديدة.

3. عودة الدولة المركزية بصعوبة:

رغم الصعوبات الكبيرة، يبقى احتمال إعادة بناء الدولة المركزية قائماً، لكن ذلك يتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً، بالإضافة إلى جهود ضخمة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

هذا السيناريو يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، لكنه يظل الخيار الأفضل لضمان استقرار البلاد.

4. توسع التدخل الخارجي:

مع استمرار تدهور الأوضاع، قد تجد بعض القوى الدولية والإقليمية نفسها مضطرة للتدخل بشكل أوسع، سواء تحت ذريعة محاربة الإرهاب أو حماية المدنيين.

هذا التدخل قد يساهم في تهدئة الأوضاع مؤقتاً، لكنه قد يعمق من تعقيد الأزمة على المدى البعيد.

ولطالما اتسمت السياسة المصرية تجاه الأزمة السورية بالتوازن والحرص على الحفاظ على وحدة الدولة السورية، مع رفض التدخلات الخارجية التي تزيد من تعقيد الأزمة.

ومنذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، اتخذت مصر موقفاً مبدئياً يدعم الحلول السياسية ويعارض إسقاط الدول المركزية، وهو موقف نابع من إدراك القاهرة أهمية سوريا كدولة محورية في النظام الإقليمي العربي.

وتؤكد مصر باستمرار على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولة لتقسيم البلاد.

هذا الموقف ينطلق من مخاوف مصر من أن يؤدي تقسيم سوريا إلى تداعيات كارثية على استقرار المنطقة بأكملها، بما في ذلك تعزيز نفوذ الجماعات الإرهابية وانتشار الفوضى.

كما عبّرت مصر مراراً عن رفضها أي تدخلات عسكرية أجنبية في سوريا، سواء من قبل قوى إقليمية أو دولية.

في هذا السياق، انتقدت القاهرة التدخل التركي في شمال سوريا، معتبرة إياه انتهاكاً للسيادة السورية وتهديداً للأمن القومي العربي.

كما شددت على ضرورة خروج كافة القوات الأجنبية التي دخلت البلاد دون موافقة الحكومة السورية.

ثم إن مصر تدعم حلاً سياسياً شاملاً للأزمة السورية يكون تحت مظلة الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

وتسعى القاهرة لإعادة بناء سوريا كدولة مستقرة تضم جميع مكوناتها الاجتماعية والسياسية.

وعلى الجانب الإنساني، قدمت مصر دعماً متواصلاً للشعب السوري، سواء من خلال استقبال اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مصر بكرامة ودون وضعهم في مخيمات، أو عبر تقديم المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع المنظمات الدولية.

ولا شك في أن الموقف المصري تجاه سوريا يعكس رؤية إستراتيجية تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين دعم الدولة السورية ورفض التدخلات الأجنبية، مع التركيز على الحلول السياسية ومكافحة الإرهاب.

وتظل القاهرة لاعباً مهماً في أي تسوية مستقبلية للأزمة السورية، مستفيدة من مكانتها الإقليمية ودورها كداعم رئيسي لاستقرار العالم العربي.

وأخيرا أقول إن الوضع في سوريا يمثل واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والسياسية في العصر الحديث، حيث تسببت الحرب في تدمير بلد كان يوماً ما رمزاً للاستقرار والقوة في المنطقة.

وبين انهيار الدولة وصراعات الجماعات المسلحة واستغلال القوى الإقليمية والدولية للوضع، يبدو أن الطريق نحو السلام والاستقرار لا يزال طويلاً وشاقاً.

لكن رغم كل ذلك، يبقى الأمل قائماً بأن يتمكن السوريون، بدعم من المجتمع الدولي، من تجاوز هذه الأزمة وبناء دولة جديدة تقوم على أسس العدالة والمساواة والاستقرار.

ودائما وأبدا.. تحيا مصر.

الصفحة الثانية من العدد رقم391 الصادربتاريخ12ديسمبر2024
تم نسخ الرابط