محمد فودة يكتب: عودة الروح لـ"صناعة السينما"
◄شباك التذاكر ينتعش بإيرادات تصل لـ 200 مليون جنيه فى موسم أفلام عيد الأضحى
◄المستوى السينمائى فى تحسن لكن الأفضل لم يأت بعد حتى الآن
◄تاريخ السينما المصرية يدلل على أن "القوة الناعمة" تمرض ولكنها لن تموت
◄نحن فى حاجة إلى المزيد من الأفلام والعمل بروح الفريق من أجل الحفاظ على ريادتنا فى صناعة السينما
تعد صناعة السينما فى صدارة الأعمدة الرئيسية التى تقوم عليها قوة مصر الناعمة وهو ما يجعل تلك الصناعة تمثل أمرا هاما للغاية بل تعد بمثابة أمن قومى للبلاد، فبعد فترة من التخبط والأزمات التى لاحقتها منذ أحداث 25 يناير، وما ترتب عليها من انتكاسة السينما المصرية لسنوات، بدأ يدب بها الآن شريان الحياة من جديد، وظهر بالفعل شعاع نور لاح فى الأفق بشكل ملحوظ وذلك بعد نجاح الأفلام المعروضة فى دور العرض وتحقيقها دخلا يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أننا نشهد عودة الروح للسينما المصرية، ورغم قلة الإفلام المعروضة فى الموسم، والتى لا تتجاوز 4 أفلام فقط، فإن الأعمال نجحت فى تحقيق أرباح منذ طرحها وحتى الآن بلغت نحو 200 مليون جنيه، تصدرها فيلم "كيرة والجن" والذى شهد إقبالا جماهيريا كبيرا بسبب شعبية النجوم المشاركين فى بطولة الفيلم، وأبرزهم كريم عبدالعزيز، وهند صبرى، للمخرج مروان حامد، وبلغت أرباح الفيلم وحده 100 مليون جنيه، ومازال يحقق أرباحا فى شباك التذاكر إلى الآن، ويعد "كيرة والجن" أول فيلم عربى يعرض فى سينمات i max وهى خطوة جديدة على السينما المصرية، واستغرق تنفيذ الفيلم 4 سنوات بسبب فيروس كورونا، والفيلم مستوحى من رواية "1919"، للمؤلف أحمد مراد الذى كتب السيناريو والحوار، وإخراج مروان حامد، والفيلم يرصد حقبة مهمة فى تاريخ مصر أثناء ثورة 19، حيث يتناول العمل واقع المجتمع المصرى فى فترة الاحتلال الإنجليزى إبان ثورة 1919، ويكشف عن قصص حقيقية لمجموعة من أبطال المقاومة المصرية ضد الاحتلال الإنجليزى وقت ثورة 1919 حتى عام 1924، وذلك من خلال أبطال منسيين خاضوا معارك وتضحيات جريئة من أجل الاستقلال، لتكشف للأجيال الصغيرة مدى حب المصريين لبلدهم وأرضهم، ويجسد النجم كريم عبد العزيز شخصية الطبيب "أحمد عبد الحى"، وهو شخصية حقيقية كان موجودًا أثناء فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر، وكانت شهرته وقتها "أحمد كيرة"، وخلال الأحداث يلتقى "أحمد كيرة مع عبد القادر شحاتة الجن، فيصبحان صديقين مقربين، ويشاركان فى التصدى للاحتلال الإنجليزى ضمن إطار من الإثارة والتشويق. وبعد مشاهدتى لأحداث الفيلم الذى احتل الصدارة فى موسم أفلام عيد الأضحى المبارك، يمكننى القول إن الفيلم يمثل خطوة جديدة فى تاريخ السينما المصرية، وينتمى لنوعية الأعمال الوطنية والمهمة، وهذا النوع فوجئ به الجمهور نظرًا لما يتمتع به من رؤية بصرية جذابة، بما يثبت وبشكل لافت للنظر جودة صناعة السينما فى مصر وقدرتها على مواكبة السينما العالمية وهو ما يجعلنى أكثر تفاؤلاً بأن الساحة الفنية سوف تشهد خلال الفترة المقبلة تقديم أفلام ذات مضمون مختلف ليثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن ريادة مصر فى صناعة السينما قد تمرض ولكنها لن تموت طالما نمتلك مقومات الإبداع من مؤلفين ومخرجين وفنانين وفنيين فى كافة مجالات الإبداع الفنى. وللحق فإن الأفلام الأخرى التى عرضت بدور العرض السينمائية لاقت نجاحا ورواجا وتأييدا من الجمهور وحققت أرباحا عالية أيضا، وهى فيلم "بحبك"، تأليف وإخراج وبطولة تامر حسنى فى أولى تجاربه بالإخراج السينمائى، ويشاركه هنا الزاهد، حمدى الميرغنى، هدى المفتى، أحمد عزمى، مدحت تيخة، شهد الشاطر، عالية راشد وعدد آخر من الفنانين، وحقق الفيلم رد فعل على أرض الواقع وتدور أحداثه فى إطار رومانسى، وتتناول حياة رجل يخوض قصتى حب، ويتخبط فى حياته بين فتاتين، ويظهر اختلاف مدى صدق التعبير عن الحب بين الرجل والمرأة، وأيضا فيلم "عمهم" للنجم محمد إمام، ويشارك معه فى البطولة هدى المفتى، وسيد رجب، وباسم سمرة، وأيتن عامر، ومحمد سلام، ورياض الخولى، وأحمد خالد صالح، ومحمد لطفى، ومحمد ثروت، والشحات مبروك، وتأليف وسام صبرى، وإنتاج أحمد السبكى، وإشراف عام كريم السبكى، وإخراج حسين المنباوى، وتدور أحداث فيلم «عمهم» فى إطار كوميدى حول الملاكم سلطان الذى يجسد دوره محمد إمام والذى يعمل مع صديقه سعيد بمركز رياضى، ولكنهما يتورطان فى قضية تزوير أموال عن طريق مطبعة تقع صدفة فى طريقهما، لتنقلب حياتهما رأسا على عقب، وقد حقق العمل نجاحا فى دور العرض السينمائية بمصر وخارجها. كما عرض مؤخرا فيلم الفنانة دنيا سمير غانم "تسليم أهالى" والذى عادت به إلى السينما بعد غياب، حيث كانت آخر مشاركاتها فى بطولة فيلم "لف ودوران" عام 2016 أمام أحمد حلمى، وكان قد تم تأجيل عرض فيلم "تسليم أهالى" أكثر من مرة بسبب "كورونا"، والظروف التى مرت بها الفنانة دنيا بعد وفاة والديها الفنان سمير غانم، والفنانة دلال عبد العزيز، ويعد الفيلم آخر ظهور على الشاشة لـ دلال عبد العزيز، وتدور أحداثه فى إطار اجتماعى كوميدى حول مطاردة فنانة تدعى "لوسى" لبطلة الفيلم خلال الأحداث، وذلك بسبب حبها الشديد للبطل الذى يضطر إلى الهروب من "لوسى" ليتزوج من حبيبته، ويشارك فى بطولة الفيلم هشام ماجد، دنيا سمير غانم، وبيومى فؤاد، محمد أوتاكا، عبد الله مشرف، بجانب عدد كبير من ضيوف الشرف على رأسهم الراحلة دلال عبد العزيز، وبوسى، والفيلم تأليف شريف نجيب وإخراج خالد الحلفاوى، ويحقق الفيلم مردودا جيدا فى شباك التذاكر. وإحقاقا للحق فإننا نفخر بصناعتنا السينمائية على مدى الزمان، فلقد تجاوزت صناعة السينما المصرية فى تأثيرها حدود الدول من خلال تصدير إنتاجها عبر الدول العربية وإلى البلاد البعيدة مثل فنزويلا وهونج كونج والدنمارك وتركيا وإندونيسيا، كانت رؤوس الأموال جاهزة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة حين بحث المستثمرون عن عائد سريع لأموالهم من خلال التوسع فى الإنتاج، كانت تلك الفترة العصر الذهبى للصناعة حيث أصبح التردد على دور السينما أكثر وسيلة ترفيه شعبية وأصبحت تشكل جزءاً حيوياً فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية، حيث بدأ تاريخ صناعة السينما المصرية فى إنتاج الأفلام بعد أشهر قليلة من عرض فيلم الإخوة لوميير فى أوروبا عام 1896م وتم نقل الفيلم لمصر وتم عرضه بالإسكندرية ، وفى عام 1908م كانت هناك 11 دار سينما، ولأهمية مصر بصناعة السينما افتتح المستثمرون الإيطاليون شركة أفلام STICA فى الإسكندرية عام 1917م جاء الإخوة اللبنانيون من الأرجنتين بكاميراتهم وبدأوا تصوير أفلام على الطراز الغربى فى الصحراء المصرية وكان فيلم ليلى عام 1927م باكورة الإنتاج المصرى على يد الممثلة عزيزة أمير وهو أول فيلم مصرى وأول فيلم يتم إنتاجه من قبل سيدة مصرية وذلك بداية السينما الوطنية فى مصر، وتم تصوير نار القاهرة بالقرب من سينما ريفولى عام 1952م والفيلم الرومانسى ميلودرامى بعام 1954م بعنوان أربع فتيات وضابط وكانت ذروة الإنتاج بالأفلام المصرية بين عام 1927م لعام 1930م حيث تم إنتاج فيلمين كاملين وتم عمل خمسة أفلام عام 1931 وستة أفلام عامى1933م و1934م وفى عام 1935م تم تأسيس استوديو مصر وتبعه ستة استوديوهات أخرى بين عامى 1936م و1948م وكانت مصر أقوى دولة عربية وشرق أوسطية من حيث إنتاج الأفلام، وكان الاعتراف من الدولة المصرية بالسينما كصناعة أمراً واقعاً، حيث تم إنشاء غرفة صناعة السينما عام 1947 وضمها لاتحاد الصناعات المصرية، إلا أن الهيئات الرسمية -خلال النصف الأول من القرن العشرين- لم تُظهر اهتماماً كبيراً بصناعة الفيلم، سواء كقطاع اقتصادى أو منتج ثقافى، كانت الاهتمامات فقط تُركز على الحفاظ على النظام العام والآداب العامة فى المجتمع ثم تطورت صناعة السينما عاماً بعد الآخر، ولكنها مرت بظروف سيئة فى الفترات الأخيرة، ونالها بعض التدهور، ثم بدأت تستعيد عافيتها من جديد.
وعلى الرغم من كل ما سبق فإننى أتمنى عودة السينما المصرية لعصرها الذهبى وسابق عهدها وقت أن كانت رائدة بمعنى الكلمة، وأعتقد أن ذلك لن يحدث إلا بالتعاون المستمر وإنكار الذات، فقد كان الحب فى الماضى هو الرسالة التى تشمل كل ما يقدم، وكان مصدر عطاء ودفعة للتجديد وتقديم كل ما هو أفضل.. كان مفهوم الفن بعيدا عن التجارة وقضية الربح والخسارة.