الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

د. سمير فرج يكتب : رؤية مستقبلية حول الإستراتيجية المصرية

لواء أ.ح د. سمير
لواء أ.ح د. سمير فرج - صورة أرشفية

- مصر على رأس مجموعة التفاوض بين حماس وإسرائيل والمعبر الوحيد لمرور قوافل الإغاثة إلى غزة

- الموقف المصرى واضح منذ اللحظة الأولى بإعلانها رفض أى  عمليات نقل أو ترحيل لأهالى غزة إلى سيناء

- القاهرة طلبت حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين وهو الأمر الذى أيدته الولايات المتحدة

- زيارة رئيس المخابرات الأمريكية CIA  بهدف وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء الفلسطينيين

يعتبر قيام كل دولة بتحديد إستراتيجياتها كل عام أمرا هاما للغاية بما يتوافق مع المتغيرات  الواقعة فى دوائر أمنها القومى ، فبشكل عام تعتمد  الدول على وضع رؤى إستراتيجية عامة طويلة المدى تمتد لخمس سنوات قادمة.

إلا أنه لابد من إجراء تعديلات على الإستراتيجية بشكل سنوى وفقا لطبيعة المتغيرات العالمية على المستوى السياسى والعسكرى والاقتصادى التى تفرض نفسها على الساحة ويكون لها تأثيراتها المباشرة أو غير المباشرة على الدولة .

وبالنسبة لمصر فإنها تتبنى إستراتيجيات عامة محددة فى تعاملاتها  مع الدول والتكتلات العالمية، بما يتسق مع سيادتها، وبما يتناسب مع أمنها القومى الذى هو مفتاح وجهتها، وبوصلتها عند اتخاذ القرارات الإستراتيجية، وتحديد سياساتها المستقبلية.

وتعد المرجعية التى تتحرك من خلالها مصر فى تحديد ورسم  إستراتيجيتها هى دوائر الأمن القومى التى تتمثل فى ثلاث دوائر هى الدوائر البعيدة، والدوائر القريبة، اللتان تتقاطعان فيما بينهما فيما يعرف باسم الدوائر الخطرة، ذات الطبيعة المتغيرة، وفقاً لتغير الأحداث العالمية.

وفى حديثنا اليوم سنتناول الإستراتيجية التى تتبناها مصر نحو دول القوى العظمى، التى تؤثر على أمنها القومى من منظور بعيد، وتعد فى ذات الوقت امتدادا له.

 تشمل تلك الإستراتيجية الدوائر البعيدة للأمن القومى المصرى، وهى الدائرة الأمريكية، والدائرة الأوروبية (عدا روسيا)، والدائرة الروسية، ثم الدائرة الآسيوية، وأخيراً دائرة جنوب غرب آسيا. وقد تحدد ترتيب تلك الدوائر وفقاً لأهميتها بالنسبة لمصر، سوف نتناول كل منها بشيء من التفصيل.

تعد الولايات المتحدة الأمريكية أهم دولة فى دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة، نظراً لعدة عوامل منها اعتماد مصر، إلى حد كبير، على التسليح الأمريكى، من خلال المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، المقررة باتفاقية السلام بكامب ديفيد.

إضافة إلى القوة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، ودعمها الحالى لمصر، بعد وصول الرئيس جو بايدن للسلطة، وحرصه على إعادة التوازن فى العلاقات السياسية والعسكرية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، بعد سنوات من حدوث خلل فى ميزان تلك العلاقة الإستراتيجية القائمة تاريخياً، وذلك بسبب سياسات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والتى أظهر فيها الكثير من التعنت تجاه مصر الذى تمثل فى  وقف المعونة العسكرية لمصر وإيقاف التدريبات العسكرية المشتركة مع أمريكا النجم الساطع ثلاث سنوات.

ومن ناحية أخرى، بعد وصول الرئيس جو بايدن الى السلطة أصبحت مصر بالنسبة للولايات المتحدة أحد أهم دول الارتكاز فى المنطقة، خاصة بعد  نجاح مصر فى تحقيق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل فى حرب غزة الرابعة والخامسة، ثم جهودها حاليا فى حرب غزة التى بدأت يوم ٧ أكتوبر ۲۰۲۳م، ودورها فى عمليات التهدئة وتبادل الأسرى والرهائن الإسرائيليين والفلسطينيين.

فقد فرض المشهد فى المنطقة ما بعد حرب السابع من أكتوبر ظهور دور جديد لمصر ،جعلها على رأس مجموعة التفاوض بين حماس وإسرائيل ، بالإضافة لكونها المعبر الوحيد لمرور قوافل الإغاثة إلى غزة سواء برا أو جوا ، وقد كان الموقف المصرى واضحا منذ اللحظة الأولى بإعلانها رفض أى العمليات نقل أو ترحيل لأهالى غزة إلى سيناء ،مع التأكيد على مسألة حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين ،وهو الأمر الذى أيدته الولايات المتحدة وظهر ذلك واضحا  من خلال الزيارات المتعددة لوزير الخارجية الأمريكى إلى مصر وكذلك زيارة رئيس المخابرات الأمريكية CIA ، كلها بهدف وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء الفلسطينيين.

وبعد أن أصبحت الآن  الولايات المتحدة الأمريكية على وعى تام بأهمية الدور المصرى فى ملف الشرق الأوسط وأنها المحرك الرئيسى فى المنطقة خلال السنوات القادمة ،الأمر الذى سيكون له تأثيراته فى الإستراتيجية المستقبلية التى ستتبناها الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة نحو الشرق الأوسط ، ونفس الشىء بالنسبة للإستراتيجية المصرية نحو الولايات المتحدة خاصة أن مصر فى حاجة إلى الدعم الأمريكى سواء على المستوى السياسى أو العسكرى خاصة فى المحافل الدولية .

أما من حيث الإستراتيجية المصرية نحو الدول الأوروبية، التى تحتل المرتبة الثانية فى ترتيب دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة، فتكتسب أهميتها من الناحية السياسية، لما يتمتع به الاتحاد الأوروبى من ثقل سياسى، تحتاجه مصر فى مواقفها الدولية، فضلاً عن اعتبارات الجوار بين مصر وعدد من دول الاتحاد الأوروبى على شواطئ البحر المتوسط، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، وكل هذه الدول تشارك مصر فى أمنها القومى من ناحية البحر المتوسط، وتشارك فى تأمين أى أحداث فى شمال إفريقيا، وخاصة الوضع فى ليبيا الذى يمثل حساسية خاصة، وامتداداً طبيعياً بالنسبة للأمن القومى المصرى، يضاف إلى ذلك الأهمية العسكرية لتلك الدول، إذ أصبحت دول الاتحاد الأوروبى تشارك مصر فى سياستها الجديدة فى تنويع مصادر السلاح، خاصة من السوق الفرنسى، والسوق الألمانى، والإيطالى .

حيث يذكر لمصر شراء عدد أربع غواصات، من أحدث الأنواع من ألمانيا.

كذلك شراء أربع فرقاطات ألمانية ثلاث منها يتم تصنيعها فى ألمانيا. والرابعة سيتم تصنيعها فى الترسانة البحرية فى الإسكندرية، وقد عزز ذلك  التعاون من عمق العلاقات المصرية- الألمانية .

وبالنسبة للعلاقات المصرية- الفرنسية فقد كان شراء مصر لحاملات المروحيات المسترال والفرقاطات البحرية دليلا على توافق العلاقات المصرية- الفرنسية ، الأمر ذاته مع إيطاليا بعد شراء الفرقاطات الإيطالية ،وتجيء التدريبات المشتركة مع هذه الدول الثلاث فى البحر المتوسط كتوثيق أكثر عمقا للعلاقات العسكرية، بالإضافة إلى  الهدف الخاص بتأمين الغاز المصرى فى شرق المتوسط.

كذلك تأتى العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى كمحور ثالث لأهمية تلك الدائرة الأوروبية للأمن القومى المصرى، من خلال سعى مصر  لزيادة معدلات التبادل التجارى بينها وبين دول الاتحاد الأوروبى، وزيادة تبادل الخبرات ممثلة فى اتفاقات التصنيع المشترك ودعم هذه الدول لمصر فى الاتفاقيات الاقتصادية مع البنك الدولى خاصة فى هذه الفترة.

فيما يخص الإستراتيجية المصرية نحو روسيا، التى تعد ثالث دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة، بديلاً للاتحاد السوفيتى، الذى اعتاد أن يحتل المركز الثانى، فى ترتيب الدوائر، فيما مضى من حيث الأهمية؛ فبالرغم من تراجع ترتيب الدائرة الروسية، فإن مصر أفردت لها محاور خاصة فى إستراتيجية التعامل معها، بعيدة عن تلك التى حددتها سواء لأوروبا أو آسيا، وذلك لأن روسيا لا تزال أحد أهم الدول التى تربطها بمصر علاقات قوية ومتينة على كافة  الأصعدة، سواء الاقتصادية، أو السياسية أو العسكرية.

فمن الناحية الاقتصادية، حيث كانت السياحة الوافدة من روسيا لها، النسبة الأكبر من دخل قطاع السياحة فى مصر، وتغطى النسبة الأكبر من احتياجاته، فكان توقفها فى أعقاب الحرب الروسية- الأوكرانية ضربة قاصمة لقطاع السياحة بصفة خاصة، وللدخل القومى المصرى بصفة عامة، مازالت مصر تعانى من تبعاتها حتى الآن، آملين فى عودة السياحة الروسية إلى ما كانت عليه.

 كما أن التبادل التجارى مع روسيا، يمثل أهمية كبيرة للدخل القومى المصرى خاصة فى مجال المنتجات الزراعية، إذ تمثل الصادرات الزراعية من البرتقال والبطاطس المصرية إلى روسيا، نسبة كبيرة من إجمالى صادرات مصر الزراعية ،أضف إلى ذلك عقد المفاعل النووى بالضبعة، الموقع بين الحكومتين المصرية والروسية، الذى يعتبر صفقة كبيرة من منظور الاقتصاد الروسى، ونقلة نوعية لمصر، تدخل بإتمامه إلى عصر الطاقة النووية، كما تمثل قيام روسيا بإنشاء المنطقة الإستراتيجية الجديدة فى منطقة قناة السويس. نقلة كبيرة فى التقارب المصرى- الروسى.

أما من الناحية السياسية، فإن عودة روسيا، مرة أخرى، إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط قد عزز من دورها السياسى فى المنطقة، خاصة دورها فى المشكلة السورية، والتى تعتبر بالنسبة لمصر امتداداً حيوياً لأمنها القومى، ولذا تجد مصر وروسيا حريصتين على تقوية العلاقات السياسية بينهما، وهو ما يتجلى فى الزيارات المتبادلة بين رئيسيها، ولقاءاتهما الثنائية، والتى كان آخرها، لقاءهما على هامش قمة دول" بريكس " الذى انعقد فى الصين وحتى على المستويات الوزارية، خاصة السيادية منها، كتبادل الزيارات بين وزراء دفاع البلدين، ووزراء خارجيتها.

وأخيراً، ومن الناحية العسكرية، فالسلاح الروسى، يمثل نسبة غير ضئيلة فى الترسانة المصرية؛ سواء القديم منه، الذى لازال فى الخدمة، وتعتمد عليه العديد من أفرع ووحدات القوات المسلحة المصرية، وتحتاج عمليات صيانته إلى قطع غيار روسية الصنع، أو الحديث الذى تم التعاقد عليه فى السنوات الأخيرة، ضمن الإستراتيجية المصرية فى تنويع مصادر الأسلحة وتطوير المصانع الحربية.

نتنقل بعد ذلك إلى الإستراتيجية المصرية نحو آسيا، التى تعكس تعاملها مع رابع دوائر الأمن القومى المصرى البعيدة ،فمن وجهة نظرى لازال هناك العديد من الجهود التى يجب أن تبذل. لاستعادة مكانة مصر، التى كانت لها فى ذلك البعد الإستراتيجى، فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، من خلال دول عدم الانحياز.

ومع ذلك، فلا ننكر الجهود القائمة والمستمرة فى التعاون مع الصين، وتنمية العلاقات الثنائية معها، باعتبارها أحد أهم عناصر تلك الدائرة الآسيوية بالنسبة لمصر، فى ظل بزوغها كقوة كبرى، وذات ثقل فى النواحى السياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن كونها عضواً دائماً بمجلس الأمن، وتربطها علاقات قوية مع معظم دول قارة إفريقيا.

وقد بدأت مصر بالفعل، فى الاستفادة من الموقف الصينى، فى المجال العسكرى، ضمن خطة تنويع مصادر الأسلحة،  لتوفر الصين معدات جديدة ومتطورة، بأسعار تنافسية. كما تعمل مصر على وضع خطة لاستقطاب أعداد أكبر من السياحة الصينية، ضمن خطة جديدة لتنويع مصادر الدخل السياحى، تجنبا للتعرض لهزات عنيفة. كتلك الناجمة عن توقف السياحة الروسية.

 وقد  ركزت مصر مؤخرا فى عهد الرئيس السيسى، حول إعادة العلاقات المصرية مع دول إفريقيا مثلما كانت فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، خصوصا أنه فى العام القادم 2025،  تعيد الأمم المتحدة تنظيم مجلس الأمن ليصبح تسعة أعضاء دائمين  بدلا من خمسة فقط . ولذلك سيتم اختيار دولة من أوروبا  وغالبا  ستكون ألمانيا، ودولة آسيوية والاحتمالات الأكبر تتجه نحو اليابان ،ودولة من أمريكا الجنوبية ،وسيتم المفاضلة بين البرازيل والأرجنتين. ودولة من إفريقيا وسيتم المفاضلة بين مصر وجنوب إفريقيا، ومن هنا يبذل الرئيس السيسى حاليا كل جهوده لتوطيد العلاقات مع دول إفريقيا لتقبل ترشيح مصر كممثلة للقارة فى العام القادم فى مجلس الأمن .

وثالثاً: إستراتيجيتها نحو دول حوض النيل، يليها دول حوض البحر الأحمر، ثم رابعا، وأخيراً، تأتى الإستراتيجية المصرية نحو دول حوض البحر الأبيض المتوسط. يأتى هذا التقسيم والترتيب لما لتلك الدول من تأثير قوى ومباشر على أمننا القومى، خاصة من دول الجوار القريب والتى على أساسها توضع الإستراتيجيات المباشرة تجاه هذه الدول ... وتبنى عليها خطط التسليح المستقبلية للقوات المسلحة المصرية ... وعلى أساسها يتم توقيع الاتفاقات السياسية أو الاقتصادية وحتى الثقافية والرياضية.

 

 

 

تم نسخ الرابط