تتمتع مصر بتراث غنى ومتنوع من الحرف اليدوية ينبثق من تاريخها العريق بحقباته المختلفة وبعمالة ماهرة، خاصة من النساء، واللاتى يعملن بالفعل فى هذا المجال ويقدرن على الأقل بنحو 2 مليون عامل. كما أن هناك بوضوح نجاحات فردية متميزة فى كافة مجالات الصناعات اليدوية. وكل هذا يعنى أن فى مصر ما يسمح بإنتاج منتجات حرفية منفردة ومتميزة تحقق مكانة عالمية تدعم ليس فقط الصادرات المصرية بل تدعم قطاعات أخرى مثل السياحة، فضلاً عن مساهمتها فى خفض مستوى الفقر.
ولكن هذا لا يحدث وبالتالى السؤال المحورى: لماذا لا تتحول هذه النجاحات الفردية إلى نجاح قطاعى ملموس على المستوى الكلى؟
تحتل الحرف اليدوية والصناعات التقليدية مساحة واسعة من التراث المصرى يعتمد فيها الصانع على مهاراته الفردية الذهنية واليدوية ، باستخدام الخامات الأولية المتوفرة فى البيئة الطبيعية المحلية أو الخامات الأولية المستوردة . وتنعكس أهمية الحرف والصناعات اليدوية فى أنها تدل على جوانب الهوية الوطنية للدولة المنتجة الحرف والصناعات اليدوية، ويمكن أن تحقق مصر مكاسب مادية رائعة من اهتمامها وتدعيمها الحرف اليدوية ، حيث إن حجم التجارة العالمية للحرف اليدوية والتقليدية يفوق 100 مليار دولار. وقد أدركت كثير من البلاد أهمية استثمار تراثها الحرفى ، فعملت على إقامة آلاف الورش والمصانع وبالتالى خلق مئات الألوف وربما الملايين من فرص العمل لشبابها، وفتح أسواق لتصريف منتجاتها فى كل مكان ، ما جعلها تتحول من دول فقيرة، أو دول مستهلكة لما ينتجه غيرها.. من أزياء وأثاث ومفروشات وأدوات منزلية وكافة احتياجات الحياة اليومية ، إلى دول غنية من عائد تصدير منتجاتها الغزيرة من الحرف اليدوية لمختلف أنحاء العالم، إضافة إلى تعميقها للبعد الثقافى كدول ذات إرث حضارى يجعلها تقف باعتداد أمام الدول المتقدمة فى عصر العولمة، بلا ميزة تنافسية غير إبداعها الشعبى . كانت الحرف التقليدية بمثابة الصناعة الوطنية الثقيلة فى مصر، حيث كانت تشكل القوة الإنتاجية الثانية بعد الزراعة، وكان إنتاجها يلبى احتياجات أهل البلاد من الملبس والمعمار وما يضعه من فنون الزخارف الحجرية والخشبية والخزفية والزجاجية، ومن أعمال التطعيم بالعظام والمشغولات النحاسية والفضية والمنسوجات الحريرية والصوفية وأشغال التطريز والخيامية ، وعشرات الحرف الأخرى، هذا إلى جانب المنتجات التى يتم تصديرها إلى البلدان الأخرى من كافة الحرف المتوارثة، وكان لتلك القاعدة الصناعية أحياء بكاملها يعيش فيها الحرفيون تحت نظام دقيق هو نظام الطوائف الحرفية، له قواعده وأصوله وأربابه وشيوخه ،غير أن متغيرات الحياة وعوامل التقدم المادى أدت إلى ضعف أغلب الحرف اليدوية التقليدية فى المدينة والقرية ، وإلى تعرض بعضها للاندثار، ، فلم تعد الأوانى الفخارية والنحاسية والفضية المزينة بأدق الوحدات الزخرفية هى ما يحتاجه الإنسان فى عصر الثلاجة والبلاستيك والألومنيوم و"الاستانلس" ولم تعد السجادة الصوفية التى تنسج على مدى أسابيع متصلة فوق النول اليدوى تناسب عصر النسيج الميكانيكى السريع والمبهر بتقنياته وتصميماته.
وقد انتقل الإنسان من مرحلة التصنيع اليدوى إلى التصنيع الآلى تبعاً للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى اجتاحت العالم ، وأدت إلى تغيرات عميقة فى سلوكيات وحاجيات الأفراد وأنماط الاستهلاك ، ويعزى ذلك إلى أسباب منها القدرات الإنتاجية العالية للآلات أو إدخال التقنيات الحديثة ، إضافة إلى اكتشاف مواد خام جديدة بديلة واستخدامها كبديل للخامات المحلية ، فضلاً عن زيادة تفضيل بعض المستهلكين للسلع أو المنتجات المصنعة آلياً، خاصةً إذا صاحب ذلك انخفاض فى سعرها وملاءمتها لخدمة احتياجاته بصورة أفضل.
وقد تباينت وجهات النظر حول التعامل مع الصناعات اليدوية، فهناك فئة تنظر إليها من منظور التراث وضرورة الإبقاء عليه دون تجديد أو تعديل . وهناك فئة ثانية ترى أن الأكثر صواباً هو إدماج هذه الحرف فى عجلة الصناعة الحديثة وإهمال ما لا يقبل الإدماج إلى أن يندثر تلقائياً، أما الفئة الثالثة فترى أن الصناعات اليدوية يجب التعامل معها كتراث وطنى تلزم المحافظة عليه ، وكصناعة توفر فرصاً للعمل سواء فى الإنتاج أو التسويق الذى يجب أن يتلاءم مع رغبات المستهلكين بصفة عامة، ومع رغبات بعض الفئات الأخرى ذات الاهتمام باقتناء المنتجات اليدوية بصفة خاصة كالسائحين وغيرهم .
إن الحفاظ على الحرف اليدوية يحتاج الى اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها ضرورة تكثيف الحملات الإعلامية التى توضح أهمية هذه الحرف ويمكن استغلالها بشكل أمثل محليا أما بالنسبة للمجتمع الخارجى فتنشيط هذه الحرفة يكون عن طريق الوسائل الحديثة، وهى الإنترنت وإنشاء مواقع إلكترونية تدعم الحرفة عالميا، كما يجب إنشاء مؤسسة وطنية كبرى ترعى هذا النشاط وتستقطب إليه المستثمرين ليقيموا عشرات المراكز الحرفية للتدريب والإنتاج والتسويق داخل مصر وخارجهاـ ويجب على رجال الأعمال رعاية مراكز وجمعيات ومشروعات لتنمية الحرف التقليدية والتى يمكن أن تعود عليهم بعائد اقتصادى كبير مثلما حدث لكثير من دول العالم ومنها تلك التى تغزونا بمنتجاتها اليوم.
كذلك من التنسيق مع البنوك والمؤسسات المالية المتخصصة والداعمة فى مجال الإقراض لتمويل الصناعات الحرفية بشروط ميسرة وأن يتضمن التمويل حوافز مشجعة تجعل الحرفى يقبل على استخدامه والاستفادة منه، ويمكن تقديمه بصيغ مختلفة حسب ظروف كل حالة والاهتمام بأنشطة تسويق منتجات الصناعات الحرفية داخلياً وخارجياً على أن تشمل هذه الأنشطة داخل البلاد كلا من مراكز الحرفيين، الأسواق السياحية، الفنادق، المتاحف، المطارات والموانئ، الحدائق العامة، المعارض والمهرجانات.. أما التسويق الخارجى فيتمثل فى المشاركات الخارجية فى المعارض والمؤتمرات والأسواق الدولية وغيرها والاهتمام بتفعيل التعاون المشترك مع الجهات ذات العلاقة بالصناعات الحرفية فى الدول على المستوى الإقليمى والدولى والاستفادة من تجارب هذه الدول وذلك بالتنسيق مع الجهات المهتمة بالصناعات الحرفية فى تلك الدول.