الأربعاء 26 مارس 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

82 مليون مصري على الإنترنت.. هل يتحول الرقم إلى "مفتاح نجاة"؟

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- تحولات جذرية في الاقتصاد والمجتمع.. من خلق فرص عمل عبر المنصات الرقمية إلى إتاحة التعليم والطب عن بُعد للمناطق المهمشة

- 95% من المصريين يعتمدون على الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت

- ارتفاع عدد مستخدمي منصة "نفاذ" الحكومية بنسبة 65%.. ومبيعات التجارة الإلكترونية قفزت بنسبة 30%

- منصات مثل "ذاكر" تحولت إلى فصول افتراضية لملايين الطلاب

- مد كابلات الألياف الضوئية إلى 90% من المنازل.. وتغطية 80% من المساحة الجغرافية بشبكات الجيل الخامس

- لا تزال قرى الصعيد تعاني من انقطاع متكرر للإنترنت أو اتصال بطيء لا يسمح بتحميل فيديو تعليمي

- 40% من سكان الريف لا يستطيعون تحمل تكلفة باقات الإنترنت الأساسية مقابل 5% فقط في المدن الكبرى

- وصول 82 مليون مصري إلى الإنترنت بحلول 2025 لن يكون نجاحًا إلا إذا تحول الرقم إلى واقع ملموس

في ظلِّ سباقٍ عالمي محموم نحو التحول الرقمي، أعلنت دراسة برلمانية مصرية أن 82 مليون مواطن) سيكونون متصلين بالإنترنت بحلول عام 2025، أي ما يعادل 78% من إجمالي السكان المتوقع آنذاك.

الدراسة التي أُطلقت تحت عنوان "مفتاح النجاة"، تَعِدُ بتحولات جذرية في الاقتصاد والمجتمع، من خلق فرص عمل عبر المنصات الرقمية إلى إتاحة التعليم والطب عن بُعد للمناطق المهمشة.

لكن بين التفاؤل الرسمي والواقع المعيشي، ثمة فجوة قد تحول هذه الأرقام إلى سراب إن لم تُرافقها خطوات عملية جريئة.

تبدأ القصة بهاتف محمول، ليس مجرد جهاز للاتصال، بل أداة تحرر من قيود الجغرافيا والاقتصاد.

فوفقًا للدراسة، يعتمد 95% من المصريين على الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت، وهو أعلى معدل في المنطقة، مدفوعًا بانخفاض أسعار الأجهزة التي وصلت إلى 1500 جنيه لبعض الموديلات الصينية، وتوسع شركات الاتصالات في تقديم باقات رخيصة تصل إلى 10 جنيهات للجيجابايت.

هذا الانتشار الواسع حوَّل الإنترنت من ترف إلى ضرورة، خاصة بعد جائحة كورونا التي أجبرت الدولة على تسريع خططها الرقمية.

فخلال عامين، ارتفع عدد مستخدمي منصة "نفاذ" الحكومية بنسبة 65%، وقفزت مبيعات التجارة الإلكترونية 30%، وتحولت منصات مثل "ذاكر" إلى فصول افتراضية لملايين الطلاب. 

لكن هذه الأرقام المُبشرة تخفي واقعًا أكثر تعقيدًا.

فبينما تُعلن الحكومة عن مشروعات ضخمة مثل مد كابلات الألياف الضوئية إلى 90% من المنازل، وتغطية 80% من المساحة الجغرافية بشبكات الجيل الخامس، لا تزال قرى الصعيد تعاني من انقطاع متكرر للإنترنت، أو اتصال بطيء لا يسمح بتحميل فيديو تعليمي.

هنا تظهر المفارقة: فالدولة تستثمر مليارات الجنيهات في مدن ذكية كالعاصمة الإدارية، بينما يضطر طفل في قرية نائية إلى السير كيلومترات للوصول إلى نقطة اتصال بالإنترنت.

هذه الفجوة ليست تقنية فحسب، بل هي انعكاس لاختلالات اجتماعية واقتصادية عميقة، حيث تُظهر البيانات أن 40% من سكان الريف لا يستطيعون تحمل تكلفة باقات الإنترنت الأساسية، مقابل 5% فقط في المدن الكبرى.

الدراسة نفسها لا تنكر هذه التحديات، بل تُحذر من أن النمو الرقمي السريع قد يزيد الفجوة بين من يمتلكون المهارات والأدوات، ومن يقتصر استخدامهم للإنترنت على تصفح وسائل التواصل الاجتماعي. ففي الوقت الذي تُنشئ فيه شابة في القاهرة متجرًا إلكترونيًّا لبيع المنتجات اليدوية، يُحاول فلاح في أسوان بيع محصوله عبر "فيسبوك" دون جدوى، بسبب عدم معرفته بأساليب التسويق الرقمي، أو انعدام الثقة في التعاملات الإلكترونية.

هذه الحالات تطرح سؤالًا جوهريًّا: هل الإنترنت أداة لتمكين المهمشين، أم وسيلة لتعميق التهميش؟ 

لا تقتصر التحديات على البنية التحتية أو الوعي الرقمي، بل تمتد إلى مخاطر أمنية تهدد مستقبل الاقتصاد الرقمي.

فمع تزايد الاعتماد على الخدمات المالية الإلكترونية، ارتفعت جرائم الاختراق بنسبة 25% خلال عام 2023، وفقًا لمركز الأمن السيبراني المصري، ما يفرض حاجة ملحة إلى تشريعات عصرية، مثل قانون حماية البيانات الشخصية الذي ما زال قيد المناقشة منذ سنوات.

وفي ظل غياب ثقافة الخصوصية الرقمية، يظل المستخدم العادي فريسة سهلة للاحتيال الإلكتروني، خاصة مع انتشار حملات التصيد عبر رسائل "واتساب" المزيفة. 

ورغم كل هذه العقبات، تظل الدراسة البرلمانية متفائلة بقدرة الإنترنت على أن يكون "مفتاح النجاة"، مستندا إلى تجارب ناجحة بدأت تطفو على السطح.

ففي مجال الصحة، نجحت مبادرة "التطبيب عن بُعد" في تشخيص آلاف المرضى في قرى الصعيد عبر منصات مثل "شيزلونج"، ووفرت عليهم عناء السفر إلى العاصمة.

وفي التعليم، أطلقت وزارة التربية والتعليم منصة "إدارة التعلم" التي توفر محتوى مجانيًّا لطلاب الثانوية، مع توزيع أجهزة تابلت مدعومة في المناطق النائية.

أما اقتصاديًّا، فقد سجلت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية نموًّا بنسبة 40%، مدعومة بتمويل حكومي ومبادرات مثل "حاضنات الأعمال التكنولوجية".

لكن هذه النجاحات تظل قصصًا فردية في محيط بحر من الاحتياجات.

فالتعليم الإلكتروني، مثلًا، يعاني من مشكلات جودة المحتوى وضعف التفاعل، حيث يقول معلم في إحدى المدارس الريفية: "المنصات موجودة، لكن الطلاب لا يستطيعون استخدامها دون مساعدة، وأغلب العائلات تفضل الدروس الخصوصية".

أما خدمات الصحة الرقمية، فما زالت حكرًا على محافظات بعينها، بينما تفتقر معظم القرى إلى عيادات مزودة باتصال إنترنت عالي السرعة. 

الدرس الأهم الذي تُقدمه الدراسة هو أن النمو الرقمي ليس عملية تلقائية، بل يحتاج إلى سياسات ممنهجة.

فالتوسع في البنية التحتية يجب أن يقابله استثمار في تدريب الكوادر البشرية، خاصة في المحافظات الأكثر فقرًا.

وتشجيع الشركات الناشئة يحتاج إلى تبسيط إجراءات التراخيص، وإعفاءات ضريبية تسمح لها بالنمو.

وحماية المستخدمين تتطلب حملات توعوية مكثفة، وليس مجرد تشريعات جامدة.

في النهاية، فإن وصول 82 مليون مصري إلى الإنترنت بحلول 2025 لن يكون نجاحًا إلا إذا تحول الرقم إلى واقع ملموس: طفل في قرية نائية يستطيع حضور درس عبر "زووم"، وربة منزل تُدير مشروعًا صغيرًا عبر "إنستجرام"، وموظف حكومي يُنهي معاملته خلال دقائق بدلًا من أيام.

الإنترنت وحده لا يُصلح التعليم أو الصحة أو الاقتصاد، لكنه قد يكون الجسر الذي يعبر عليه المصريون من عالم البيروقراطية والبطالة إلى عالم الفرص والعدالة.

السؤال الذي تتركه الدراسة معلقًا في الهواء: هل سيكون هذا الجسر متاحًا للجميع، أم سيبقى حلمًا لمن يستطيعون دفع ثمن تذكرة العبور؟

الصفحة رقم 5 من العدد رقم 405 الصادر بتاريخ 20 مارس 2025

 

تم نسخ الرابط