"التجلّي الأعظم".. حين تصافحت السماء مع الأرض في حضن سيناء

- مشروع "التجلّي الأعظم" ليس حدثًا عابرًا بل لحظة مفصلية في تاريخ التنمية السياحية والدينية في مصر
- الدولة قررت أن تجعل من هذا المشروع علامة مضيئة في سجل مشروعاتها القومية الكبرى
- المشروع حرص على احترام الطابع البيئي فجاءت التصاميم مدمجة تحت الأرض في بعض المواقع كما هو الحال في مبنى العرض المتحفي وقاعة المؤتمرات
الفندق الجبلي رغم مساحته الكبيرة جاء متسقًا مع الطبيعة يطل على دير سانت كاترين وعلى هضبة التجلّي دون أن يخدش المشهد أو يعلو على الجبل
- التمكين الاقتصادي يأتي عبر المشروعات الصغيرة التي تدور في فلك السياحة من الحرف اليدوية إلى المنتجات البدوية إلى الإرشاد السياحي
- "التجلّي الأعظم" بُني أولًا بالإيمان برؤية تؤمن بأن مصر لا يجب أن تُختزل في شريط النيل فقط بل تمتد إلى عمق الصحراء
أنا على يقين تام بأن للأماكن أرواحًا مثلما للناس، وأن بعض البقاع على هذه الأرض ليست كغيرها، فيها ما لا يُقال، وفيها ما لا يُكتب، ولكن يُعاش ويُحس ويُصغى إليه بالقلب ، من بين تلك البقاع التي تتنفس قداسة وطمأنينة وسكينة، تبرز مدينة سانت كاترين، المدينة التي تحتضنها جبال سيناء كما تحتضن الأم طفلها الوليد، بكل ما في المشهد من مهابة وحنو في آنٍ واحد.
وفي قلب هذا الاحتضان، جاء مشروع "التجلّي الأعظم" ليكون أكثر من مجرد خطة تنموية أو رؤية سياحية، بل ليصبح شهادة حية على أن هناك من أدرك أن للأرض المقدسة حقوقًا يجب أن تُصان، وأن للتاريخ رسائل لا يجب أن تُهمَل.
وقفت طويلًا أمام هذه الفكرة، أتأمل كيف تتصالح التنمية مع القداسة، وكيف يمكن للعمران أن يتعايش مع الروح، وكيف تختار الدولة أن تذهب إلى عمق الصحراء، لا بحثًا عن النفط أو المعادن، بل بحثًا عن المعنى، عن القيمة، عن الجمال الخالص الذي لا يُقاس بعدد الزوار ولا بعائدات الاستثمار، بل يُقاس بقدرة الإنسان على إعادة الحياة إلى ما هو أعمق من الحجر والتراب.
هنا، في سانت كاترين، تصافحت السماء مع الأرض، وامتزجت أصوات الصلوات بأصداء التخطيط، وامتدت أيادي التطوير لا لتشوّه الطبيعة، بل لتُبرز جمالها وتُعلي من شأنها.
مشروع "التجلّي الأعظم" ليس حدثًا عابرًا، بل لحظة مفصلية في تاريخ التنمية السياحية والدينية في مصر.
هو محاولة جادة لإعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان، بين السائح والمقدّس، بين الزائر والتاريخ.
فسانت كاترين ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي سردية ممتدة من التجلّي الإلهي، من الوصايا العشر، من الحوار بين الأرض والسماء، بين النبي والله.
وهذا ما فطنت إليه الدولة حين قررت أن تجعل من هذا المشروع علامة مضيئة في سجل مشروعاتها القومية الكبرى.
في تقديري الشخصي، ما يميز هذا المشروع ليس فقط فخامته العمرانية أو شمول خطته التنفيذية، بل تلك الرؤية المتفردة التي تضع الإنسان في قلب المشروع، لا كعنصر مستهلك للمكان، بل كشريك في صناعته وإحيائه.
حين نسمع عن ساحة السلام، أو الفندق الجبلي، أو مركز الزوار الجديد، قد نتصور في البداية أنها مجرد مرافق سياحية، لكن الحقيقة أنها مكونات لرواية كاملة تُكتب على جبين الزمان، رواية تحترم البيئة، وتُكرّم التاريخ، وتحتفي بالهوية.
المثير في كل ذلك أن المشروع لم يأتِ ليفرض تصورًا فوقيًا على المكان، بل جاء ليقرأ تضاريسه، ويتأمل جباله، ويصغي إلى صمته الناطق، ثم يُعيد تشكيل كل شيء بناءً على ذلك الإصغاء.
حتى اختيار اسم المشروع "التجلّي الأعظم" لم يكن مصادفة، بل تجلٍّ لغوي ومعنوي يعكس عمق الفكرة وسمو المقصد.
فالتجلّي هو الظهور الإلهي، وهو الحالة التي يتجلى فيها المعنى في أوضح صوره، وفي سانت كاترين يتجلى المعنى في الجبل، في الوادي، في النور، وفي الزائر الذي يخطو إلى الداخل ليعود وقد تغيّر شيء فيه.
من المؤثر أيضًا أن المشروع حرص على احترام الطابع البيئي، فجاءت التصاميم مدمجة تحت الأرض في بعض المواقع، كما هو الحال في مبنى العرض المتحفي، وقاعة المؤتمرات، وكأن القائمين عليه أرادوا أن يقولوا: "لن نعلو على الأرض المقدسة، بل سنكون جزءًا منها، ممتزجين بتكوينها، محافظين على هيبتها."
حتى الفندق الجبلي، رغم مساحته الكبيرة، جاء متسقًا مع الطبيعة، يطل على دير سانت كاترين وعلى هضبة التجلّي، دون أن يخدش المشهد، أو يعلو على الجبل، بل يجاوره بهدوء وتأمل.
مركز الزوار الجديد، بقاعاته وأفلامه ومجسماته، جاء ليكون مدخلًا روحانيًا وتثقيفيًا في آنٍ واحد، يمنح الزائر الفرصة ليُهيئ قلبه قبل أن تطأ قدماه الأرض المباركة.
بينما النُزل البيئي في وادي الراحة، يعيد تعريف الإقامة السياحية، ليس كمتعة وقتية، بل كتجربة وجودية يعيشها السائح وهو محاط بجمال طبيعي لم تطله يد العبث.
المشروع أيضًا لم يغفل عن البنية التحتية، فأعاد رسم الطرق، وأنشأ بحيرات صناعية وحدائق، وحافظ على البعد الروحي للمكان، دون أن يُفرط في المعاصرة أو يغفل عن احتياجات الزائر العصري.
وقد اختارت الدولة أن تُسند المشروع إلى جهات وطنية بخبرات حقيقية، فكان للجهاز المركزي للتعمير، ووزارة الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية، دور محوري في ترجمة الرؤية إلى واقع ملموس.
وفي قلب هذا الحراك، هناك جانب إنساني لا يجب أن يُغفل، هو فرص العمل التي يوفرها المشروع لأبناء المنطقة، والتمكين الاقتصادي الذي يأتي عبر المشروعات الصغيرة التي تدور في فلك السياحة، من الحرف اليدوية إلى المنتجات البدوية، إلى الإرشاد السياحي، وكلها تشكل نسيجًا مندمجًا مع روح المكان.
وإذا كان البعض يظن أن هذه المشروعات تُبنى فقط بالحجر والإسمنت، فإن الحقيقة أن "التجلّي الأعظم" بُني أولًا بالإيمان، برؤية تؤمن بأن مصر لا يجب أن تُختزل في شريط النيل فقط، بل تمتد في عمق الصحراء، في وديان النور، في الأماكن التي نُسيت طويلًا، لكنها لم تنسَ روحها.
إنها رسالة لمن يظن أن القداسة لا تُمس، وأن السياحة لا يجب أن تقترب من الدين، بأن هناك طريقًا ثالثًا، يربط بينهما، لا يفسد أحدهما، بل يكرّس لكلٍ منهما مجاله.
التجلّي الأعظم ليس فقط تجليًا لله في الجبل، بل تجليا لرؤية تنموية ترى في الروح قوة محركة للتنمية، وفي التاريخ مرآة للمستقبل.
هكذا تصافحت السماء مع الأرض، لا في معجزة خارقة، بل في إرادة بشرية قررت أن تصنع الفرق.
ومن هنا، من قلب سيناء، أكتب لا بصفتي كاتبًا، بل بصفتي إنسانًا وقف على حافة الجبل، وشعر بأن قلبه اتسع بما يكفي ليحمل قصة هذا المشروع إلى من لم يرَه بعد، لكنه سيشعر به حتمًا، حين يقرأ ما كُتب بروح التجلّي.
