«أوقفوا مجرم الحرب الآن وليس غدًا؟».. لماذا عادت الضغوط على مصر من جديد لقبول تهجير الفلسطينيين من غزة؟

- خطة مصرية لمنع الانفجار الكبير.. وهل تنهي حماس الكارثة التي بدأتها؟
في عالم السياسة، هناك زعماء يُصنعون لقيادة شعوبهم نحو مستقبل أفضل، وهناك آخرون لا يرون سوى أنفسهم، مستعدون لحرق الأرض وما عليها من أجل البقاء في السلطة.
بنيامين نتنياهو ينتمي إلى الصنف الثاني، بل يمكن القول إنه تجسيد حي لأسوأ أنواع القادة في التاريخ. رجل يحكم بمنطق النار والدمار، ويتغذى على الأزمات، ويرى في الحرب وسيلة لإطالة عمره السياسي، حتى لو كان الثمن دماء الأبرياء.
منذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، كشف نتنياهو عن وجهه الحقيقي أكثر من أي وقت مضى.
لم يعد يخفي أهدافه، ولم يعد حتى يتظاهر بأنه يسعى إلى "الأمن" كما كان يدعي طوال العقود الماضية.
كل تحركاته تشير إلى أنه يريد تدمير غزة بالكامل، وتهجير سكانها، وفرض واقع جديد يخدم مصالحه الشخصية أولًا، ثم المصالح الإسرائيلية ثانيًا.
ولكن الأخطر من ذلك أن نتنياهو لم يعد يشكل تهديدًا فقط للفلسطينيين، بل أصبح خطرًا حقيقيًا على استقرار المنطقة بأسرها.
اليوم، يقف العالم أمام لحظة حاسمة: إما أن يتم إيقاف هذا الرجل قبل فوات الأوان، أو أن المنطقة ستدخل في نفق طويل من الفوضى والدمار لا أحد يعلم متى سينتهي.
حسابات نتنياهو الخطيرة
كل يوم يمر دون كبح جماح نتنياهو يعني سقوط مزيد من الضحايا، واتساع رقعة الصراع، وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
البعض قد يعتقد أن الضغط الدولي قد يجبر إسرائيل على التراجع، لكن الحقيقة أن هذا لم يحدث حتى الآن.
بل على العكس، كلما طال أمد الحرب، أصبح نتنياهو أكثر عدوانية، لأنه يدرك أن نهايته السياسية ستكون حتمية بمجرد توقف المعارك.
هذا الرجل لا يعرف سوى لغة القوة، وإذا لم يتم وضع حد له الآن، فإنه لن يتردد في توسيع نطاق الحرب إلى مستويات غير مسبوقة.
نتنياهو يدير الحرب ليس بعقلية رجل دولة، بل بعقلية مقامر متهور يخاطر بكل شيء لإنقاذ نفسه.
في الداخل الإسرائيلي، يواجه أزمات لا حصر لها: احتجاجات، انقسامات سياسية، وتحقيقات فساد تهدد بإدخاله السجن. ولو انتهت الحرب اليوم، فإنه سيجد نفسه أمام محكمة الشعب الإسرائيلي، وربما خلف القضبان.
لهذا، هو مستعد لفعل أي شيء لإطالة أمد الحرب، حتى لو كان ذلك يعني إشعال مواجهة إقليمية مع أطراف أخرى مثل لبنان، إيران، أو حتى مصر والأردن.
ولو تُرك دون رادع، فقد يستخدم وسائل أشد وحشية لتحقيق أهدافه، سواء عبر تصعيد عسكري أكبر، أو دفع المنطقة نحو سيناريوهات أكثر كارثية.
الضغوط على مصر
منذ بداية الحرب، كان هناك مخطط واضح تدفع به إسرائيل وبعض الأطراف الغربية: إفراغ غزة من سكانها وتهجيرهم إلى سيناء.
هذا السيناريو ليس جديدًا، بل هو جزء من مخططات إسرائيلية قديمة تعود إلى عقود، لكن الجديد هذه المرة هو الجرأة التي تتحدث بها إسرائيل عن الأمر، وكأن تهجير الفلسطينيين أصبح خيارًا مطروحًا على الطاولة.
ولكن لماذا التركيز على مصر تحديدًا؟
1. مصر هي البوابة الوحيدة لغزة من الناحية الجنوبية، وإذا رفضت استقبال الفلسطينيين، فإن المخطط سيفشل تلقائيًا.
2. إسرائيل تريد التخلص من سكان غزة دون أن تتحمل مسئوليتهم، وهذا لن يحدث إلا إذا تم ترحيلهم إلى دولة مجاورة.
3. هناك أطراف غربية ترى في التهجير "حلًا سريعًا" للأزمة، بدلاً من البحث عن حلول سياسية حقيقية.
ورغم الضغوط الهائلة، كان الرد المصري واضحًا وقاطعًا منذ اليوم الأول: لا تهجير، لا تنازل، ولا تفريط في الأمن القومي المصري.
والمثير للاهتمام أن الرفض المصري لم يكن مجرد تصريح سياسي، بل جاء رغم عروض مالية ضخمة قُدمت لمصر مقابل القبول بالأمر الواقع.
مصادر عديدة تحدثت عن عروض أمريكية وخليجية بمليارات الدولارات لمصر، مقابل استقبال النازحين الفلسطينيين.
العرض كان مغريًا من الناحية الاقتصادية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، لكن القيادة المصرية رفضته بشكل قاطع.
لماذا؟
1. لأن القبول به يعني تدمير الأمن القومي المصري، فوجود أكثر من مليون فلسطيني في سيناء قد يخلق مشكلات أمنية وسياسية هائلة.
2. لأن مصر تعلم جيدًا أن هذا التهجير ليس حلًا مؤقتًا، بل دائما، وإذا حدث فلن يعود الفلسطينيون إلى أراضيهم أبدًا.
3. لأن الموافقة على هذه الصفقة تعني المشاركة في أكبر جريمة تهجير قسري في العصر الحديث، وهو ما لا يمكن لمصر أن تتحمله أخلاقيًا أو سياسيًا.
ومنذ بداية الأزمة، والموقف المصري صلب، لا يقبل المساومة، ولا يخضع لأي ضغوط. الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلنها صريحة: "لن نسمح بتهجير الفلسطينيين، ولن نفرط في أمن مصر".
هذا الموقف، رغم أنه كلف مصر مواجهة ضغوط هائلة، فإنه حفظ كرامة الدولة المصرية، وحافظ على حقوق الفلسطينيين، وأحبط المخطط الإسرائيلي.
اليوم، رغم كل ما يحدث، لا يزال الفلسطينيون في غزة صامدين، بفضل هذا الرفض المصري القاطع لأي محاولة لتغيير الواقع الديمجرافي للقطاع.
خطة مصرية لمنع الانفجار الكبير
وسط كل هذا التصعيد، تتحرك مصر على أكثر من مستوى لوقف الكارثة قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة.
هناك اتصالات مصرية مستمرة مع الفصائل الفلسطينية، ومع الإدارة الأمريكية، ومع أطراف عربية ودولية، لمحاولة إيجاد حل سياسي يمنع سقوط غزة في الهاوية.
ولكن هناك سؤال يطرح نفسه: هل حماس تتحمل مسئولية ما يحدث؟
لا شك أن حماس ارتكبت أخطاء كبيرة في حساباتها السياسية والعسكرية، ولكن هل هذا يبرر إبادة غزة؟ بالطبع لا.
مصر تدرك أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء الحرب، بل في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الانقسام بين فتح وحماس، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وإيجاد حل سياسي شامل.
ما يحدث اليوم ليس مجرد معركة عابرة، بل هو لحظة فارقة في تاريخ المنطقة.
إذا استمر نتنياهو في مخططه الجنوني، فإن المنطقة بأكملها قد تنزلق نحو حرب أوسع لا أحد يعلم مداها.
لهذا، على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة وحزم لإيقاف هذا الرجل قبل أن يحرق المنطقة بالكامل.
وعلى الدول العربية أن تتحد أكثر من أي وقت مضى لمنع تنفيذ هذا المخطط الجهنمي.
في النهاية، الحل ليس في تهجير الفلسطينيين، بل في إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية حقيقية، تعيش بكرامة على أرضها، دون خوف من مجنون يريد أن يكتب اسمه في التاريخ بالدم والنار.
