محمود الشويخ يكتب: « المنتصر» كيف أسست «٣٠ يونيو» لـ «الجمهورية الجديدة»؟
- ماذا فعل السيسى للقضاء على الجماعة الإرهابية وإعادتها إلى "بطن الأرض"؟
- أسرار بيان ٣ يوليو لعزل "الإخوان".. وكواليس حرب الرئيس لحماية الشعب المصرى.
- خطة "٧ الصبح" لإعادة بناء الدولة المصرية من جديد بعد عام الخراب .
أبدأ حديثى معكم هذا الأسبوع باعتراف ربما أبوح به للمرة الأولى.
اعتراف يعتصر قلبى وأنا أضعه بين أيديكم.. به ما يمكن أن يديننى.. فهذا يمكن أن يصفه بهروب من المواجهة وذاك له الحق فى أن يرى فيما كنت أنوى فعله "عيب" على "رجل صعيدى" وهذا شيء يعلم من يعرفنى كم أفتخر به.
لكن ذلك ما حدث!
لقد فكرت جديا فى أن أترك مصر، بلادى، بعد فوز محمد مرسى!
نعم ما قرأته صحيح.. هذا ما قررته ربما فى الأسبوع الأول لحكم الجماعة الإرهابية.. كنت أعرف جيدا ما سيحدث.. وكنت أرى أمامى بلادى وهى تسرق فى غفلة من أهلها.
هذا بينما كان كثيرون منخدعين.. نائمين.. منتفعين.. وربما متآمرون.. كانوا يقولون لنرى ما سيفعلون.. وكنت أنا أراه رؤى العين.
لقد أمضيت جانبا طويلا من حياتى فى دراسة هذه الجماعات.. عرفتها عن قرب.. ودرست ما تقوله وتفعله... ولهذا كان قرارى الذى اعترفت لكم به فى البداية.
لكن وبعد أن استشعرت بضوء فى نهاية النفق.. وحين رأيت مصريين ليسوا راضين عن تسليم مصر لجماعة إرهابية.. قلت: إذا هربت أنت؟.. فماذا يفعل غيرك إذن؟!
بدأت من يومها أجهز أسلحتى للمعركة.. وأسلحتى أقلام.. أكتب بها كلمتى وأمضى.
ومرت الأيام والشهور.. وعاد الوعى إلى الشعب.. وبدأ النور يملأ النفق... وبدا أن الجماعة الإرهابية هى التى ستدخل النفق!
وهذا ما حدث.. فقد أنهى الشعب المصرى حكم محمد مرسى بعد عام وثلاثة أيام فقط قضاها فى الحكم، ارتكب خلالها أخطاء فادحة أنهت العلاقة بينه وبين الشعب فى خلال هذه المدة الزمنية الضائعة من عمر مصر التى كانت البلاد فيها أحوج ما تكون لاستثمار كل يوم للبناء والتقدم والنمو والاستقرار.
فعلى صعيد السياسة الخارحية فشلت الزيارات المتعددة التى قام بها مرسى شرقاً وغرباً فى فتح آفاق التعاون البناء بين مصر ودول عديدة فى العالم، وبات واضحاً أن علاقات مصر الخارجية تقزمت فى دول بعينها تدعم حكم الإخوان فى مصر وتراجعت علاقات مصر بدول محورية عديدة خاصة فى العالم العربى.
وفى مياه النيل، شهدنا معالجة سلبية للغاية لمباشرة إثيوبيا بناء سد النهضة، كشفت عن الافتقاد لأسس التعاطى مع الأزمات الممتدة منها أو الناشئة، فضلاً عن سوء إدارة الحوار مع القوى السياسية وبثه على الهواء بما ساهم فى توتر العلاقات مع الجانب الإثيوبى وأجهض أسس الحوار السياسى معه.
هذا إلى جانب الاستمرار فى الخطى السياسية السابقة المتقاعسة عن تفعيل التعاون البناء فى المجالات المختلفة مع دول حوض النيل، بما يدعم من سبل الحوار السياسى معها حول الأزمات المختلفة.
وكانت الجريمة الكبرى حيث رسخ حكم مرسى على مدار عام حالة من الاستقطاب الحاد، وقسم المجتمع بين مؤيد للمشروع الإسلامى الذى يمثله الرئيس وجماعته دون أن يقدموا دليلاً واحداً على هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف فى أغلب الأحيان بــ "العلمانى" وبدلاً من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك بين التأييد والرفض، وعمل حكم مرسى وبسرعة كبيرة على ترسيخ الأخونة ونشر هذا الفكر رغم تنامى الشعور المعادى له من يوم لآخر.
ثم إن الجماعة الإرهابية عملت على افتعال الأزمات الرامية إلى تشتيت جهود الأمن والحد من اكتمال البناء الأمنى، وكانت أبرز المشاهد إحياء ذكرى أحداث محمد محمود، واستاد بور سعيد، وإحداث قلاقل أمنية من آن لآخر بالعديد من المحافظات خاصة بور سعيد والسويس، مع الإفراج عن سجناء إرهابيين من ذوى الفكر المتطرف استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية متطرفة تستمد العون من أنفاق التهريب مع قطاع غزة التى حظيت بكل الدعم والحماية من رئيس الدولة ذاته، نفذت هذه الجماعات فعلاً خسيساً بالإجهاز على 16 شهيداً من الأمن وقت الإفطار فى رمضان، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنها بفعل حشود الجيش لتعقب الإرهابيين، وتدخل جماعة الرئيس للإفراج عن الجنود، فضلاً عما تكشف بعد إقصاء هذا الرئيس من كون هذه الجماعات الإرهابية السند لجماعة الإخوان فى حربها الإرهابية ضد الدولة.
وطوال حكم الجماعة الإرهابية استمرت الأزمات الغذائية، والارتفاع المتواصل فى أسعار السلع والخدمات دون تدخل حكومى يسعى لوقف جشع التجار، وتكررت وبشكل متواصل أزمات البنزين والسولار، بما أثر على الحركة الحياتية للمواطن، وانعكس ذلك على الانقطاع المتكرر للكهرباء، وبدا واضحاً اتجاه الحكم لاستخدام المنظومة التموينية لخدمة أغراضه الانتخابية، ومحاولة كسب شعبية عبر التلاعب بالحصص التموينية.
وكان واضحا للجميع اتجاه الجماعة نحو تغيير هوية مصر الثقافية، والعمل على ارتدادها لحساب توجهات رجعية متخلفة، بدءًا من منع عروض الباليه بدار الأوبرا، إلى إقصاء قيادات الثقافة والفنون والآداب، مقابل إحلال قيادات تدين بالولاء للجماعة الداعمة للحكم.
وناصب الحكم الإعلام العداء لدوره السريع فى كشف المسالب أمام الرأى العام، فكان هناك سعى بكل قوة لأخونة مؤسسات الدولة الصحفية والإعلامية، فى محاولة واضحة لتأسيس الفكر الإخوانى من جهة، والحد من تأثير الإعلام المضاد من جهة ثانية، بالتوازى مع افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءًا من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار الرئيس، ثم محاولة تحجيم دورها فى دستور ديسمبر 2012، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمس بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة.
وبينما تعهد مرسى بحل مشكلة المواصلات ضمن خمس مشاكل تعهد بحلها خلال المائة يوم الأولى من حكمه، فإن مشكلة المواصلات استفحلت خلال العام الذى شهد كوارث يومية للطرق أبرزها حادث مصرع 50 طفلاً على مزلقان بأسيوط، ولم يشهد العام من الحكم تشييد أى من الطرق الجديدة، أو إصلاح الطرق القائمة، فضلاً عن تراجع أداء مرفق السكك الحديدية، مع تراجع معدلات النمو.. زيادة الدين العام.. تآكل الاحتياطى النقدى.. تهاوى مؤشرات البورصة..تراجع تصنيف مصر الائتمانى.. وكلها مؤشرات تعكس انهيار الاقتصاد فى حكم جماعة الإخوان الإرهابية التى لا تعرف سوى الخراب والفشل الذى استشرى فى جسد الدولة كالسرطان، فبدلا من محاولة النهوض بالبلاد وتشجيع الاستثمار، كان يتم محاربة المستثمرين لصالح رموز الإخوان، إلى جانب أخونة المناصب الاقتصادية فى الدولة مثل وزارة المالية ووزارة الاستثمار، دون أى اعتبار لمعايير الكفاءة أو القدرة على إدارة هذه المناصب الحيوية.
وتجلى الوضع الكارثى لحالة الاقتصاد فى عهد الجماعة فى أوضح صوره، وجسدته الأرقام، حيث أشارت إحصاءات البنك المركزى إلى العديد من الأرقام الكارثية، فارتفع الدين العام خلال فترة حكم الإخوان بنحو %23.36 بعدما سجل مستوى 1527.38 مليار جنيه مقارنة بفترة المقارنة فى عام 2012 والتى كانت مستويات الدين عند 1238.11 مليار جنيه، كما زادت نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج المحلى بنحو 10%، بعد أن ارتفعت من %79 إلى نحو 89%، إلى جانب استمرار تآكل الاحتياطى النقدى من الدولار لدى البنك المركزى فوصل إلى نحو 14.93 مليار دولار بدلا من 15.53 مليار دولار بنسبة انخفاض قدرها 3.8%.
كان هذا هو الوضع خلال هذا العام الأسود فكان طبيعيا أن تخرج الملايين إلى الشوارع تهتف "يسقط يسقط حكم المرشد"، وكعادتها دائما كانت القوات المسلحة المصرية إلى جانب الشعب وخياراته واستطاعت أن تضرب مثالا للعالم فى الحفاظ على الأرواح والمنشآت وحمايتهم من بطش الجماعة الإرهابية.
ففى أول يوليو، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا فى الساعة الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة ذكرت فيه أنه من المحتمل أن يتلقى الشعب ردا على حركته وعلى ندائه .. داعية كل طرف لأن يتحمل قدرا من المسئولية فى هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن .. مشيرة إلى أن الأمن القومى للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التى تشهدها البلاد وأمهلت القوات المسلحة 48 ساعة للجميع لتلبية مطالب الشعب.
وفى 3 يوليو .. اجتمعت قيادة القوات المسلحة بقيادات سياسية ودينية وشبابية وفى حوالى الساعة التاسعة مساء بتوقيت القاهرة أذاع التليفزيون بيانا ألقاه وزير الدفاع آنذاك الفريق أول عبدالفتاح السيسى أنهى فيه رئاسة محمد مرسى لمصر وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها المجتمعون تتضمن تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، موضحا أن له سلطة إصدار إعلانات دستورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية وتشكيل لجنة من التيارات السياسية وخبراء الدستور لمراجعة دستور 2012 الذى عطل مؤقتا ودعا البيان المحكمة الدستورية العليا إلى سرعة إصدار قانون انتخابات مجلس النواب.
وقد أثار هذا البيان فرحة عارمة بين المطالبين بإسقاط مرسى الذين تجمعوا فى الشوارع والميادين فى كافة أنحاء البلاد بصورة فريدة وغير مسبوقة قدرت بحوالى 33 مليون مصرى، وتعالت صيحات "الجيش والشعب إيد واحدة" .
وفى ٤ يوليو تم تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور حتى إجراء انتخابات رئاسية وتعديل دستور 2012 وتنفيذ خارطة الطريق واستحقاقاتها الثلاثة التى تشكل أركان الدولة(رئيس منتخب، ودستور جديد ، ومجلس للنواب).
وفى النهاية نتوقف أمام جملة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تويتة بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 30 يونيو، حيث قال الرئيس: "سيتوقف التاريخ كثيرًا أمام ثورة 30 يونيو المجيدة، وستظل حية فى ذاكرة كل الأجيال، بما رسخته من مبادئ العزة والكرامة والوطنية والحفاظ على هوية مصر الأصيلة من الاختطاف".
عاشت مصر.. وعاش جيشها.