محمود الشويخ يكتب: «صوت مصر القوى» كيف أعاد الرئيس العلاقات مع أوروبا إلى "قمة الصداقة"؟
- ماذا فعل السيسى فى قمة "تجمع فيشجراد"؟.. ولماذا زار المجر الآن؟
- سر عملية تأمين حلفاء القاهرة داخل الاتحاد الأوروبى.. وكواليس الاتفاق على التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب.
- قادة المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا يشهدون: دور مصر وزعيمها فى منطقة الشرق الأوسط لا غنى عنه .
أشفق كثيرا على من يتابعون نشاط الرئيس عبدالفتاح السيسى.. لا أبالغ فى كلماتى هذه أبدا.. فهذا قائد لا يعرف الراحة أو النوم منذ أن كلفه الشعب المصرى بالمسئولية.
حتى جائحة كورونا، التى أصابت العالم بشلل ودفعت القادة لالتزام قصورهم، لم تقدر على منعه من الحركة والعمل لبناء "الجمهورية الجديدة".. مستعينا بعون الله ودعمه.
هل أقول كلاما دون دليل؟
ليس هذا عهدى معكم فى هذه الزاوية الأسبوعية.. ولنأخذ هذا الأسبوع كمثال؛ السبت؛ كان الرئيس السيسى يفتتح معرض تراثنا للحرف اليدوية والمنتجات التراثية، الأحد؛ استقبل الرئيس بقصر الاتحادية الرئيس سلفا كير ميارديت، رئيس جمهورية جنوب السودان.
ولأن الراحة كلمة غائبة عن قاموس الرئيس؛ كان، صباح الإثنين، يستقل الطائرة متوجها إلى العاصمة المجرية بودابست، للمشاركة فى قمة دول تجمع "فيشجراد" مع مصر، ويضم التجمع كلاً من المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا.
وقصة هذا التجمع بدأت مطلع تسعينيات القرن الماضى، حين شكلت المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا مجموعة فيشجراد، وهو تكتل يجرى تدوير رئاسته بين الأعضاء فى يوليو من كل عام.
والدول الأربع بلدان مرتفعة الدخل، والأكثر نموًا فى المجموعة هى جمهورية التشيك، وتعد مصر أول دولة من الشرق الأوسط تُدعى لحضور هذه القمة.
وتعرف قمة "فيشجراد" أيضا بـVisegrád Group أو Visegrad four، واختصارًا تعرف بمجموعة V4، وتعد التكتل السياسى والاجتماعى والثقافى لدول أوروبا الوسطى، خاصة أن تلك الدول تحظى بثقافات شبه متقاربة، وتعد إحدى القوى المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبى.
وأطلق اسم التجمع على اسم مدينة "فيشجراد" الواقعة فى شمال العاصمة المجرية بوادبست، على الضفة اليمنى من نهر الدانوب، تلك التى اجتمع فيها زعماء التحالف للمرة الأولى فى 15 فبراير 1991.
ويطلق فى بعض الدوريات اسم مثلث فيشجراد على هذا التحالف، نظرًا لأنه كان يتكون فى البداية من ثلاث دول فقط، هى تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا، قبل أن تنفصل الجمهوريات التشيكوسلوفاكية، وتنبثق عنها دولتا التشيك وسلوفاكيا، وتنضمان إلى التحالف، ويصبح تحالفًا رباعيًا.
وبعد نحو 13 عامًا من تأسيس الحلف، انضم كل أعضائه إلى الاتحاد الأوروبى، وتحديدًا فى الأول من أبريل عام 2004، ليصبح واحدًا من أقوى التحالفات الثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية فى أوروبا.
وتطورت العلاقات بين مصر ودول المجموعة، وفى اليوم الأول من يونيو بالعام 2016، التقى بيتر سيارتو، وزير الخارجية المجرى، نظيره سامح شكرى، وعقدا جلسة مباحثات استهدفت الاستفادة المتبادلة، وفتح مجالات للتعاون بين بلدان فيشجراد والقاهرة.
قبل ذلك بأعوام قليلة، نجحت مصر فى استخلاص مواقف دولية من قبل دول المجموعة مؤيدة للنهج المصرى فى السياسة الداخلية، خاصة سلوكها إزاء مكافحة العنف والتطرف والإرهاب، وكانت دول المجموعة بلا استثناء من الأطراف الأوروبية المرحبة بالانتقال السياسى فى صيف 2013.
وتستهدف مصر الاستفادة من التجارب الاقتصادية لدول المجموعة، خاصة أن كل الدول الأربع الأعضاء فى المجموعة من الدول ذات الدخول العالية والاقتصاد المستقر، وتحظى بفرص استثمارية كبيرة، ومن الدول التى حققت قفزات اقتصادية فى غضون أعوام قليلة.
وتعتبر دول المجموعة المناطق السياحية المصرية على رأس المقاصد الترفيهية والأثرية، التى يجب زيارتها على مستوى العالم، ويعتبر مواطنو تلك الدول شواطئ البحر الأحمر أهم مناطق بحرية سياحية فى العالم؛ ولذلك تسعى الساسة المصرية إلى زيادة أعداد السائحين من مواطنى تلك الدول لدعم القطاع السياحى.
ويعول المسؤولون فى دول المجموعة على التعاون الاقتصادى مع مصر، خاصة أن آليات التنسيق الاقتصادى، شملت دراسات جديدة للتعاون فى مجالات الزراعة ومعالجة المياه والسكك الحديدية وإنتاج الآلات والسياحة والسياحة العلاجية، فضلًا عن تشجيع الشركات على إقامة مشروعات مشتركة، وفتح أسواق ثالثة فى الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب الاهتمام بنقل التكنولوجيا، من خلال إقامة مشروعات مشتركة بين القاهرة ودول فيشجراد.
وتسعى القاهرة ودول فيشجراد للبناء على بروتوكول التعاون الأمنى، الذى تم توقيعه بين الرئيس السيسى والرئيس المجرى، فى خلال زيارة الأول إلى بودابست، وخاصة فى مجالات مكافحة الإرهاب، فى وقت يشهد فيه تنظيم "داعش" أيامه الأخيرة بالإقليم. ويعد صندوق "فيشجراد" الدولى، الذى أُنشئ عام 1999، ومقره فى براتيسلافا، الذراع الاقتصادية القوية للتحالف، وتبلغ ميزانيته السنوية 8 ملايين يورو.
ولهذا كله فإن هذه الزيارة على قدر كبير من الأهمية؛ فهى من ناحية تسهم فى تعزيز العلاقات مع هذا التكتل المهم ذى الصوت القوى والمؤثر داخل الاتحاد الأوروبى، ومن ناحية ثانية تلعب دورا كبيرا فى زيادة العلاقات الاقتصادية وبخاصة فى الجانب السياحى بين مصر والبلدان الأربع، وهذه هى المشاركة الثانية لمصر فى قمة تجمع "فيشجراد"عقب مشاركتها الأولى فى عام 2017، بما يعكس حرص الجانبين على تطوير العلاقات بينهما، والتباحث بشأن مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.
أما أجندة الرئيس فقد شملت موضوعات حيوية على رأسها دور مصر فى منطقة الشرق الأوسط، والتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وأمن الطاقة، وبحث فرص تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين الجانبين، فضلاً عن سبل تطوير التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبى، الذى تتمتع دول التجمع بعضويته.. فضلا عن عقد مباحثات ثنائية مكثفة مع كبار المسئولين المجريين، فى مقدمتهم رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان، والرئيس المجرى يانوش أدير، لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين الصديقين، فضلاً عن التعاون والتنسيق على الصعيدين الدولى والإقليمى.
وسبق هذه الزيارة تصريحات هامة لوزير الخارجية والتجارة المجرى، بيتر سيارتو، شدد خلالها على أن مصر تستحق كل الدعم من أوروبا والاتحاد الأوروبى، مشيدًا بدورها المحورى والملموس خاصة فى منع الهجرة غير الشرعية لدول القارة الأوروبية.
وثمَّن الوزير دور مصر فى العمل على وقف الظاهرة، موضحًا أن مصر منذ 6 سنوات أغلقت شواطئها لمنع الهجرة غير الشرعية إلى القارة الأوروبية.
وفى فبراير الماضى، قال وزير خارجية المجر، فى مؤتمرٍ صحفى مشترك مع وزير الخارجية، سامح شكرى، إن شركات مجرية تعمل على بناء مضخات مياه ضخمة جدًا فى سيناء، مشيرًا إلى أن المجر ستستفيد من الغاز المصرى بعد تدشين خط الغاز لليونان.
وأوضح أن بلاده تتفاوض مع القاهرة لإيصال الغاز السائل إلى المجر بالسعر المناسب، مشيرًا إلى أن بلاده تنتظر الانتهاء من خط الغاز اليونانى - البلغارى، لافتًا إلى أن هناك فرصة لمصر أن توزع الغاز إلى أوروبا الوسطى عبر المجر.
ولفت «سيارتو» إلى أن بلاده سلمَّت مصر 259 عربة سكة حديد، مشيرا إلى أنه خلال العامين المقبلين سيتواصل تسليم العربات المجرية لمصر.
وفى سبتمبر الماضى، استقبل الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، سفير المجر لدى مصر، لبحث سبل دعم وتعزيز التعاون بين مصر ممثلة فى قطاع الكهرباء والطاقة، وعدد من الشركات المجرية المتخصصة فى مجال الكهرباء.
وأشاد "شاكر" بالعلاقات السياسية المتميزة بين مصر والمجر، مرحبًا بالتعاون مع الشركات المجرية، التى وصفها بأنها "شريك موثوق به ولها خبرات كبيرة فى مشروعات الكهرباء".
من جانبه، أشاد سفير المجر بالقاهرة بالعلاقات المتميزة التى تربط بين البلدين، مشددا على ضرورة دعم وتعزيز تلك العلاقات.
كما أشاد بالإصلاحات التى أجرتها الحكومة المصرية فى قطاع الطاقة، والتى فتحت الباب أمام استثمارات القطاع الخاص، وساعدت فى جذب عدد من المستثمرين من مختلف دول العالم.
وأعرب عن رغبة بلاده فى الاستثمار فى مصر وزيادة التعاون بين قطاع الكهرباء والشركات المجرية، مشيدًا بالخبرات والنجاحات التى حققتها العديد من الشركات المصرية العاملة فى مجال الكهرباء.
وفى مطلع الشهر الجارى، اتفقت مصر والمجر على تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتنمية التعاون التجارى والصناعى المشترك، الأمر الذى يسهم فى تحقيق آمال وطموحات حكومتى البلدين فى إحداث طفرة نوعية فى معدلات التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة بين القطاع الخاص بكلٍ من مصر والمجر خلال المرحلة المقبلة.
وجاء ذلك خلال جلسة المباحثات الموسعة التى عقدتها نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، مع وزير الخارجية والتجارة المجرى بيتر سيارتو، حيث استعرض اللقاء سبل تعزيز التعاون الاقتصادى بين البلدين إلى جانب عدد من الملفات الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك.
وأكدت «جامع» حرص القيادة السياسية فى مصر على الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر والمجر لمستويات متميزة تسهم فى فتح آفاق جديدة للصادرات المصرية للنفاذ للسوق المجرية وأسواق دول وسط وشرق أوروبا، بالإضافة إلى نقل الخبرات والتكنولوجيات الصناعية المتطورة لدولة المجر للصناعة الوطنية، إلى جانب توحيد الرؤى بشأن مختلف الملفات الإقليمية والعالمية المتعلقة بالشأن الاقتصادى.
وذكرت أن المباحثات تناولت إمكانية إنشاء منطقة صناعية مجرية فى السوق المصرية، وذلك فى إطار الجهود الحثيثة لحكومتى البلدين لتعزيز التعاون الصناعى المشترك، مشيرةً إلى أن المنطقة ستضم عددا من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتى تتميز بها دولة المجر.
من جانبه، أكد وزير الخارجية والتجارة المجرى حرص بلاده على تعزيز أطر التعاون الاقتصادى والتجارى مع مصر باعتبارها أهم شريك اقتصادى للمجر فى منطقة الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، مشيرًا إلى أن المرحلة الحالية تشهد زخمًا سياسيًا واقتصاديًا غير مسبوق بين القاهرة وبودابست، مدعومًا بجهود مكثفة للقيادة السياسية فى البلدين لنقل العلاقات الثنائية لمستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، خاصة أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تمتد لأكثر من 92 عامًا.
وأشار إلى حرص مجتمع الأعمال المجرى على التواجد بالسوق المصرية باعتبارها أحد أهم الأسواق الجاذبة للاستثمار بالمنطقة، لافتًا إلى أن إحدى شركات إنتاج اللمبات الكهربائية المجرية، تستهدف الاستثمار بالسوق المصرية، حيث سيقوم وفد الشركة بزيارة للقاهرة لبدء التفاوض بشأن إجراءات إنشاء المشروع بالشراكة مع إحدى الشركات المصرية.
وذكر أن بنك الاستيراد والتصدير المجرى خصص 100 مليون يورو لدعم إنشاء مشروعات مصرية مجرية فى كافة المجالات الصناعية بالسوق المصرية، مشددا على التزام الجانب المجرى بتنفيذ التعاقد الخاص بتوريد 1300 عربة سكك حديدية للجانب المصرى، وذلك وفق الجدول الزمنى المتفق عليه بين البلدين.
ولفت إلى أنه يجرى حاليًا الإعداد لانعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة نهاية شهر أكتوبر الجارى، والتى تمثل فرصة متميزة للاتفاق على المزيد من مشروعات التعاون بين مصر والمجر.
نحن إذن أمام مقدمات ستؤدى لتحالف محورى بين مصر وهذا التكتل الأوروبى الكبير بما يبشر بإعادة الحيوية للعلاقات المصرية- الأوروبية بشكل كامل.
تحيا مصر.. وحمى الله الرئيس السيسى.