محمود الشويخ يكتب:« وطن القوة والحكمة ».. ماذا فعلت القاهرة لفضح الشائعات الصهيونية؟.. وسر الأمر الذى حمله وزير الخارجية الأمريكى فى لقاء قمة الاتحادية
- لماذا حاولت إسرائيل توريط مصر أمام محكمة العدل الدولية؟.. وأسرار الرد المصرى العنيف
- كيف يقود نتنياهو وجالانت مصر بـ"سلاح الأكاذيب"؟وتفاصيل ما يجرى على أرض غزة بعد 100 يوم حرب
يتقن الإسرائيليون الكذب جيدا.. هذه طريقتهم وأسلوبهم.. من قديم الأزل وفى العصر الحديث.. وكلما زاد الضغط عليهم، بفعل جرائمهم الإرهابية فى قطاع غزة، زادت أكاذيبهم محاولين خداع العالم.. وكانت آخر مشاهد الكذب ما جرى فى محكمة العدل الدولية فى لاهاى خلال نظر الدعوى التى أقامتها جنوب إفريقيا وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين فى قطاع غزة.
فقد أقحم الفريق القانونى الإسرائيلى اسم مصر، فى محاولة لإنكار الاتهامات الموجهة إلى تل أبيب فى الدعوى، وهى ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين فى قطاع غزة، ومنع دخول المزيد من المساعدات الإنسانية والإغاثية إليهم، وتنفيذ سياسة العقاب الجماعى لأكثر من 3 ملايين فلسطينى، عبر اغتيال كل سبل الحياة الممكنة لهم.
وروج الفريق الإسرائيلى أكاذيب عديدة فى دفاعه أمام المحكمة، من بينها أن «القاهرة هى المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، من الجانب المصرى لمعبر رفح»، وأيضاً أن «العبور من الأراضى المصرية إلى داخل قطاع غزة يخضع فقط إلى السلطة المصرية»، فضلاً عن «وجود غرفة عمليات مشتركة بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة لحل المشكلات واتخاذ القرارات بشأن معبر رفح».
لكن الرد المصرى كان قويا وشديدا.
فهذا رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، ينفى بصورة قاطعة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلى أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هى المسئولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة، من الجانب المصرى لمعبر رفح.
فلا شك أن تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح فى أن كل المسئولين الإسرائيليين، وفى مقدمتهم رئيس الوزراء، ووزيرا الدفاع والطاقة، أكدوا عشرات المرات فى تصريحات علنية، منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة وخاصة الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التى تشنها إسرائيل على القطاع.
وبعد كل هذه التصريحات، التى لم تكن تعتبر هذا المنع والحصار جرائم حرب وإبادة جماعية بموجب القانون الدولى، وعندما وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بهذه الجرائم، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر، فى محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة.
ومن المعروف أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصرى من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه فى غزة لسلطة الاحتلال الفعلية، وهو ما تجلى فعلياً فى آلية دخول المساعدات من الجانب المصرى إلى معبر «كرم أبو سالم»، الذى يربط القطاع بالأراضى الإسرائيلية، حيث يتم تفتيشها من جانب الجيش الإسرائيلى، قبل السماح لها بدخول أراضى قطاع غزة.
ثم إن مصر أعلنت عشرات المرات فى تصريحات رسمية، بدءاً من رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية وكل الجهات المعنية، أن معبر رفح من الجانب المصرى مفتوح بلا انقطاع، مع مطالبة الجانب الإسرائيلى بعدم منع تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتوقف عن تعمد تعطيل أو تأخير دخول المساعدات بحجة تفتيشها.
كما أن العديد من كبار مسئولى العالم، وفى مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، زاروا معبر رفح من الجانب المصرى، ولم يتمكن واحد منهم من عبوره إلى غزة، نظراً لمنع الجيش الإسرائيلى لهم، أو تخوفهم على حياتهم بسبب القصف الإسرائيلى المستمر على القطاع.
ولا أكشف سرا حين أقول إن المفاوضات التى جرت حول الهدنة الإنسانية التى استمرت لأسبوع فى قطاع غزة، وكانت مصر مع قطر والولايات المتحدة أطرافا فيها، شهدت تعنتاً شديداً من الجانب الإسرائيلى فى تحديد حجم المساعدات التى ستسمح قوات الاحتلال بدخولها إلى القطاع، باعتبارها المسيطرة عليه عسكرياً، وهو ما أسفر فى النهاية عن دخول الكميات التى أعلن عنها فى حينها.
وفى ظل التعمد الإسرائيلى المستمر لتعطيل دخول المساعدات فى معبر كرم أبو سالم، لجأت مصر إلى تكليف الشاحنات المصرية بسائقيها المصريين بالدخول، بعد التفتيش، مباشرة إلى أراضى القطاع، لتوزيع المساعدات على سكانه، بدلا من نقلها إلى شاحنات فلسطينية للقيام بهذا.
وما يؤكد سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلى على دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتعطيله المتعمد لها، ما طالبها به الرئيس الأمريكى، جو بايدن، بفتح معبر كرم أبوسالم لتسهيل دخول هذه المساعدات، وفقاً لما أعلن عنه مستشاره للأمن القومى، جيك سوليفان، يوم 13 ديسمبر الماضى، باعتباره بشرى سارة.
وبوضوح أقول:
إذا ما كانت السلطات الإسرائيلية ترغب حقيقة فى دخول المواد الغذائية والطبية والوقود إلى قطاع غزة، فإن لها مع القطاع 6 معابر من أراضيها، عليها بفتحها فورا للتجارة، وليس لدخول المساعدات، خاصة أن هذه التجارة كانت قد بلغت مع قطاع غزة، فى عام 2022، أكثر من 4.7 مليار دولار لصالح القطاع التجارى والصناعى الإسرائيلى.
أضف إلى ذلك أنه منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، أعلنت مصر أن قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية، سواء التى جهزتها القاهرة أو أرسلتها مختلف الدول والمنظمات الدولية، جاهزة للدخول إلى الفلسطينيين داخل القطاع المحاصر.
لكن وكعادتها دائماً، عرقلت إسرائيل هذه الخطوة، مشددة على أنها غير مسئولة عن سلامة دخول المساعدات إلى غزة، فى ظل الغارات والضربات التى تشنها على كامل أنحاء القطاع.
ولم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل أقدمت على استهداف بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطينى، إلى جانب الطريق المحيط به، وكان ذلك 4 مرات بشكل مباشر، ما أوقف أى محاولات فعلية لإدخال المساعدات إلى الفلسطينيين.
ومارست مصر ضغوطًا قوية على إسرائيل، عبر حليفتها الولايات المتحدة، لوقف استهداف معبر رفح من الجانب الفلسطينى، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية فوراً، وهو ما نجحت فيه بالفعل، من خلال إدخال فريق مصرى لإصلاح الأضرار التى لحقت بالمعبر من الجانب الفلسطينى والطرق المحيطة به، قبل أن يلجأ الاحتلال لخطوات استفزازية أخرى، مثل قصف محيط الطرق بعد إصلاحها، حتى إن الشظايا أصابت عمالاً مصريين.
وعلى مدار أيام الحرب استمرت إسرائيل فى سياسة عرقلة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، فى ظل أنها القوة القائمة بالاحتلال ومسئولة عما يحدث داخل القطاع، فطالبت بتفتيش قوافل المساعدات التى تدخل عبر رفح، وذلك بأن تذهب أولا إلى معبر «العوجة – نتسانا»، الذى يبعد عن معبر رفح 50 كم، ثم تعود مرة أخرى إلى المعبر، بعد انتهاء التفتيش، والذى يتعمد الاحتلال تأخيره.
ومما يكذب الرواية الإسرائيلية الأخيرة فى محكمة العدل الدولية أيضاً، تلك الزيارات التى أجرتها وفود أممية ودولية، ورؤساء وقادة دول غربية إلى معبر رفح من الجانب المصرى، حيث وجدوه يعمل بكامل طاقته، وتنتظر أمامه المئات من الشاحنات التى تنتظر الدخول إلى غزة، ولم يعطلها سوى التعنت الإسرائيلى، والتنبيه إلى أنها «لا تضمن سلامة القائمين على إدخال وتوزيع هذه المساعدات»، فضلاً عن منع هذه الوفود نفسها من دخول غزة، سواء عن طريق معبر رفح أو المعابر الإسرائيلية.
وكما قال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، فى بيانه للرد على المزاعم الإسرائيلية، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، هى أقوى إثبات على زيف هذه المزاعم، بعدما قالوا فيها، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب، إنهم "لن يسمحوا بدخول أية مساعدات إلى غزة، وتحديدًا شاحنات الوقود".
كما أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أكبر حليف لإسرائيل، يكذب ما قاله فريقها القانونى من مزاعم عن مصر فى محكمة العدل، بعدما أعلن فى وقت سابق توصله إلى اتفاق، بعد ضغوط، بموجبه تسمح إسرائيل بإدخال الشاحنات إلى غزة، بعد تفتيشها فى معبر "العوجة".
وفى ظل أن خطوة مثل هذه تحتاج إلى قطع الشاحنات المحملة بالمساعدات 100 كم «ذهابًا وإيابًا» للدخول إلى غزة، ضغطت مصر لفتح معبر «كرم أبو سالم»، الذى يخضع لسيطرة إسرائيل، وهو ما نجحت فيه الجهود المصرية بالفعل، بالتعاون مع الولايات المتحدة، واعتبرته واشنطن حينها «بشرى سارة".
ومن بين الأكاذيب الأخرى التى روج لها الفريق القانونى الإسرائيلى، أن مصر حصلت على موافقة إسرائيل قبل تشغيل خط المياه من مصر إلى غزة، قبل أسابيع، وذلك للإيحاء بأن القاهرة من أسباب المعاناة التى يعيشها الفلسطينيون، بينما تغافل متعمداً قول الحقيقة، وهى أن التنسيق بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة كان بهدف منع استهداف خط المياه، لضمان وصول أكبر كميات ممكنة إلى الفلسطينيين.
وزعم أحد أعضاء الفريق الإسرائيلى كذلك أن «مصر هى المسؤولة عن منع دخول لجان وهيئات تقصى الحقائق إلى قطاع غزة»، من أجل الوقوف على حقيقة الوضع فى القطاع، قائلاً: "الوصول إلى غزة من مصر يخضع لسيطرة مصر.. كما لا يوجد أى التزام على إسرائيل، بموجب القانون الدولى، للسماح بالوصول إلى غزة من أراضيها".
وتجاهل المحامى الإسرائيلى فى ذلك أن سلطات الاحتلال هى المتحكمة والمسئولة عن سلامة وأمن وعبور الوفود إلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح، وذلك من خلال «وحدة» مسؤولة عن التنسيق بين الحكومة والجيش فى إسرائيل، والمنظمات الدولية والحقوقية، وكذلك السلطة الفلسطينية.
وتتحكم هذه الوحدة فى دخول المساعدات أو الأفراد من الجانب الفلسطينى لمعبر رفح، وهو ما يظهر فى إعلاناتها اليومية عبر صفحاتها الرسمية، بأنها تفحص القوائم التى ستدخل أو تغادر من غزة، إلى جانب تفتيش المساعدات.
هذا يعنى أن دخول لجان أو هيئات لتقصى الحقائق إلى غزة عبر معبر رفح، ليس مسئولية مصر وحدها، التى لم ولن تعرقل دخول مثل هذه اللجان، لكن الأمر يلزمه تنسيق وضمان واضح لسلامة هؤلاء، من جانب إسرائيل.
لن تنطلى أكاذيبكم على الأحرار.
ودائما وأبدا.. تحيا مصر.