خالد الطوخى يكتب: مصر تقهر الأزمات وتعبر لبر الأمان
- "أم الدنيا" تتجاهل تقرير "فيتش" عن مخاطر التصعيد الإقليمى على السياحة وقناة السويس وتستكمل مسيرة التنمية
- خطوات الإصلاح الاقتصادى تُنقذ أرض الكنانة من اضطرابات الشرق الأوسط
- صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد مصر لـ5.6% فى 2028-2029
- مشاريع تنموية ضخمة تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز القطاع السياحى وزيادة الإيرادات من قناة السويس
- تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية
- تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية.. وتقديم حوافز كبرى للمستثمرين
فى ظل التحديات الجيو سياسية المعقدة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتى تتراوح بين التوترات فى غزة، والتصعيد الإيرانى الإسرائيلى، إلى جانب الأزمات فى السودان وليبيا وتأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية، تبرز مصر كنموذج للثبات والتطور فى وجه العواصف. تتجاهل مصر، أم الدنيا، التقارير السلبية وتستمر فى مسيرتها نحو التنمية والنمو، متحدية بذلك كل التحديات الراهنة والمستقبلية.
ففى الآونة الأخيرة، أصدرت وكالة فيتش تقريرًا يحذر من المخاطر المحتملة التى قد تواجه الاقتصاد المصرى نتيجة التوترات الإقليمية وتأثيرها على قطاعات حيوية مثل السياحة ومرور السفن عبر قناة السويس. هذا التقرير، الذى يمكن أن يثير قلق المستثمرين والشركاء الاقتصاديين، قوبل بنوع من التجاهل الإستراتيجى من قبل الحكومة المصرية، التى اختارت التركيز بدلاً من ذلك على مواصلة مشاريعها التنموية وتعزيز الاستقرار الاقتصادى.
ومصر، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لم تستسلم للتنبؤات المتشائمة، بل عززت من جهودها فى تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتعزيز القطاع السياحى، وزيادة الإيرادات من قناة السويس. على سبيل المثال، تم الإعلان عن مبادرات لتطوير المناطق السياحية وتحديث الموانئ، مما يساهم فى جذب المزيد من السياح والتجارة الدولية على الرغم من الأزمات الإقليمية.
كما تشمل الإستراتيجية الاقتصادية لمصر تعزيز الشراكات الدولية، خاصة مع الدول الخليجية مثل الإمارات والسعودية، التى أظهرت استعدادها لدعم مصر اقتصادياً فى مواجهة التحديات. هذه الشراكات ليست فقط دعمًا ماليًا بل هى أيضًا فرصة لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون الاقتصادى والتكنولوجى، مما يرفع من قدرات مصر التنافسية على المستوى الدولى.
كما تعمل الحكومة أيضًا على تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. تم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التى تضمنت تحرير سعر الصرف، وتقديم حوافز للمستثمرين، وتحسين الخدمات الحكومية من خلال التحول الرقمى. كل هذه الإجراءات جعلت من مصر بيئة أكثر جاذبية للاستثمار.
لذا فإننى أرى أن تجاهل تقرير فيتش لا يعتبر إنكارًا للتحديات، وإنما هو اختيار إستراتيجى للتركيز على الفرص وتعزيز الجهود التنموية التى تهدف إلى تحقيق نمو مستدام وتحسين جودة الحياة للمواطنين المصريين. مع هذا النهج، تأمل مصر تجاوز التحديات الراهنة وتحقيق مستقبل اقتصادى أكثر إشراقًا.
واللافت للنظر أنه فى ظل مسعى مصر نحو التحول الاقتصادى، تعكف الحكومة على تنفيذ سلسلة من خطوات الإصلاح الاقتصادى المتقدمة التى تهدف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطنى وتعزيز النمو المستدام. يتمثل أحد أبرز هذه الخطوات فى تحرير سعر الصرف، الأمر الذى سمح بتعويم الجنيه المصرى ليصبح سعره محكومًا بآليات العرض والطلب، مما أدى إلى تحسين القدرة التنافسية للصادرات المصرية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
بالإضافة إلى ذلك، تم تخفيض الدعم على الوقود والسلع الأساسية تدريجيًا، مما ساعد فى إعادة توجيه النفقات الحكومية نحو الاستثمار فى البنية التحتية والخدمات العامة مثل التعليم والصحة. هذه الإصلاحات ساهمت فى تقليل العجز فى الموازنة العامة وتعزيز الثقة فى الاقتصاد المصرى.
كما قامت الحكومة بإطلاق برامج للحماية الاجتماعية بهدف التخفيف من الأثر الاقتصادى لهذه الإصلاحات على الفئات الأكثر تأثرًا. تشمل هذه البرامج توفير دعم نقدى مباشر للأسر الأكثر احتياجًا وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعى.
فى ظل هذه الإصلاحات، قامت الحكومة أيضًا بتحديث التشريعات لتحسين مناخ الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة. تم تبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين البيئة التنظيمية للأعمال، مما سهل على الشركات البدء والتوسع فى نشاطاتها داخل السوق المصرية.
هذه الخطوات المتكاملة تعمل جنبًا إلى جنب لتحقيق هدف الحكومة فى تعزيز الاقتصاد وتحقيق النمو المستدام، مع الاهتمام بتحسين مستوى معيشة المواطنين ورفع كفاءة الخدمات المقدمة لهم.
وفى نفس السياق وفى إطار سعى مصر لتحقيق استقرار اقتصادى ونمو مستدام، لعب الدعم الدولى دوراً حيوياً فى تعزيز جهود الإصلاح الاقتصادى التى تبنتها الحكومة. من خلال التعاون مع مؤسسات دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومختلف الهيئات الأوروبية والأمريكية، تمكنت مصر من الحصول على الدعم المالى والفنى اللازم لتنفيذ برامجها الإصلاحية. هذا الدعم شمل توفير قروض ومنح مالية ساعدت فى تخفيف الضغط على الموازنة العامة وتمكين الحكومة من الاستثمار فى مشاريع البنية التحتية الضخمة التى تعد ركيزة أساسية للنمو الاقتصادى.
بالإضافة إلى المساعدات المالية، قدمت هذه المؤسسات الدولية استشارات فنية فى مجالات متعددة منها إدارة المالية العامة وتطوير السياسات الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال مما ساهم فى رفع كفاءة الإدارة الاقتصادية وتعزيز الشفافية والحوكمة.
كما أدى هذا الدعم إلى تعزيز الثقة بين مصر والمجتمع الدولى مما ساعد على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. الشركات العالمية باتت ترى فى مصر سوقاً واعدة بفضل الإصلاحات الجارية والدعم الدولى الذى أكسب الاقتصاد المصرى قدراً أكبر من الاستقرار والمرونة.
ونظراً لأن مصر تواجه تحديات إقليمية جمة فإن ذلك يستدعى استجابات محسوبة وفعالة لضمان استقرارها وأمنها القومى فى ظل التوترات الجيوسياسية والصراعات فى منطقة الشرق الأوسط. يتمثل أحد هذه التحديات فى النزاعات المسلحة المستمرة فى الدول المجاورة مثل ليبيا والسودان التى تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومى المصرى وتعقد من مسألة الهجرة غير الشرعية والأمن الحدودى. لمواجهة هذه التحديات، تبنت مصر سياسة خارجية تفاعلية تسعى إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتعاون الإقليمى من خلال المشاركة النشطة فى المفاوضات والمبادرات الدولية لحل النزاعات بطرق سلمية.
وبعيدا عن ذلك فإن مصر بحكم موقعها الجغرافى تقع فى منطقة تعانى من شح الموارد المائية، وبالتالى فإن قضية تقاسم مياه نهر النيل تظل من أبرز التحديات الإقليمية خاصة مع الدول المتشاطئة مثل إثيوبيا والسودان. استجابة لذلك، تعمل مصر على تعزيز التعاون والحوار مع هذه الدول لضمان توزيع عادل ومستدام لمياه النهر من خلال مشاركتها فى محادثات متعددة الأطراف وتقديم مقترحات تعاونية تضمن مصالح جميع الأطراف.
من ناحية أخرى، تواصل مصر تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية لمواجهة التحديات الإقليمية، بما فى ذلك مكافحة الإرهاب وتأمين حدودها. تشارك القوات المسلحة المصرية فى تدريبات مشتركة مع دول أخرى وتعزز من أنظمتها الدفاعية لتكون قادرة على الرد على أى تهديدات محتملة.
هكذا تسعى مصر من خلال سياساتها الداخلية والخارجية إلى مواجهة التحديات الإقليمية بطرق تحفظ أمنها وتعزز من استقرارها فى منطقة تموج بالتحديات السياسية والأمنية..
مع استمرار الدعم الدولى والإصلاحات الداخلية، تبدو مصر مستعدة لتحقيق قفزات اقتصادية واجتماعية كبيرة فى السنوات القادمة. النمو المتوقع بنسبة 5.6% فى العام المالى 2028-2029 يمثل هدفاً طموحاً، ولكنه فى متناول اليد بفضل الخطوات الاستباقية التى تتخذها الحكومة. هذه النسبة ليست مجرد رقم، بل هى تعبير عن تحسن معيشة المواطنين وتعزيز لمكانة مصر الاقتصادية على الساحة العالمية.
وختاماً فإنه يمكننى القول إن الطريق ليس سهلاً، والتحديات كبيرة، لكن الخطوات التى تتخذها مصر اليوم تعكس رؤية واضحة لمستقبل مشرق. إن مصر لا تقهر الأزمات فحسب، بل تتطلع إلى القيادة والتميز فى منطقة تشهد تغيرات مستمرة. الإصرار على التقدم والنمو، رغم كل العوائق، يجعل من مصر مثالاً يُحتذى به فى العزيمة والإصلاح.
فى ظل هذه الظروف، تظل مصر، بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، نقطة مضيئة فى الشرق الأوسط. ومع كل خطوة نحو الأمان والازدهار، تثبت مصر أنها ليست فقط أم الدنيا بل كل الدنيا.