الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الرئيس ينتصر للدراما الحقيقية

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- الرئيس ينتقد تحول منظومة الدراما من صناعة جادة وهادفة إلى مجرد تجارة 

- إصلاح الدراما يبدأ من عند المنتجين.. الفن رسالة سامية وليس مجرد مكسب وخسارة

- حديث الرئيس فرصة يجب أن ينتهزها الجميع لإصلاح الوضع القائم 

- الكتاب والمخرجون لديهم أفكار عظيمة.. لكنهم يحتاجون إلى المناخ المناسب

لسنوات طويلة كنت قريبا من كواليس عملية الإنتاج الدرامي في مصر. 

ولسنوات طويلة عرفت عن قرب ما الذي يجري، كيف تنتج المسلسلات، وما الذي يريده ويخطط له المنتجون والمعلنون، وما الذي ينتظره الجمهور كل عام. 

ورأيت أن المنتجين يعملون جاهدين لتلبية احتياجات الجمهور والمعلنين، وهو ما حول الأمر كله إلى تجارة بحتة، الربح فيها هو الهدف الأول والأخير. 

ولذلك كم كانت سعادتي كبيرة عندما استعمت إلى الرئيس وهو يتحدث عن الدراما، ويصف الأمر على هذا النحو، فقد أشار الرئيس إلى أن الأمر تحول من كونه صناعة إلى تجارة، وهو يصيب هنا بيت الداء تماما، ويصف المشكلة على الأرض بملامحها الحقيقية والواضحة. 

المرة الأولى التي تكلم فيها الرئيس عن الدراما كانت في حفل إفطار القوات المسلحة، وطبقا لبيان صادر عن رئاسة الجمهورية، فإن الرئيس أكد على ضرورة تنشئة الأجيال على القيم والأخلاق المصرية الأصيلة، مشددًا على الدور الجوهري للإعلام المصري في هذا المجال، إلى جانب دور الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة في بناء مجتمع قوي، ووجه سيادته الحكومة إلى المشاركة في هذه الجهود الإعلامية من أجل بناء مواطن مصري متمسك بمبادئ وثوابت المجتمع.

ومرة ثانية تحدث الرئيس في لقاء المرأة المصرية والأم المثالية. 

في هذا اللقاء دار حوار تفاعلي بين السيد الرئيس وبعض المشاركات حول الموضوعات المختلفة المرتبطة بالمرأة والأمومة والطفولة ومرض الزهايمر ودور الفن والإعلام في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام ودور رائدات العمل الاجتماعي. 

وطبقا لتقارير صحفية عديدة تابعت لقاء الرئيس فإنها أشارت إلى أن الرئيس دعا إلى "مراجعة الذات" فيما يتعلق بالمحتوى الذي يتم تقديمه في الإعلام والدراما المصرية، وعبّر عن خشيته على "الذوق العام للمصريات والمصريين".

وقال الرئيس إن الدراما المصرية "كانت صناعة وأصبحت تجارة، والدولة المصرية كانت تساهم في هذا القطاع من خلال إنتاج مبني على رؤية من متخصصين في الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع"، وأوضح أنه خلال "الـ 30 أو الـ 40 سنة الماضية، حينما أصبح تلفزيون الدولة محملاً بأعباء بات غير قادرٍ على القيام بهذا الدور"، وأشار الرئيس المصري إلى إمكانية تحقيق أرباح كبيرة من هذا القطاع "حينما يكون العمل جيدًا".

وبيّن الرئيس أن حجم الإنفاق على هذه الصناعة يمكن أن يصل إلى "40 مليار جنيه مصري، لكن تأثيرها على  المجتمع يتعدى أرقاما كبيرة جدًا، يتم إنفاقها في الكثير من القطاعات، وقد يتجاوز هذا المبلغ عشرات المرات".

وشدد الرئيس على أن الدعوة للمراجعة أو التوقف عند موضوع" المحتوى الدرامي والإعلامي "لا يعني المنع"، وإنما "إعادة وصياغة وتنظيم"، وتقديم "إشارة أو تنبيه للمعنيين، بأن هناك خللا في التوازن"، وتوجه بالحديث للحاضرين في الاجتماع بالقول: "أنا أعبر عن نبضكم، وليس وجهة نظر فوقية أو أحادية، بل بناء على قياسات رأي، ودراسات أشارت إلى أن الموضوع بات يحتاج لمراجعة".

بعد كلام الرئيس بدأت في رصد ما قاله النقاد والمعلقون، وقد بدا أن هناك توافقا على ما تعاني منه الدراما المصرية. 

يجمع من يتحدثون عن الدراما المصرية على أن هناك جوانب إيجابية وسلبية في الدراما المصرية، وأن هناك حاجة ملحة إلى إعادة تقييم منظومة الدراما، من أجل تقديم محتوى أكثر تأثيرا وإيجابية يخدم المجتمع والمشاهد.

هناك سلبيات يمكن أن نعرضها بسهولة أصبحت غالبة على المسلسلات الدرامية منها على سبيل المثال الصورة النمطية للبطل الشعبي، الذي يُقدَّم غالبًا بشكل غير واقعي وبصورة كارتونية، حيث يُصور كشخص لا يُقهَر، يلجأ إلى العنف ويستخدم ألفاظًا غير لائقة، وهذه الصورة بكل المقاييس لا تعكس الواقع الحقيقي للمجتمع المصري، الذي يزخر بنماذج إيجابية تدافع عن الحق والقيم النبيلة خاصة في الحارة الشعبية المصرية البسيطة.

هناك إصرار كذلك من صناع الدراما على تقديم النماذج الشاذة التي لا تمثل قطاعات كبيرة في المجتمع، ولا يمكن أن نعتمدها نموذجا وقدوة للشباب والأجيال القادمة، ثم لماذا كل هذا العنف الذي نراه على الشاشة، وما هذه الأشكال من الفساد والجرائم، تجارة سلاح وتجارة مخدرات ومنحرفون جنسيا، هم من يحتلون الشاشات بقدر كبير. 

يحدث هذا كله في غياب تقديم نماذج إيجابية أو تسليط الضوء دراميا على ما حدث في مصر من إنجازات وتحديثات وتطورات يشهد لها وبها الجميع، فلماذا تغيب المشروعات القومية ومعركة مصر ضد الإرهاب والقيم المصرية الأصيلة عن المسلسلات الدرامية، ولصالح من بالتحديد؟ وهل يمكن أن يقدم لنا صناع الدراما تفسيرا واحدا منطقيا لهذا المسلك؟! 

عندما تحدث الرئيس عن الدراما أدركت أن الموضوع خطير بالفعل، فرئيس الدولة يتحدث بنفسه، وهو ما يعني أنه استشعر الخطر على المجتمع كله بسبب الدراما، وقد أشار الرئيس إلى مصدر معلوماته عما قاله، فهو يعبر عن نبض الشارع المصري من التقارير التي تصله عما يقوله الناس وعن رد فعلهم على المسلسلات. 

ولذلك من المهم أن تعمل اللجان التي تشكلت من جهات عديدة والمؤتمرات التي ينوي البعض أن يقيموها بجد واجتهاد على أن يكون هناك مخرج لهذه الأزمة التي نراها أمامنا جميعا، فلن تكفي التصريحات العابرة أو الكلام الإنشائي المنمق، ولا يجب أن يحدث كما يجري في كل مرة. 

يتحدث الرئيس معلقا على شيء معين، فيتبارى الجميع في الحديث والتطوع بتقديم الاقتراحات، وبعد ذلك يخمد الموضوع تماما، ثم لا يحدث أي شيء بعد ذلك، ويعود الصمت مرة أخرى، فلا يحدث شيء. 

القضية هذه المرة مهمة جدا، ولابد من التعامل معها بجدية بعيدا عن الطريقة المصرية المعتادة التي نتفاعل بها مع الأمور سواء كانت صغيرة أو كبيرة. 

لكن بعيدا عن اللجان والمؤتمرات، فلابد أن يكون هناك وعي كبير لدى صناع الدراما وتحديدا المنتجين بأهمية ما يقدمونه. 

إنني أعرف كتاب دراما كثيرين، وأعرف أن لديهم الكثير الذي يمكن أن يقدموه للمشاهد المصري والعربى، ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك لأن هناك ما يقتضيه السوق، وما يفرضه المنتجون، وما يسعى إليه المعلنون، فيضطرون إلى مجاراة السوق والذوق المتدني وما يطلبه المستهلكون، رغم أن لديهم أعمالا في أدراجهم مهمة وعظيمة وفيها أفكار كبيرة. 

إصلاح الدراما لا يمكن أن يحدث بعيدا عن إصلاح منظومة الإنتاج، أن يدرك المنتظمون فيها أن عليهم مسئولية كبيرة في النهوض بهذا المجتمع، لا يجب أن يكون كل همهم هو الربح، فيمكن أن يربحوا من أشياء كثيرة، عليهم أن يتركوا الدراما في حالها، لا يجب أن يحولوها إلى مخدرات درامية يمكنها أن تدمر المجتمع في لمحة بصر. 

لقد فتح الرئيس عبد الفتاح السيسي ملفا مهما جدا لا يجب أن يستهين به أحد، ولا يجب أن يتحايل عليه أحد، فتمضي الأيام ثم نجد أنفسنا أمام نفس المسلسلات بنفس الأمراض والسلبيات. 

إن هذا الأمر يتطلب ضميرا وطنيا يقظا، وأعتقد أن الدولة ستكون جادة خلال السنوات القادمة في توفير المناخ المناسب لأعمال درامية هادفة وجادة، وهذه فرصة كبيرة يجب أن يستغلها الجميع، لأنها لن تعوض، فهناك إرادة رئاسية لإصلاح ما انكسر، ويجب أن نعمل جميعا من أجل ذلك، وإلا فلن ينصلح شيء. 

الصفحة الثانية عشر من العدد رقم 406 الصادر بتاريخ 27 مارس 2025

 

 

تم نسخ الرابط