الإنسان هو المشروع الأكبر في الجمهورية الجديدة

خالد الطوخى - صورة
خالد الطوخى - صورة أرشيفية

- من الإعانة إلى الإنتاج: مصر تُحوّل فلسفة الرعاية الاجتماعية إلى تمكين حقيقي للمواطن

- العدالة الاجتماعية تتحوّل من شعار إلى واقع يعيشه الريف المصري بفضل مبادرة «حياة كريمة»

- الدولة ترى الفقير شريكًا في التنمية لا مجرد مستفيد من المساعدات

- قصص النجاح في القرى تُثبت أن الفقر لم يعد قدرًا محتومًا بل معركة تُخاض بإرادة الإنسان

- من بيت الطين إلى بيت الكرامة… الريف المصري يعيش ميلادًا جديدًا بملامح الجمهورية الجديدة

- «تكافل وكرامة» تتجاوز الدعم النقدي لتُعيد للإنسان احترامه وحقه في الحياة الكريمة

- مصر تختار أن تُحارب الفقر بالعمل والوعي لا بالمنّة أو الشعار

- التنمية لا تُقاس بالأرقام وحدها بل بوجوه الناس التي تغيرت وأحلامهم التي عادت للحياة

- في زمن الأزمات العالمية تحافظ مصر على كيانها الاجتماعي وتبني الإنسان أولًا

- الكرامة تعود إلى القرى… والجيل الجديد ينشأ مؤمنًا بأن الفقر مرحلة يمكن تجاوزها لا مصير دائم

مازلت على قناعة تامة بأن الفقر ليس عيبًا، لكنّ العيب الحقيقي هو أن نتركه يلتهم أحلام الناس ويُطفئ بداخلهم نور الأمل.

لسنوات طويلة، اعتدنا أن نسمع عمن وُلدوا في الفقر وماتوا فيه؛ لأن الحظ لم يمنحهم يدًا تمتد إليهم، أو دولةً تشعر بهم.

غير أن ما أراه اليوم في وطني يجعلني أؤمن بأن الحكاية تغيّرت، وأن الفقر لم يعد قدرًا، بل صار معركة تُخاض بإرادة الدولة وبقوة الإنسان.

في اليوم العالمي للقضاء على الفقر، توقفت طويلًا أمام مشاهد عرضتها وسائل الإعلام، تُبرز كيف تغيّرت معالم الريف المصري، وكيف صار الفقراء شركاء حقيقيين في التنمية.

رأيتُ سيدة كانت بالأمس تبحث عن لقمة العيش، فإذا بها اليوم صاحبة مشروع صغير تُعيل به أسرتها.

رأيتُ شابًا كان يقضي وقته عاطلًا في المقاهي، وقد أصبح اليوم صاحب ورشة يعمل فيها بكرامة.

تلك المشاهد لم تكن مجرد لقطات، بل كانت رسالة صريحة تقول: إن ما يحدث في مصر ليس إحسانًا، بل استردادا لحق الإنسان في الحياة.

ما يلفت النظر أكثر، أن الدولة المصرية اليوم تتعامل مع المواطن لا باعتباره رقمًا في كشف أو حالةً اجتماعية تحتاج للمساعدة، بل باعتباره إنسانًا كامل الحقوق، له مكانته وكرامته.

العدالة الاجتماعية التي طالما كانت شعارًا في الماضي، تحوّلت الآن إلى واقع ملموس يراه الجميع في الطرق والمدارس والمستشفيات، وفي القرى التي أضاءتها مبادرة "حياة كريمة"، وجعلت منها نموذجًا للتنمية الحقيقية.

في تقديري الشخصي، أن مبادرة "تكافل وكرامة" لم تعد مجرد دعم نقدي، بل أصبحت رمزًا لمعنى الكرامة الإنسانية.

فالدولة لم تمد يدها للعوائز من باب المنّة، بل من باب العدالة، باعتبار أن من له احتياج هو شريك في الوطن، وله نصيب في خيره.

أما مبادرة "حياة كريمة"، فهي حكاية استثنائية بكل المقاييس؛ لأنها لم تكتف بتقديم الخدمات، بل غيّرت مفهوم الريف نفسه.

لم تعد القرى النائية مناطق منسية، بل صارت نقاط انطلاق للتنمية، ومصدر فخر لأهلها.

ولأنني أؤمن بأن التنمية ليست أرقامًا تُكتب في التقارير، بل وجوهًا تتغير، فقد أدركتُ أن مصر تسير في طريق مختلف، طريق يضع الإنسان أولًا.

لم تعد الدولة تطبطب على الفقير أو تواسيه، بل تعمل على تمكينه، ليصبح قادرًا على أن يغيّر واقعه بنفسه.

وهذه هي النقلة الحقيقية في فلسفة العمل الاجتماعي التي تشهدها مصر الآن: من الرعاية إلى التمكين، ومن الإعانة إلى الإنتاج.

وما يزيد من قيمة هذا التحول أنه يحدث في زمن مليء بالأزمات العالمية.

العالم كله يتحدث عن الحروب، وارتفاع الأسعار، والركود، لكن مصر اختارت أن تُقاوم بطريقتها، بأن تحافظ على كيانها الاجتماعي، وألا تسمح للفقر بأن يتحوّل إلى وصمة أو إلى سبب لانكسار المواطن.

وهنا يظهر جوهر فكرة "الجمهورية الجديدة"، التي لا تُبنى فقط بالحجر، بل تُبنى بالإنسان أولًا.

الذين يتابعون المشهد المصري اليوم يلمسون بوضوح أن العدالة الاجتماعية لم تعد حديثًا في المؤتمرات، بل واقعًا على الأرض.

فالبيت الذي كان سقفه من طين صار بيتًا يليق بالآدميين، والمدرسة التي كانت تُغلق أبوابها في الصيف أصبحت مركزًا للتعليم والتدريب، والمستشفى الذي كان حلمًا في قرية صغيرة أصبح واقعًا يخدم أهلها.

كل هذه التفاصيل الصغيرة تصنع حياة جديدة تُعيد للإنسان ثقته بنفسه وبوطنه.

ما يحدث الآن ليس فقط تحسينًا في مستوى المعيشة، بل إعادة بناء للروح المصرية التي كانت تعاني من اليأس.

فالإنسان حين يشعر بأن الدولة تراه وتقدّره، يتحوّل من متلقٍ إلى شريك، من شخص ينتظر المساعدة إلى شخص يريد أن يساهم.

هذه هي فلسفة التنمية التي تبني الأوطان على المدى الطويل؛ لأنها تُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.

ولعل أكثر ما يبعث على الأمل هو أن هذه الجهود لا تتوقف عند الدعم الاجتماعي، بل تمتد إلى التعليم، والصحة، وفرص العمل، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تفتح أبواب الرزق أمام آلاف الأسر.

وهذا يعني أن الدولة لا تكتفي بترميم آثار الفقر، بل تسعى لاجتثاث جذوره.

وبهذا تتحول العدالة الاجتماعية من شعار إلى منظومة حياة تُترجمها السياسات العامة.

في كل مرة أتأمل وجوه الناس الذين استفادوا من تلك المبادرات، أرى في عيونهم شيئًا من الفخر، لا من الامتنان.

الفخر بأنهم أصبحوا قادرين على الحياة بكرامة.

تلك السيدة التي تبيع منتجاتها في السوق بابتسامة، أو ذلك العامل الذي يحمل بطاقة تأمين صحي لأول مرة في حياته، أو ذلك الطفل الذي يذهب إلى مدرسة جديدة فيها مكتبة وأجهزة حاسوب… هؤلاء جميعًا ليسوا مجرد مستفيدين، بل أبطال قصة التغيير.

ولعل أجمل ما في هذه المرحلة أن الدولة تبني الوعي إلى جانب البناء المادي.

فالتنمية الحقيقية لا تقوم على البنية التحتية فقط، بل على الإنسان الواعي الذي يدرك قيمته.

من هنا يأتي الاستثمار في التعليم، وفي التدريب، وفي الإعلام الذي ينشر ثقافة العمل والاعتماد على النفس.

هذه المقومات هي التي تصنع المستقبل، وتجعل الفقر مرحلةً يمكن تجاوزها لا قدرًا أبديًا.

حين نحتفل باليوم العالمي للقضاء على الفقر، فإن الاحتفال الحقيقي لا يكون بالكلمات، بل بالأفعال.

فكل بيت يُبنى، وكل مشروع صغير يبدأ، وكل أسرة تستعيد كرامتها، هو احتفال حقيقي بالإنسان.

مصر اليوم لا تحتفل بالفقر كمشكلة، بل تواجهه كقضية إنسانية تتطلب حلولًا شاملة.

وهنا يظهر الفرق بين من يعالج العرض ومن يعالج السبب.

وأنا أكتب هذه السطور، أشعر بأن التاريخ سيتوقف طويلًا أمام هذه المرحلة من عمر الوطن.

لن يذكرها فقط بوصفها مرحلة إصلاح اقتصادي أو اجتماعي، بل باعتبارها اللحظة التي قررت فيها مصر أن تُعيد تعريف الكرامة.

فالكرامة ليست ترفًا، بل هي حق أصيل لكل إنسان.

وها هي الدولة تُعيد لهذا الحق مكانته، بالعمل لا بالشعارات.

ربما بعد سنوات، سيقف طفل من إحدى القرى التي شملتها مبادرة "حياة كريمة"، ويقول بفخر: "أنا من أبناء الجمهورية الجديدة".

وساعتها فقط سندرك أن ما يحدث اليوم ليس مجرد سياسات، بل بناء لجيل جديد وواقع مختلف ؛لأن النجاح الحقيقي، في نهاية المطاف، ليس أن نبني المدن، بل أن نبني الإنسان.

الصفحة الخامسة من العدد رقم 435 الصادر بتاريخ  23 أكتوبر 2025

 

تم نسخ الرابط