الخميس 24 أبريل 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

سقوط أسطورة النجم الأوحد.. وصعود المغمورين إلى عرش شباك التذاكر

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- أفلام المجهولين تكتسح الإيرادات.. و"سيكو سيكو" يحقق أرقاما قياسية

- الذوق السينمائي يتغير.. والنجومية لم تعد "ضمانة" للنجاح

- السينما الجديدة تطيح بنجوم الصف الأول.. وجيل الشباب ينتزع المشهد

في مشهد غير مألوف داخل صناعة السينما المصرية، بدأت ملامح تحول لافت في الذوق العام تتجلى بوضوح على شباك التذاكر، من خلال ظاهرة تكررت في المواسم الأخيرة، هي وجود أفلام شبابية بميزانيات متوسطة، وبدون أسماء نجمية لامعة، تحقق إيرادات ضخمة وتتصدر المشهد الجماهيري، في مشهد يؤكد تراجع هيمنة "النجم الأوحد" على شباك التذاكر، ويظهر ملامح عصر جديد تتصدره وجوه شابة مغمورة، تراهن على الكوميديا، وتنجح في خطف الأنظار وجذب الجماهير. 

ويبدو أن هناك تغييرا حقيقيا في المعادلة التي طالما حكمت المنظومة الإنتاجية، والتي كانت تربط النجاح باسم النجم أو حجم الميزانية، غير اليوم حيث تتصدر أعمال تعتمد على وجوه جديدة وسيناريوهات بسيطة، في مشهد يعكس روحا جديدة فرضها الجمهور، خاصة جمهور الشباب، الذين باتوا القوة الأهم في صناعة القرار السينمائي من داخل دور العرض، ولم تعد الشهرة وحدها ضمانة للنجاح، بل بات الذوق العام يميل إلى أعمال خفيفة، ذات ميزانيات متوسطة، وأفكار قريبة من الناس، تعكس تحولًا حقيقيًا في طبيعة التلقي السينمائي، وطرحا جديدا لأسئلة جوهرية حول مفهوم النجومية وجدوى المعادلات القديمة.

ولعل هذه الموجة الجديدة من الأفلام لا تسعى إلى منافسة الكبار في القوة الإنتاجية أو الأسماء اللامعة، بل تعتمد على عناصر أخرى أكثر تأثيرا في جمهور اليوم الذي يسعى للسينمات ويدفع ثمن التذكرة، وهو الإيقاع السريع، الكوميديا الخفيفة، الحكايات اليومية، واللغة الأقرب للواقع، هي أدوات هذا التيار الصاعد الذي وجد موطئ قدم في قلوب المشاهدين، وبات منافسا شرسا على قائمة الأعلى إيرادا،وللحق فإن هذه الموجة بدأت بأفلام من نوعية "الحريفة" الذي عرض العام الماضي واستمرت إلى هذا الموسم مع عرض فيلم "سيكو سيكو" على الرغم من خلوها من نجوم الشباك التقليديين، أصبحت تحقق أرقامًا لافتة في الإيرادات، مما يدفع للتساؤل حول المعايير الحقيقية التي تقود النجاح في سوق السينما اليوم، والمفارقة أن فيلم "سيكو سيكو" المعروض حاليا في دور العرض منذ عيد الفطر المبارك حقق إيرادات تجاوزت حاجز الـ 120 مليون جنيه، وتدور أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي، حول شابين يعمل أحدهما في شركة شحن والآخر لاعب ألعاب فيديو، ثم يتورط كلاهما في مشكلة تقودهما لمنعطفات خطيرة وتحمل مفاجآت عديدة، فيحاولان الخروج منها بأقل الخسائر.

"سيكو سيكو" بطولة عصام عمر، طه دسوقي، علي صبحي، باسم سمرة، خالد الصاوي، تارا عماد، ديانا هشام، أحمد عبد الحميد، محمود صادق حدوتة وعدد آخر من الفنانين، والفيلم تأليف محمد الدباح وإخراج عمر المهندس، كما استطاع فيلم" الحريفة 2- الريمونتادا "تحقيق أكثر من 120 مليون جنيه إيرادات في شباك التذاكر وقام ببطولته نور النبوي، أحمد غزي، كزبرة، نور إيهاب، دونا إمام، نورين أبوسعدة، وسليم الترك. العمل من تأليف إياد صالح وإخراج كريم سعد، وشهد مشاركة عدد كبير من نجوم الفن كضيوف شرف، من بينهم آسر ياسين، أحمد فهمي، وأسماء جلال، بالإضافة إلى الظهور المميز لنجم كرة القدم المعتزل مايكل أوين، أما "الحريفة" الجزء الأول فحقق نجاحًا أيضا على صعيد الإيرادات حيث حقق إيرادات تخطت 76 مليون جنيه عند طرحه في يناير 2024 ودارت أحداث الجزء الأول من الفيلم في إطار تشويقي اجتماعي حول شخصية "ماجد"، وهو شاب يعشق كرة القدم، ويتعرض والده لأزمات في حياته فيقرر نقله لمدرسة حكومية أخرى، ليلتقى خلالها بعوالم جديدة عليه، وتبدأ رحلته في الانضمام لفريق كرة القدم بأحد مراكز الشباب، ويكون صداقات جديدة ويحقق نجاحات في لعبته المفضلة.

وعلى ما يبدو أن ما يحدث يعكس دون شك، تحولا حقيقيا في أذواق الجمهور، وتحديدا الجيل الجديد الذي يتجه نحو مشاهدة الأفلام كوسيلة ترفيهية مباشرة، بعيدا عن تعقيدات الدراما أو الأسماء الكبيرة، فالجمهور الشاب لم يعد مشغولا بمن يقف أمام الكاميرا بقدر ما يهمه ما يقال، وكيف يقال، ومدى قربه من الواقع الذي يعيشه، والمثير في هذه الموجة أن الأفلام لا تكتفي بجذب فئة عمرية محددة، بل تنجح  في كثير من الأحيان في اجتذاب فئات متباينة، بما تقدمه من طابع خفيف، وصورة شبابية غير متكلفة، وأداء تلقائي دون تصنع.

ولعل هذا المشهد يطرح تساؤلا كبيرا: هل نحن أمام بداية تراجع مكانة النجوم الكبار؟ وهل هذه الظاهرة تعني أن "الاسم" لم يعد ضمانة كافية لنجاح العمل؟ في الواقع، لا يعني هذا بالضرورة زوال دور النجوم، لكنه يسلط الضوء على حقيقة باتت أكثر وضوحا، هي أن النجومية وحدها لم تعد تكفي، والمحتوى الجيد، حتى وإن كان بسيطًا، قد يكون أكثر جذبا وتأثيرا، فإن هذا الاتجاه ربما يدفع النجوم أنفسهم إلى مراجعة اختياراتهم والبحث عن مشاريع تعيد ربطهم بالواقع وبالذوق الجديد المتشكل تدريجيًا، وربما هذا التحول قد يمثل بداية عهد جديد في السينما المصرية، تعاد فيه صياغة مفاهيم النجاح، وتفتح فيه الأبواب أمام مخرجين وكتاب وممثلين شباب لصناعة سينما أقرب للشارع، ولروح العصر، ولم يعد المنتج مضطرا دائما للمغامرة بأموال طائلة من أجل اسم كبير، بل بإمكانه الرهان على فكرة جيدة وتنفيذ متقن ليحصد النجاح.

إن ما نراه على شاشات السينما اليوم ليس مجرد موجة عابرة، بل ربما هو تعبير عن تحول ثقافي واجتماعي ينعكس على طبيعة الترفيه الذي يبحث عنه الجمهور، فأفلام الشباب، بأدواتها البسيطة ووجوهها الجديدة، تثبت أن السينما لا تقاس بالبريق فقط، بل بالقدرة على التواصل مع المتلقي، وبالصدق في الطرح، والبساطة في التعبير، وقد تكون هذه الموجة تمهيدا لعصر جديد من السينما المصرية، أكثر تنوعا وواقعية وجرأة في كسر القوالب القديمة، ومفتوحة أمام وجوه جديدة قادرة على أن تقول كلمتها بصوت مسموع، دون الحاجة إلى "أفيش نجم"، ويبدو أن السينما المصرية تقف على أعتاب مرحلة جديدة، حيث تتغير معايير النجاح وتبرز نجمات وأبطال جدد ليس فقط من حيث الأسماء، بل من حيث التوجهات الفنية التي أصبحت أكثر تفاعلا مع الواقع والمجتمع، ولقد أثبتت الأفلام الشبابية التي لا تعتمد على الأسماء اللامعة أن الجمهور أصبح أكثر وعياً واختيارا لما يتابعه، متجاوزا التقليدية في تقديم الأعمال الفنية إلى اختيار ما يناسب ذوقه وتطلعاته، حتى وإن كانت الميزانيات متوسطة والأبطال غير مشهورين، ورغم أن مكانة النجوم الكبار قد تكون مهددة، فإن هذه الظاهرة ليست إلا حلقة في تطور صناعة السينما، فكما جاء الجيل القديم بموجاته المختلفة، يظهر الجيل الجديد ليعيد تشكيل الفكرة والأداء وفقاً لاحتياجات المجتمع، وفي النهاية، يظل الجمهور هو الحكم الأول والأخير على نجاح هذه التحولات التي تترك لنا مجموعة من الأسئلة الهامة: هل هي بداية لانقلاب حقيقي في عالم السينما أم مجرد فترة تجريبية سيطويها الزمن؟ لا أحد يمكنه التنبؤ بذلك، ولكن الأكيد أن السينما لا تتوقف عن التجدد، وجمهورها لن يتوقف عن مفاجأتنا بتطوراته وتطلعاته، ما يعكس حقيقة واحدة: الفن لا يقف عند الأسماء، بل عند التجربة والإحساس.

الصفحة السابعة من العدد رقم 409 الصادر بتاريخ 24 أبريل 2025

 

تم نسخ الرابط