الجمعة 24 يناير 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

توطين صناعة الدواء في مصر.. ضرورة وطنية وحتمية إستراتيجية

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- تقليل الاعتماد على الاستيراد الذي بات يتأثر بشكل مباشر بالتقلبات الاقتصادية العالمية

- تسجيل 9 آلاف مستحضر جديد وافتتاح 123 خط إنتاج جديد

- ترخيص 2500 صيدلية جديدة مما يعزز من وصول الأدوية بشكل أكثر كفاءة وعدالة إلى كافة أنحاء الجمهورية

- إنشاء أول مصنع للمواد الفعالة في الشرق الأوسط داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس

- هيئة الدواء قامت بمصادرة أدوية مجهولة المصدر بقيمة 270 مليون جنيه

- رصيد يكفي لما يزيد على 3 أشهر لمعظم الأدوية والمستلزمات الطبية

الدواء، هذا المنتج الذي قد يبدو بسيطًا في صورته النهائية، يحمل بين طياته قصصًا عن الأمل والحياة.

لم أكن يومًا بعيدًا عن الواقع المرير الذي يعانيه البعض في سبيل الحصول على العلاج، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الدواء خلال السنوات الأخيرة.

أدركت عن قرب أن أزمة الدواء ليست مجرد قضية اقتصادية أو تجارية، بل هي مسألة تتعلق مباشرة بالحق في الحياة والكرامة الإنسانية.

لذا، أجد نفسي مدفوعًا للكتابة عن هذا الموضوع الحيوي، خاصة مع ما تشهده مصر من تحولات جذرية نحو توطين صناعة الدواء.

لقد كانت مسألة توطين صناعة الدواء هاجسًا لدى الدول الطموحة التي تسعى لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.

وفي مصر، بدأت الدولة خلال السنوات الأخيرة اتخاذ خطوات واسعة النطاق لتطوير هذه الصناعة الإستراتيجية، مستهدفة ليس فقط سد احتياجات السوق المحلية، ولكن أيضًا تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، الذي بات يتأثر بشكل مباشر بالتقلبات الاقتصادية العالمية.

في عام 2024، حققت هيئة الدواء المصرية إنجازًا غير مسبوق بتسجيل 9 آلاف مستحضر جديد وافتتاح 123 خط إنتاج جديد.

هذه التحركات ليست مجرد أرقام تُسجل في دفاتر الإنجازات، بل هي انعكاس لرؤية وطنية تسعى لبناء منظومة دوائية متكاملة تستطيع تلبية احتياجات المواطنين، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الأدوية.

إضافة إلى ذلك، تم ترخيص 2500 صيدلية جديدة خلال نفس العام، مما يعزز من وصول الأدوية بشكل أكثر كفاءة وعدالة إلى كافة أنحاء الجمهورية.

لكن، وكما هو الحال في أي تحول إستراتيجي، لا تخلو الطريق من تحديات.

فقد شهدت أسعار الدواء في مصر ارتفاعًا بنسبة 20% في المتوسط خلال عام 2023، نتيجة زيادة تكاليف استيراد مدخلات الإنتاج بسبب تقلبات سعر الصرف.

وقد أشار رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف، إلى أن هذه الزيادة كانت أقل من المتوقع، حيث كان من الممكن أن تصل إلى 100% لولا مراعاة الدولة للبعد الاجتماعي وتأثير ذلك على المواطنين.

ورغم ذلك، لا تزال هناك حاجة لمزيد من التوازن بين التكلفة والجودة لضمان استمرار الشركات في الإنتاج من جهة، وحماية المواطن من جهة أخرى.

في خطوة إضافية نحو تعزيز الأمن الدوائي، تم الإعلان في يناير 2025 عن إنشاء أول مصنع للمواد الفعالة في الشرق الأوسط داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

هذا المصنع يمثل نقطة تحول رئيسية في مسار تحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث سيتيح إنتاج المواد الخام الفعالة وغير الفعالة محليًا، مما يقلل من الاعتماد على الاستيراد ويعزز من القدرة التنافسية للصناعات الدوائية المصرية.

توطين صناعة الدواء لا يقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية، بل يحمل بُعدًا إنسانيًا واجتماعيًا عميقًا.

فكل مستحضر جديد يتم تصنيعه محليًا يعني حياة تُنقذ، ومعاناة تُخفف، وابتسامة تُعاد إلى وجه مريض كان يخشى فقدان دوائه بسبب تعقيدات الاستيراد أو ارتفاع أسعاره.

الدولة تدرك هذا البُعد جيدًا، ولهذا وضعت ملف توطين صناعة الدواء على رأس أولوياتها.

وفقًا لتصريحات هيئة الدواء المصرية، تم زيادة عدد مصانع الأدوية بنسبة 37% وخطوط الإنتاج بنسبة 60% خلال السنوات الأخيرة.

هذا التوسع السريع يعكس ليس فقط التزام الدولة بتطوير القطاع، بل أيضًا رغبتها في أن تكون مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الدواء، قادرًا على تلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير للأسواق الإقليمية.

لا يمكننا الحديث عن توطين صناعة الدواء دون الإشارة إلى الجانب الرقابي.

في عام 2024، قامت هيئة الدواء بمصادرة أدوية مجهولة المصدر بقيمة 270 مليون جنيه.

هذا الإجراء يعكس أهمية الرقابة في حماية صحة المواطنين وضمان أن الأدوية المتداولة في السوق آمنة وفعالة.

أيضا لا بد من الإشارة إلى الاجتماع الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، لمتابعة موقف توافر الأدوية والمستلزمات الطبية، وسداد مستحقات الشركات، وذلك بحضور الدكتور/ خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية، وزير الصحة والسكان، والسيد/ أحمد كجوك، وزير المالية، والدكتور/ على الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، والدكتور/ هشام المتولي ستيت، رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية، والسيد/ عصام عمر، وكيل محافظ البنك المركزي، وعدد من مسئولي الوزارات والجهات المعنية.

وتوجه رئيس الوزراء في مستهل الاجتماع، بالتهنئة للدكتور على الغمراوي، على صدور قرار فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، بتجديد الثقة، كما توجه بالتهنئة للدكتور هشام المتولي ستيت، على اختياره لمنصب رئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية، متمنياً له التوفيق في مهام منصبه الجديد، ووجه رئيس الوزراء الشكر للواء طبيب/ بهاء الدين زيدان، على الجهود المبذولة خلال فترة رئاسته الهيئة المصرية للشراء الموحد، وما تم تحقيقه في ظل التحديات الصعبة التي واجهت الدولة، وهذا القطاع الحيوي.

وأشار رئيس الوزراء إلى أن لقاء اليوم يأتي في إطار الاجتماعات واللقاءات الدورية التي يتم عقدها لمتابعة توافر مخزون آمن من الأدوية والمستلزمات الطبية، وكذا الاطمئنان على ما يتم اتخاذه من إجراءات وخطوات تتعلق بصرف مستحقات شركات الدواء المختلفة.

وصرح المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، بأن الاجتماع شهد استعراض موقف توريدات الأدوية والمستلزمات الطبية، وكذا ما يتعلق بسداد مستحقات شركات الأدوية، موضحاً أنه تمت الإشارة إلى أنه يُوجد رصيد يكفي لما يزيد على 3 أشهر لمعظم الأدوية والمستلزمات الطبية.

وأضاف المتحدث الرسمي: تم استعراض آليات توفير الموارد المالية والمخصصات المطلوبة لسداد مستحقات شركات الأدوية المختلفة بما يسهم في ضمان استدامة توفير الدواء.

وخلال الاجتماع، تم استعراض جهود هيئة الدواء المصرية في متابعة توافر المواد الخام والمستحضرات الطبية، وتأمين مخزون آمن وإستراتيجي منها، هذا إلى جانب متابعة استمرار العملية الإنتاجية أو الاستيرادية، ومتابعة التداول وضخ كميات الأدوية للسوق، فضلا عن الجهود المبذولة لمنع الممارسات الخاطئة من خلال إطلاق المزيد من الحملات التفتيشية، وذلك بما يضمن استدامة توافر مختلف الأدوية بالجودة اللازمة، تلبية لاحتياجات ومتطلبات المواطنين.

كما استعرض الدكتور على الغمراوي، جهود متابعة أبرز المجموعات العلاجية التي تعاني من تحديات في توافرها بالسوق الدوائية المصرية، والرصيد الحالي من هذه المجموعات، ومعدلات التغطية للاحتياجات من هذه المجموعات، مؤكداً أن تلك المعدلات تتخطى الـ 3 أشهر وتصل لبعض منها إلى 10 شهور، كما تناول موقف أبرز المجموعات العلاجية الإستراتيجية التي يتم متابعتها، مشيراً إلى أن مدد التغطية لهذه المجموعات تتراوح بين 2 و15 شهرا.

وفي ختام الاجتماع، وجه رئيس الوزراء بأهمية العمل على استمرار توفير المخصصات المالية المطلوبة لتوفير مخزون ورصيد آمن من الأدوية والمستلزمات الطبية، على أن تُراعي الزيادات التي حدثت في سوق الدواء في موازنة العام المقبل، وتوفير الموارد المالية المطلوبة لهيئة الشراء الموحد.

ختامًا، أود التأكيد على أن توطين صناعة الدواء في مصر ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو مسؤولية وطنية واجتماعية تفرضها طبيعة المرحلة.

نحن أمام فرصة حقيقية لتحويل مصر إلى نموذج رائد في صناعة الدواء بالمنطقة، وهذا يتطلب تعاونًا مستمرًا بين الحكومة والقطاع الخاص، بالإضافة إلى تعزيز البحث العلمي والتطوير.

إن النجاح في هذا الملف لن يكون فقط إنجازًا اقتصاديًا، بل سيكون رسالة للعالم بأن مصر قادرة على أن تحقق الاكتفاء الذاتي في أهم القطاعات الحيوية.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 397 الصادربتاريخ 23 يناير2025

 

تم نسخ الرابط