صابر سالم يكتب : التعامل الإيجابي مع السائح في مصر

صابر سالم - صورة
صابر سالم - صورة أرشيفية

تُعد السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها مصر بشكل كبير، فهي ليست مجرد صناعة ترفيهية وإنما ركيزة أساسية تدعم الدخل القومي وتوفر ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.

ولعل أبرز ما يميز مصر عن غيرها من المقاصد السياحية هو ما تمتلكه من كنوز حضارية وتاريخية لا مثيل لها في العالم، بدءاً من آثار الفراعنة مروراً بالحضارة القبطية والإسلامية وصولاً إلى الشواطئ الخلابة في البحرين الأحمر والمتوسط.

إلا أن كل هذه المقومات الطبيعية والتاريخية لا تكفي وحدها لجذب السائح، إذ يظل التعامل الإيجابي والوجه البشوش للمصريين هو العامل الحاسم في تشكيل الصورة الذهنية عن مصر لدى زائريها.

إن السائح عندما يزور أي بلد لا ينظر فقط إلى المواقع الأثرية أو المناظر الطبيعية، بل يركز بدرجة أكبر على طبيعة التعامل الذي يلقاه من السكان المحليين.

فابتسامة صادقة وكلمة ترحيب قد تترك أثراً لا ينسى، بينما أي تعامل سلبي أو استغلالي يمكن أن يفسد الرحلة بأكملها. ولهذا فإن حسن استقبال السائح يعكس أصالة المجتمع المصري ويؤكد على القيم الراسخة في ثقافتنا من كرم الضيافة وحسن المعاملة.

التعامل الإيجابي مع السائح ينعكس مباشرة على الاقتصاد الوطني. فالسائح الراضي عن تجربته سيعود مرة أخرى ويشجع أصدقاءه وعائلته على زيارة مصر، مما يعني تدفقاً أكبر للعملة الصعبة وزيادة في الاستثمارات السياحية.

بينما السائح الذي يواجه مواقف سلبية قد ينقل صورة غير جيدة عن البلد، وهو ما ينعكس سلباً على سمعتها السياحية.

وفي زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة بشكل كبير، فإن تجربة شخصية واحدة يمكن أن تصل إلى ملايين المتابعين، ومن ثم يصبح كل مصري سفيراً لبلده بمجرد احتكاكه بالسائح.

ومن الضروري هنا التأكيد على أن التعامل الإيجابي لا يقتصر على العاملين في القطاع السياحي فقط مثل الفنادق والمطاعم وشركات السياحة، بل يمتد ليشمل المواطن البسيط في الشارع وسائق التاكسي والبائع في السوق.

فكل هؤلاء يشكلون معاً جزءاً من التجربة التي يعيشها السائح. وإذا شعر الزائر بأنه يُعامل بترحاب وأنه يحصل على خدمة عادلة بسعر مناسب، فسوف ينقل صورة إيجابية عن مصر، بعكس ما يحدث إذا شعر بالاستغلال أو عدم الاحترام.

كما أن الاحترام المتبادل مع السائح لا يعني فقط حسن الاستقبال، بل يشمل أيضاً احترام ثقافته وعاداته.

فالسائح يأتي من خلفيات متنوعة وقد تكون لديه عادات مختلفة، ومن هنا تبرز أهمية التوعية بأهمية تقبل الآخر والتعامل معه بما يتناسب مع ثقافته دون إخلال بالهوية المصرية.

ولكي يتحقق ذلك، فإن هناك حاجة ماسة إلى تكثيف برامج التوعية والتدريب لكل من يتعامل مع السياح بشكل مباشر، من خلال دورات متخصصة في فنون الاتصال وخدمة العملاء وأساسيات اللغات الأجنبية.

كما ينبغي على وسائل الإعلام أن تسلط الضوء على قصص النجاح في التعامل الإيجابي مع السياح لتكون نموذجاً يحتذى به.

ومن ناحية أخرى، يجب على الجهات الرسمية وضع آليات للرقابة الصارمة على أي ممارسات سلبية مثل المبالغة في الأسعار أو الإلحاح غير اللائق، لأن هذه السلوكيات تسيء إلى صورة مصر وتضر بمصالحها الاقتصادية.

فالمكسب الحقيقي لا يكمن في استغلال السائح مرة واحدة، بل في كسب ثقته ليعود مرات عديدة.

إن مصر التي طالما عُرفت بأنها "أم الدنيا" قادرة على أن تستعيد مكانتها السياحية العالمية إذا اجتمع أبناؤها على هدف واحد، هو تقديم أفضل صورة عن بلدهم لكل من يزوره.

فالمصري البسيط بابتسامته وكرمه وأصالته يمكن أن يكون سبباً في جذب آلاف السياح، كما أن تصرفاً سلبياً واحداً قد يُفقد الدولة ملايين الدولارات.

وفي النهاية، يظل التعامل الإيجابي مع السائح واجباً وطنياً قبل أن يكون واجباً مهنياً، لأنه يعكس وجه مصر الحقيقي كبلد الحضارة والتاريخ والكرم.

فإذا أحسن المصريون استثمار هذه القيمة الإنسانية البسيطة، فإنهم سيجنون ثمارها في صورة اقتصاد أقوى وسمعة أطيب ومكانة أكبر على خريطة السياحة العالمية.

الصفحة الثامنة من العدد رقم 425 الصادر بتاريخ 21 أغسطس 2025
تم نسخ الرابط