لن تدخلها يا ملعون .. لماذا يرفض الرئيس السيسي لقاء نتنياهو في القاهرة؟
- كيف يحاول مجرم الحرب الاجتماع مع الرئيس؟.. وما دور الوساطة الأمريكية؟
- ما هي الشروط التي وضعها السيسي قبل التفكير في قبول أي اتصال من نتنياهو؟
لم يكن الهدوء النسبي الذي خيّم على قطاع غزة كافيًا لكسر الجدار السياسي الذي شيدته القاهرة في وجه لقاءٍ علني بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
فعلى الرغم من توقف العمليات العسكرية الواسعة، ودخول المنطقة مرحلة تهدئة هشة مشروطة، ما زال القصر الرئاسي في القاهرة بعيدًا عن أي صورة تجمع الرجلين، وكأن القرار المصري يتجاوز منطق اللحظة إلى حسابات أعمق تتصل بالشرعية، والرمزية، ومعنى السياسة في زمن الدم.
اللافت أن رفض اللقاء لا يأتي في سياق قطيعة أو انسحاب مصري من الملف، بل على العكس تمامًا.
فمصر موجودة في قلب المشهد، تدير مفاتيح التهدئة، وتشرف على حركة المعابر، وتنسق إدخال المساعدات، وتشارك في هندسة ما يُسمى بـ«اليوم التالي» في غزة.
ومع ذلك، تظل الإجابة المصرية عن فكرة اللقاء السياسي الرفيع واحدة: ليس الآن، وربما ليس بهذه الصيغة.
هذا التناقض الظاهري بين دور الوسيط ورفض اللقاء يفتح الباب أمام سؤال جوهري: إذا كانت العمليات العسكرية قد توقفت، فلماذا لا تفتح القاهرة باب اللقاء؟ ولماذا لا تستثمر مصر هذه اللحظة لتثبيت تفاهمات سياسية مباشرة مع إسرائيل؟
الجواب يبدأ من إدراك أن التهدئة، من وجهة النظر المصرية، ليست نهاية الحرب، بل استراحة محارب في صراع مفتوح. فالقاهرة لا تنظر إلى توقف القصف بوصفه تحولًا إستراتيجيًا، بل خطوة مؤقتة قابلة للانهيار في أي لحظة.
ومن هذا المنطلق، ترى أن منح نتنياهو لقاءً سياسيًا في القاهرة يعني تثبيت مكسب رمزي له قبل أن تتضح مآلات المشهد، وقبل أن تُختبر جدية إسرائيل في الالتزام بوقف مستدام لإطلاق النار.
ثم إن المشكلة لا تتعلق فقط بتوقيت اللقاء، بل بطبيعة الشخص نفسه.
فنتنياهو، في القراءة المصرية، لا يمثل مجرد رئيس حكومة، بل رمز لمرحلة إسرائيلية بالغة التطرف، تآكلت فيها الحدود بين السياسة والانتقام، وبين الأمن والعقاب الجماعي.
استقباله في القاهرة، حتى في ظل تهدئة، سيُقرأ باعتباره رسالة تطبيع سياسي مع هذه المرحلة، لا مجرد تواصل ضروري بحكم الجغرافيا.
القاهرة، التي خبرت ثمن الصور السياسية في الإقليم، تدرك أن الصورة قد تكون أخطر من البيان، وأن لقاء القمة لا يُمحى من الذاكرة الجماعية بسهولة.
لذلك، تفضل إدارة الملف بأدوات أقل ضجيجًا وأكثر فاعلية: قنوات أمنية، اتصالات غير معلنة، وساطة متعددة الأطراف، دون أن تضع نفسها في مرمى الغضب الشعبي العربي، أو في موضع من يمنح غطاءً سياسيًا لسياسات لم تتغير جذريًا.
من زاوية أخرى، يرتبط الرفض المصري بسلسلة شروط واضحة لم تُستوفَ بعد بشكل كامل.
فالقاهرة لا تكتفي بتوقف العمليات العسكرية، بل تطالب بتغيير فعلي في السلوك على الأرض: تدفق إنساني بلا قيود، ضمانات بعدم استئناف الحرب، ووقف أي محاولات لفرض واقع جديد في غزة، سواء عبر التهجير، أو عبر ترتيبات أمنية أحادية تمس الحدود المصرية أو مستقبل القطاع.
كما أن مصر تضع خطًا أحمر صارمًا يتعلق بسيناء.
فكل ما جرى تداوله خلال الحرب من سيناريوهات تهجير أو إعادة تموضع سكاني ترك أثرًا عميقًا في حسابات الأمن القومي المصري.
وبغض النظر عن توقف العمليات، فإن القاهرة لا ترى أن هذه الأفكار دُفنت نهائيًا، وتتعامل معها باعتبارها احتمالات كامنة يجب التحوّط لها سياسيًا ورمزيًا، وإحدى أدوات التحوّط هو رفض أي لقاء يمنح انطباعًا بمرونة أو قبول ضمني.
الوساطة الأمريكية، التي نشطت بقوة في الأسابيع الأخيرة، لم تُغيّر من هذا المنطق كثيرًا، فواشنطن ترى أن اللحظة مناسبة للانتقال من إدارة النار إلى إدارة السياسة، وتسعى إلى جمع الأطراف الرئيسية في لقاءات رفيعة لتثبيت مسار طويل الأمد.
غير أن القاهرة تتعامل بحذر مع هذا الطرح، وترى أن السياسة بلا ضمانات ميدانية حقيقية قد تتحول إلى غطاء هشّ لانفجار جديد.
ثم هناك العامل الداخلي المصري، الذي لا يمكن تجاهله.
فالقضية الفلسطينية ما زالت تمس وجدان الشارع المصري بعمق، وأي صورة تُفهم باعتبارها تهاونًا مع معاناة غزة قد تُحدث شرخًا بين الدولة والرأي العام.
القيادة المصرية، التي تخوض معارك اقتصادية وأمنية معقدة في الداخل، ليس واردا أن تفتح جبهة غضب جديدة بلا ضرورة حتمية.
في هذا السياق، يصبح رفض اللقاء أداة سياسية بحد ذاته، فالقاهرة ترسل رسالة مزدوجة: إلى إسرائيل بأن الطريق إلى الشرعية الإقليمية لا يمر عبر الصور، بل عبر تغيير السلوك؛ وإلى المجتمع الدولي بأن مصر ليست مجرد ساعي بريد دبلوماسي، بل طرف يملك معايير وحدودًا.
ورغم ذلك، لا يعني الموقف المصري أن الباب مغلق إلى الأبد، فالقاهرة تترك مساحة محسوبة للمناورة، وتربط أي تحول في موقفها بتحقق شروط موضوعية: تهدئة مستدامة، ترتيبات إنسانية واضحة، وضمانات سياسية وأمنية مكتوبة لا تقبل التأويل.
عندها فقط يمكن أن يُعاد النظر في شكل التواصل، وربما في مستواه.
حتى ذلك الحين، تفضّل مصر أن تبقى في موقع من يدير التوازن لا من يضفي الشرعية، ومن يضغط بهدوء لا من يمنح المكافآت مجانًا.
وفي هذا المعنى، فإن رفض لقاء نتنياهو ليس موقفًا سلبيًا أو انعزاليًا، بل سياسة محسوبة، ترى أن الصمت أحيانًا أفصح من الكلمات، وأن الامتناع قد يكون أبلغ من المصافحة.
في النهاية، قد يتغير المشهد، وقد تتبدل الحسابات، لكن المؤكد أن القاهرة لا تتعامل مع الملف الفلسطيني بوصفه أزمة عابرة، بل كقضية مركزية تتقاطع فيها الجغرافيا مع التاريخ، والأمن مع الكرامة، والسياسة مع الذاكرة.
ومن هذا المنظور، فإن سؤال «لماذا يرفض السيسي لقاء نتنياهو؟» لا يُجاب عنه بجملة واحدة، بل بفهم أعمق لمعنى الدولة، وحدود البراغماتية، وثمن الصورة في زمن لا ينسى.

- الدول
- امن
- ملك
- المصري
- فلم
- نـــتــنيـــاهـو
- غزة
- الاحتلال
- عون
- النار
- المرحلة
- أخبار محمود الشويخ
- اجتماع
- حكم
- تداول
- قصف
- اليوم
- الحدود
- قرار
- لا ركوع ولا تآمر
- طالب
- غلق
- انفجار
- واشنطن
- القاهرة
- محمود الشويخ يكتب
- التزام
- انهيار
- يوم
- السيسي
- اقتصاد
- اول
- لن تدخلها يا ملعون
- عامل
- شخص
- الشرع
- حركة
- مصر
- مقالات محمود الشويخ
- العسكرية
- الرئيس عبد الفتاح السيسي
- كرة
- رئيس
- داخل
- مركز
- منطقة
- الإرهابي نتنياهو



