مواجهة جائحة كورونا فرضت على الحكومة العمل بشكل غير تقليدى من اللحظة الأولى
الدولة وفرت كل الإمكانيات لخوض المعركة.. ووزير المالية يعلن عن ميزانية مفتوحة
ماذا فعلت الحكومة فى مستشفيات العزل؟.. ورسالتها الخاصة للأطقم الطبية بعد وصول اللقاحات
دور الشعب فى مواجهة الفيروس يتلخص فى كلمة واحدة هى "الالتزام"
لن ننجح فى المعركة بدون التعاون.. فلا الحكومة تستطيع العمل بمفردها.. ولا الشعب أيضا
تذكرت الشعار الذى رفعه المصريون عندما شعروا بالخطر، وعندما أحسوا بأن هناك من يريد إلحاق الأذى والضرر بهم وببلدهم، وقتها هتفوا فى الشوارع والميادين" الجيش والشعب إيد واحدة"، فلم يكن أمام هذا الشعب الطيب الذى يتمسك بتراب بلده ويحافظ عليه إلا جيشه الذى هو عمود الخيمة فى الحفاظ على أمن واستقرار الوطن ليعتصم به، ويضع يده فى يده ليعبر المخاطر والظروف الصعبة.
أقول تذكرت هذا الشعار، لكن اسمحوا لى أن أعدل فيه قليلا بما تقتضيه الضرورة ولما أراه الآن على الأرض من معركة شرسة نخوضها جميعا ضد فيروس كورونا الذى يهدد اقتصاديات العالم وأرواح البشر فى كل مكان ليس فى مصر وحدها ولكن فى دول العالم كلها بلا استثناء، فالعالم يقف وجها لوجه أمام هذا الفيروس يحاول أن يتغلب عليه بكل طريقة، ويبدو أن المعركة لا تزال طويلة بيننا وبينه.
التعديل الذى أراه مناسبا لهذا الشعار هو "الشعب والحكومة إيد واحدة" وهو شعار ضرورى فى اعتقادى لأن المسئولية تجمعنا معا فى سفينة واحدة، لا يمكن لأحد أن يقول إن الحكومة وحدها مسئولة عن المواجهة وأنها يجب أن تتصدى بمفردها للقضاء على الفيروس، ولا يمكن لأحد أيضا وبنفس الدرجة أن يقول إن الشعب وحده هو الذى يجب أن يتصدى للمواجهة، فلكل دوره المحدد، وعلى كلٍ المسئولية التى يجب ألا يتخفف منها أبدا، لأننا لو لم نقم بما علينا فسنواجه الخطر جميعا ولن تكون هناك أية استثناءات على الإطلاق ، فلا عاصم من هذا الفيروس إلا من عصمه الله رب العالمين.
عندما نراجع ما قام به الطرفان "الحكومة والشعب" منذ أصبحنا فى معركة مع فيروس كورونا سنجد وبحياد تام، أن كلا الطرفين حاول جاهدا أن يقوم بدوره طبقا لإمكانياته ولوعيه أيضا، وهو الأمر الطبيعى جدا، وإن كنّا لا يمكننا أن ننكر أن هناك أصواتا عديدة تهاجم الحكومة على طول الخط، وتتهمها بأنها لم تقم بما يجب عليها حيال الشعب، لكنها فى الحقيقة لا تراعى الدقة ولا الموضوعية ولا الحقيقة الواضحة أمام الجميع وضوح الشمس.
لقد بذلت الحكومة منذ اللحظة الأولى لإطلالة هذا الفيروس علينا كل الجهود المنتظرة منها، ولم تتأخر أبدا عن دورها، ولا يمكن أن ننسى أن الدولة المصرية رصدت ١٠٠ مليار جنيه لمواجهة الجائحة، وبنهاية الموجة الأولى من الفيروس كانت الحكومة قد أنفقت بالفعل ما يقرب من ٦٥ مليار جنيه، ولم يكن غريبا أن يقول وزير المالية الدكتور محمد معيط إن توجيهات الرئيس كانت واضحة فى هذا الخصوص، فمع بداية الموجة الثانية صدر قرار بتخصيص ميزانية مفتوحة لمواجهة كورونا، وهو ما يعكس اهتمام الدولة ووعى الحكومة بأنه لابد من توفير الموارد اللازمة لحماية الناس من تبعات الجائحة.
لقد قررت الحكومة من اللحظة الأولى تشكيل لجنة علمية عليا لمواجهة الفيروس، وهى اللجنة التى يرأسها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، وعندما نتأمل تشكيل اللجنة سنتأكد من الآتى: أولا: يشترك فى اللجنة الوزراء الذين تمثل وزارتهم الركيزة الأساسية فى المواجهة لأنها من ناحية وزارات خدمية ومن ناحية ثانية يتعلق عملها بالنسبة الأكبر من المواطنين. ثانيا: تضم اللجنة أيضا علماء فى تخصصاتهم، فهى ليست لجنة مسئولين تكنوقراط، بل يقف أعضاؤها على أرضية علمية رصينة. تكاد تكون هذه اللجنة فى حالة انعقاد دائم، فهى ليست لجنة روتينية يجتمع أعضاؤها فى مواعيد محددة، ولكن يمكن استدعاؤهم فى أى وقت، خاصة أن التطورات التى نشهدها على هامش المواجهة مع الفيروس سريعة ومتلاحقة، ولا يمكن التعامل معها بشكل تقليدى. عكست هذه اللجنة بتشكيلها مسألة مهمة جدا أصبحت مصر تتميز بها الآن، وهى مسألة تتعلق بالإدارة تحديدا، فهناك حالة من التنسيق الكبير والكامل والتام والشامل بين مختلف الوزارات الممثلة فى اللجنة، لقد انتهى عهد الجزر المنعزلة فى الحكومة، ولم تعد كل وزارة تعمل بمفردها، بل بتنسيق محكم، وهو ما يفسر الإنجاز السريع الذى نشهده فى كثير من المجالات، فهو إنجاز ناتج عن التعاون، لأن العمل الفردى فى دولاب الحكومة بعيدا عن أنه لم يكن ينجز بسرعة، فهو أيضا كان يأتى متناقضا مع أعمال الوزارات الأخرى، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هى الفوضى. لقد تعاملت الحكومة بجدية شديدة فى معركتها مع الفيروس وذلك على أكثر من مستوى. المستوى الذى يتعلق بالمستشفيات وتجهيزها، ففى كل محافظة أكثر من مستشفى عزل، وقد عملت الحكومة على تعزيز إمكانيات هذه المستشفيات الطبية ووفرت لها الأدوية اللازمة. والمستوى الذى يتعلق بالأطقم الطبية، وهم الأبطال الحقيقيون فى هذه المعركة، فهم يقفون على خط النار بالفعل يصدون عنا عدوا شرسا وغامضا هو هذا الفيروس اللعين، ولأنهم يقابلون الفيروس وجها لوجه دون أن يهربوا من المواجهة، فهم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، ولذلك حاولت الدولة دعمهم من خلال تحسين أوضاعهم، وقد بدا واضحا للجميع أن هناك حالة احتفاء بجيش مصر الأبيض، تقديرا لجهوده وعطاياه. لقد بدت رعاية الحكومة للأطقم الطبية بشدة، عندما جعلتهم فى قمة قائمة الفئات التى ستحصل على اللقاح أولا، وحددت الأطقم الطبية فى مستشفيات العزل والصدر والحميات، ورغم أن هذا طبيعى جدا، فإن الحرص عليه وإبرازه رسميا وإعلاميا يعكس حالة من التقدير الكبير لأطبائنا الذين يخوضون الحرب المباشرة مع الفيروس. لم تهمل الحكومة كذلك الفئات الأكثر تضررا من الفيروس، وأتحدث هنا عن العمالة غير المنتظمة، هؤلاء الذين بلا عمل ثابت، فهم يعيشون على عمل يومهم، واليوم الذى لا يعملون فيه لا يستطيعون أن يحصلوا على ما يكفيهم أو يكفى أولادهم من الطعام الضرورى، مبكرا جدا خصصت الحكومة منحة شهرية لهم عبارة عن ٥٠٠ جنيه، وكان من المفترض أن تكون لمدة ٣ شهور فقط، لكن وعندما امتدت تبعات مواجهة الفيروس مدت الحكومة الفترة التى تصرف فيها هذه المنحة. تواصل الحكومة كذلك وهذا هو المهم بالفعل رصد ودراسة كل ما يتعلق بواقع فيروس كورونا وتحوراته، وبناء على هذه الدراسة وهذا الرصد تصدر القرارات سواء الخاصة بإدارة العمل فى مؤسساتها المختلفة، أو فيما يتعلق بالإجراءات الاحترازية التى يجب على المواطنين اتباعها، ولا يمكن لأحد أن يشكك أبدا فيما تصدره الحكومة من قرارات، من ناحية لأن لديها الصورة كاملة لما يحدث على الأرض، وثانيا لأنها ترغب فى أن تحقق إنجازا على الأرض من خلال نجاحها فى مواجهة الوباء، فهذا يمثل شهادة فى حقها، وثالثا لأن التجربة أثبتت أن الحكومة تضع الناس بالفعل فى قائمة اهتماماتها، ليس من باب الدعاية الفارغة ولكن بشكل حقيقى وواقعى. ما أريد أن أقوله هنا إن الحكومة تعمل بكل طاقتها، وإذا لمح أحد تقصيرا هنا أو هناك، فإن ذلك لا يمكن أن يشوه صورة إنجاز الحكومة وعملها، فالجائحة عالمية، وقد عجزت دول كبرى بكل إمكانياتها عن أن تتجاوز تبعات الفيروس، ويكفى أننا حتى الآن نقف على قدمين ثابتتين نواجه رغم شراسة المعركة. يتبقى دورنا نحن، دور الشعب المصرى فى المواجهة، وإذا تأملنا فسنجد أن المطلوب منا يتلخص فى كلمة واحدة هى الالتزام، الالتزام بارتداء الكمامة، والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، والالتزام بالتباعد الاجتماعى. فعليا ليس مطلوبا منا أكثر من هذا، وكم كان عظيما أن يتمتع الناس بأكبر قدر من الوعى خلال الموجة الأولى من الفيروس، وهو ما نحتاجه بشدة خلال هذه الموجة أيضا، أقول ذلك لأننى أرى عدم التزام بشكل كبير، بل أرى حالة من الاستخفاف الشديد فى التعامل مع الفيروس الآن. هذه دعوة متجددة بالفعل لأن نضع أيدينا فى يد الحكومة لمواجهة الفيروس، لأنه بغير التعاون بين الشعب والحكومة فلا نجاح لنا فى هذه المعركة أو فى غيرها من المعارك.