◄قرار المؤسسة العالمية «ستاندرد آند بورز» يعكس النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى
◄الاقتصاد المصرى من الاقتصادات المحدودة جدًا على مستوى العالم التى حققت نموًا وتحسنًا فى معدلات البطالة خلال 2020
◄انخفاض أعباء فاتورة خدمة الدين بسبب استمرار تحقيق فائض أولى بقيمة 2% من الناتج المحلى
انتابنى شعور عارم بالسعادة والتفاؤل فى نفس الوقت وأنا أتابع التقارير العالمية المبهجة التى تناولت خبر إبقاء المؤسسة العالمية "ستاندرد آند بورز" على التصنيف الائتمانى لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو دون تعديل عند مستوى «B»، مع الإبقاء أيضًا على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصرى «Stable Outlook»، للمرة الثالثة على التوالى منذ بداية أزمة كورونا، وبالطبع فإن دل هذا على شيء فإنه يعكس استمرار ثقة المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتمانى فى صلابة الاقتصاد المصرى وقدرته على التعامل الإيجابى المرن مع تداعيات «الجائحة»، مقارنة بالدول ذات التصنيف الائتمانى المماثل أو الأعلى، فى الوقت الذى تدهورت فيه الأوضاع الاقتصادية بمعظم الدول النظيرة والناشئة.
الأمر الذى يدعو للتساؤل: ما الذى سوف يترتب على تقرير المؤسسة لصالح الاقتصاد المصرى؟ وهو أمر فى غاية الأهمية خاصة أن الاقتصاد المصرى، وفقًا لتقديرات مؤسسة «ستاندرد أند بورز»، يستطيع تجاوز التداعيات السلبية الناتجة عن الجائحة بسبب تحسن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل استقرار أوضاع المالية العامة، ووجود احتياطى نقد أجنبى كبير ومطمئن، إضافة إلى استمرار الحكومة فى تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية والهيكلية التى من شأنها تحسين بيئة تشغيل الأعمال وضمان استدامة أوضاع المؤشرات الاقتصادية.
وهنا فإننى أود إلقاء الضوء على مسألة فى غاية الأهمية تتعلق بعدد المرات التى أبقت فيها المؤسسة العالمية على حالة استقرار الاقتصاد لأن قرار مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بالإبقاء على التصنيف الائتمانى لمصر يأتى للمرة الثالثة على التوالى كما أشرت من قبل وعلى وجه الخصوص منذ بداية الجائحة ولكنها تعد المرة الأولى منذ بداية عام 2021، وهو ما يعكس استمرار رصيد الثقة المتولد لدى المحللين بها بسبب الإصلاحات الاقتصادية والمالية الكبيرة التى نفذتها الدولة خلال السنوات الماضية، مما أعطى قدرًا كافيًا من المرونة للاقتصاد المصرى على تمويل احتياجاته بالعملتين المحلية والأجنبية رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية العالمية مؤخرًا، وهذا ليس مجرد كلام إنشائى وإنما يأتى بحسب تصريحات محمد معيط وزير المالية الذى أكد على مسألة فى غاية الأهمية هى أن الإبقاء على هذا التصنيف جاء كنتيجة منطقية لتوازن السياسات الاقتصادية والمالية التى تنتهجها الحكومة ووزارة المالية خلال السنوات الماضية وخلال فترة التعامل مع الجائحة؛ مما أسهم فى أن يصبح الاقتصاد المصرى واحدا من الاقتصادات المحدودة جدًا على مستوى العالم التى تحقق نموًا وتحسنًا فى معدلات البطالة خلال عام 2020، حيث سجل الاقتصاد المصرى معدل نمو بلغ ٣,٦% خلال العام المالى 2019/ 2020 ومن المتوقع أن يحقق 2.8% خلال العام المالى الحالى، نتيجة المساهمة الإيجابية والمرتفعة لعدة قطاعات.
وبينما أتناول هذا الموضوع شديد الأهمية فإننى أود الإشارة إلى أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» لم تتوقف عن حد الإبقاء على التصنيف المصرى وإنما تتوقع أيضاً فى تقريرها الأخير ظهور مساهمة إيجابية قوية للاستثمارات الحكومية والخاصة بما يُسهم فى تحقيق معدلات نمو مستدامة تصل إلى نحو 5.3% على المدى المتوسط خلال الفترة «2022 - 2024»، إضافة إلى الأثر الإيجابى المتولد من خلال استمرار تحسن مناخ الأعمال بسبب تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية.
وتشير كافة الدلائل إلى أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» تتوقع أيضاً تحسن آفاق نمو الاقتصاد المصرى بسبب التزام الحكومة بمسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية، كما تتوقع معاودة التحسن التدريجى لمعظم المؤشرات الاقتصادية والمالية فى المدى المتوسط ومنها عودة معدلات الدين الحكومى فى الانخفاض كنسبة للناتج المحلى وتحسن وانخفاض أعباء فاتورة خدمة الدين بسبب استمرار تحقيق فائض أولى بقيمة 2% من الناتج المحلى خلال السنوات المقبلة نتيجة جهود وزارة المالية فى إطالة عمر الدين ليصل إلى 3.2 عام خلال 2020 ونحو 3.6 عام بنهاية يونيو 2021، على ضوء انخفاض معدلات الفائدة المحلية.
والأمر الذى يبعث على الشعور بالتفاؤل والأمل أن مؤسسة «ستاندرد أند بورز» أشادت بجهود الحكومة فى استهداف خفض عجز الموازنة العامة خلال العام المالى 2021/ 2022 إلى 6.7% من الناتج المحلى نزولًا من 7.8% من الناتج المحلى كمستهدف للعام المالى الحالى، كما تناولت بإيجابية العديد من الإجراءات التى اتخذتها الحكومة للحفاظ على استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية مثل جهود ترشيد الإنفاق وزيادة المخصصات الموجهة لقطاعى الصحة والتعليم والتمويل الموجه لبرامج الحماية الاجتماعية مثل «تكافل وكرامة» وارتفاع التحويلات النقدية للفئات الأكثر احتياجًا، إضافة إلى جهود مساندة المصدرين.
كما تناول التقرير الإجراءات التى اتخذتها وتستهدفها الحكومة لتنمية الموارد والإيرادات الحكومية بما يسهم فى تحقيق زيادة فى نسبة الإيرادات الضريبية للناتج المحلى بمعدل 5,% سنويًا خلال الثلاث سنوات المقبلة من خلال توسيع القاعدة الضريبية بشكل عام.
ليس هذا فحسب بل إن تقرير مؤسسة «ستاندرد أند بورز» ووفق تصريحات أحمد كجوك نائب وزير المالية للسياسات المالية، قد أشاد بوجود قاعدة تمويل محلية واسعة وقوية، ورصيد مطمئن من الاحتياطيات من النقد الأجنبى وهما عناصر تمثل مصدر قوة وصلابة للاقتصاد المصرى، مؤكدًا أن أهم العوامل التى قد تؤدى إلى رفع التصنيف الائتمانى لمصر فى المدى المتوسط هو مواصلة جهود الضبط المالى واستمرار خفض مسار ومعدلات الدين الحكومى للناتج المحلى مما يُسهم فى خفض الاحتياجات التمويلية للاقتصاد المصرى وتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة وجيدة.
وبلا شك فإن تثبيت التصنيف السيادى يعد أمرًا مهمًا فى ظل الاضطراب الاقتصادى والمالى الذى يعانى منه العالم بسبب تفشى وباء كورونا ومرور العالم بالعديد من التغيرات الهيكلية فى سلاسل التوريد والإنتاج. كما يمر العالم بأزمة سيولة ستؤثر على قدرة الدول على النفاذ لأسواق المال لتمويل التنمية والنمو المستدام.
ومن هنا فإن تثبيت التصنيف السيادى لمصر يؤكد جدارة الاقتصاد المصرى وقدرته على الخروج من الأزمة العالمية واستعادة معدلات النمو المرتفعة، حيث تعد التصنيفات الائتمانية أداة هامة يستخدمها المستثمرون عند اتخاذ قرارات شراء السندات واستثمارات الدخل الثابت الأخرى وتشير إلى الحد الأدنى من العائد الذى يطلبه المستثمرون على الاستثمار فى سندات الدولة والذى يجب أن يعكس فى جانب كبير منه التصنيف المعطى للمخاطر السيادية للدولة.
كما يعد التصنيف الائتمانى السيادى الذى تجريه وكالات التصنيف الائتمانى الدولية، ومن أهمها مؤسسة ستاندرد آند بورز، تقييماً لقدرة الحكومات على خدمة ديونها فى إطار المدى الزمنى لتواريخ الاستحقاق المحددة لهذه الديون، أخذًا فى الاعتبار طبيعة الشروط المتفق عليها بين الحكومة وبين المقرضين لها عند عقد القرض، وباستخدام مجموعة من المؤشرات الكلية يتم تحويل هذا التقييم فى صورة تصنيف محدد للدولة يعكس المخاطر السيادية بالنسبة لها، والذى هو فى واقع الأمر تقييم لاحتمال توقف دولة ما عن خدمة دينها، أى أن التصنيف الائتمانى السيادى ينصرف إلى قدرة ورغبة الدولة فى احترام التزاماتها نحو المقرضين من المصادر المختلفة.
ودائما ما يصحب التصنيف الائتمانى للدولة ما يسمى النظرة المستقبلة Outlook للتصنيف الائتمانى للدولة، الذى يعكس تقييم مؤسسة التصنيف حول وضع التصنيف الممنوح للدولة فى المدى المتوسط (بين سنة إلى ثلاث سنوات)، الذى يأخذ بشكل عام إحدى صور ثلاث وهى إيجابى Positive، ويعكس تفاؤل المؤسسة باستمرار احتمالات تحسن أداء الحكومة الائتمانى واحتمالات ارتفاع تصنيفها فى المستقبل، وسلبى Negative ويعكس تشاؤم المؤسسة باستمرار احتمال تراجع أداء الحكومة وتراجع التصنيف الممنوح لها فى المستقبل، ومستقر Stable، ويعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالى للدولة كما هو عبر المدى المتوسط.
والحديث عن تقرير «ستاندرد أند بورز» يقودنا إلى النظر بشيء من الدقة لمسألة مهمة هى أن الاقتصاد المصرى عانى لسنوات طويلة من اختلالات كبرى، ولم يكن لمصر أن تعبر من أزمة كورونا بأمان لولا برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أسهم بفاعلية فى رفع معدلات النمو خلال ذروة الأزمة، خاصة أن جائحة فيروس كورونا وضعت العالم أجمع فى حالة من الترقب، لكن مصر كانت لديها مقومات رئيسة مهمة جداً وتعاملت بقدر عالٍ من التوازن بين الحفاظ على الإجراءات الصحية ومراعاة صحة المواطنين، وفى الوقت ذاته استمرار عجلة الاقتصاد بينما العديد من الدول لم تستطع تحقيق هذا التوازن، وهنا تبرز قيمة وأهمية القدر المالى الذى امتلكته مصر نتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى حيث أسهم ذلك فى مساندة القطاعات المتضررة بتخفيف الأعباء عليها وكذلك القطاعات التى لديها فرصة كقطاعات "الاتصالات والزراعة والتعليم والصحة" حيث تم ضخ استثمارات أكثر بها.
وحسب تصريحات صحفية سابقة للدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية فإن التجربة المصرية باتت نموذجاً يحتذى به لما اتخذته الحكومة المصرية من إجراءات استباقية مرنة وقابلة للتكيف لمواجهة تداعيات كورونا وتأثيرها على الاقتصاد المصرى والقطاعات كافة وعلى رأسها قطاع السياحة باعتباره القطاع الأكثر تضرراً فى الاقتصاد، موضحة أن الحكومة حرصت على دعم كل القطاعات أثناء الأزمة من خلال تخفيف الأعباء الاقتصادية على تلك القطاعات، بتأجيل تحصيل رسوم الترخيص والضرائب الأخرى والرسوم السيادية.
ولفتت إلى أن الجائحة أدت إلى إعادة ترتيب الأولويات فى جميع الدول كما أثبتت أهمية العمل الجماعى، مشيرة إلى أنه من أجل التعامل مع هذه الأزمة بشكل فعال، لا بد من الاستعداد للاستجابة الفعالة فى الوقت المناسب لتفشى المرض، بما يشمل تشغيل تطبيقات إلكترونية تتبع المخالطين مع وضع خرائط محدثة لمخاطر الأوبئة، وتقديم معلومات عن انتشار فيروس كوفيد -19 فى مختلف الدول.
والحق يقال فإن محور تنويع الهيكل الإنتاجى للاقتصاد المصرى يعد المحور الرئيس لهذا البرنامج حيث يستهدف تحسين الإنتاج المصرى وزيادة مرونة الاقتصاد وخلق فرص العمل اللائق والمنتج وزيادة فرص التصدير، متابعة إنه تحقيقاً لذلك حُددت خمسة قطاعات ذات أولوية رئيسة على مستوى القطاعات الإنتاجية والخدمية، وهى "الزراعة، والصناعة، والتشييد والبناء والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات".