محمد فودة يكتب: مثلث "التفاهة" لإفساد الذوق العام
- "اليوتيوبرز" و"البلوجرز" ومطربو "المهرجانات".. فقاعات هوائية
- نجوم من ورق صنعتهم الصدفة يتصدرون المشهد لتشويه الفن المصرى
- مشاهير "السوشيال ميديا" يتوغلون بقوة فى الدراما والسينما والإعلانات.. ولا مكان للنجوم الحقيقيين
- سيطرة صناع المحتوى على الشاشة اغتيال "معنوى" لأصحاب المواهب مع سبق الإصرار
- "السوشيال ميديا" تغير قواعد الصناعة لصالح "الكومبارسات" وأنصاف الموهوبين
أتابع بحرص واهتمام ما يجرى على الساحة الفنية، فالفن هو قوى مصر الناعمة، والأداة التى من خلالها يتم تقديم الوعى للجمهور، وللحق فإن حال الفن المصرى لم يعد كما كان، وأصبحنا نرى أشياء ما كان لنا أن نجدها بين يوم وليلة فى ظل الانفتاح الرهيب الذى ظهر فى حياتنا مع توحش وتوغل السوشيال ميديا، حتى وصلنا إلى حد انهيار المواهب بل اندثارها وإعطاء الفرص لكل من هب ودب من كومبارسات يحلمون بالنجومية وآخرين يطمحون أن يكونوا فى صدارة المشهد الفنى، حتى إن فقاقيع "السوشيال ميديا" من الذين يطلقون عليهم بلوجرز تسللوا إلى الوسط الفنى وللأسف غيروا قواعد اللعبة الفنية فى الفترة الأخيرة وأصبحوا ذوى تأثير فى الوسط الفنى، ولا عزاء لأصحاب المواهب الحقيقية.
وللحق فقد اعتاد جمهور الدراما والسينما المصرية على اقتحام نجوم الإعلانات أو الرياضة والإعلام مجال التمثيل، لكن الجديد هو سيطرة البلوجرز واليوتيوبرز على الأعمال الفنية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ويبدو أن هناك الكثير من مشاهير السوشيال ميديا وضعوا التمثيل نصب أعينهم، لنرى مؤدى المهرجانات ومطربى الراب أيضًا داخل الأعمال الفنية، وهو ما يمثل ظاهرة ليست صحية بالمرة على الفن المصرى، فمن غير المعقول أن نجد النجوم الحقيقيين يجلسون على الدكة فى منازلهم ومن يطلق عليهم البلوجرز هم من يتصدرون الساحة،وهؤلاء مجموعة كومبارسات لا يمتلكون أدنى حد للموهبة ويتم فرضهم على الشاشة لغرض التقليل من ريادتنا الفنية، هم يتباهون فقط بالفن على السوشيال ميديا ويدخلون المجال للمنظرة ليس إلا، دون الوضع فى الاعتبار القيمة الفنية، فحال الدراما والسينما معًا أصبح لا يسر بالفعل عدوا ولا حبيبا، والصنعة بأكملها تتعرض لتجاوز هؤلاء الصغار، الذين يحاولون النيل منها وتقزيمها بدخول البلوجرز مجال التمثيل، فأصبحنا نسمع عن وجود منتج فنى فى بعض الأعمال هو من يرشح النجوم للأدوار وكل يعمل على حسب هواه و"مزاجه" ولا ينظر لمصلحة الفن مطلقًا، ومن هنا يأتى بترشيح كومبارسات من الصف الثانى والثالث لدور البطولة، وأحيانا بلوجرز فنرى "فنانين شباب" لا يهمهم سوى الحصول على أجور بالملايين رغم أن الكثيرين منهم فى حقيقة الأمر أنصاف بل أرباع موهوبين لا يستحقون كل هذا المبلغ، لكن بسبب سيطرة "الشلة" فإنهم يحصلون على ملايين كثيرة تفوق قدراتهم الحقيقية فى التمثيل، وهذا يرجع لحكم الشللية الغالب على حكم الموهبة، والحقيقة أن أغلب هذه الأعمال تظهر وسرعان ما تختفى، وتعرض مئات المرات على الفضائيات وبدلاً من أن تزداد بهاء وأصالة، فإنها تتحول إلى سخف وعبء ووصمة عار فى تاريخنا الفنى الذى كم لوثته أعمال كثيرة لا معنى لها ولا قيمة.
وإذا ألقينا الضوء على ظاهرة انتشار مشاركة مشاهير "السوشيال ميديا" فى المسلسلات والأفلام السينمائية، فسنجد الكثير من العجب فمثلا البلوجر والمطربة هلا رشدى كان لها تجربة تمثيلية فى مسلسل «مكتوب عليَّا»، وبعدها انطلقت فى تقديم الحفلات الغنائية، وزيادة عدد متابعيها عبر السوشيال ميديا، أما الجزء السادس من «الكبير أوى» فقد استضاف اثنين من اليوتيوبر والبلوجر فى حلقته الـ 18 بخلاف الطفل «عبد الرحمن طه»، فقد حل اليوتيوبر «محمد مولى» ضيفًا خلال الحلقة، وجسد شخصية قريبة من شخصيته الحقيقية، إذ قدم دور «بلوجر» يقف فى أحد الطوابير الطويلة حتى يصل لشخص يدعى «المعلم»، ليشترى منه متابعين وهميين، بينما حل اليوتيوبر «أحمد بسيونى» ضيفًا فى ذات الحلقة بدور «المعلم"، والبلوجر أحمد رمزى فقد شارك فى الجزء الثانى من مسلسل «فى بيتنا روبوت»، وحقق نجاحًا كبيرًا، كما شارك البلوجر محمد ربيع، الشهير« بـمحمد الجنتل»، فى مسلسل «اللغز»، كما شارك البلوجر محمود عادل مع النجم محمد رمضان فى فيلم «هارلى"، أما اليوتيوبر محمد أمين فشارك فى مسلسل «سوشيال»، إخراج رؤوف عبد العزيز، بينما شارك اليوتيوبر إكرامى هجرس فى مسلسل «الرواية»، وكذلك مسلسل «هدر اتفاق»، بينما شارك اليوتيوبر صلاح الدالى بالتمثيل فى العديد من الأعمال منها: فيلم «جدو مشاكل»، وآخرها مشاركته فى فيلم «200 جنيه»، فى حين شارك «توأم مصر» -وهما شقيقان معروفان كبلوجر على صفحات السوشيال ميديا- فى مسلسل «شغل عالى» مع فيفى عبده وشيرين رضا، وأيضًا شاركت البلوجر بيلا ثروت فى «صوت بالعربى".
ومن البلوجرز واليوتيوبرز إلى المؤدين للمهرجانات الشعبية، ومطربى الراب، والذين تحولوا للتمثيل أيضا بداية من مطرب المهرجانات «عنبة»، الذى شارك فى دراما «حمد الله على السلامة» مع يسرا، وكذلك «مسلم» الذى شارك النجمين محمود عبد المغنى وآيتن عامر فى فيلم «دراويلة»، وأيضًا «ويجز» الذى شارك فى المسلسل «بيمبو» إخراج عمرو سلامة، أما مطربو الراب فقد كانت لهم العديد من المشاركات منهم الرابر «ابيوسف»، والذى شارك فى مسلسل «الليلة واللى فيها» مع زينة ومحمد شاهين والمخرج هانى خليفة، وكذلك الرابر شاهين الذى شارك فى دراما «بيمبو» ومسلسل «سوشيال".
ويبدو أن السوشال ميديا أصبحت نافذة تمنح عددا من نجومها "كارت بلانش" إلى عالم الفن فقط بفضل عدد متابعى معظمهم، وبدأ مسلسل ظهور نجوم مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة المعروفين بالانفلونسرز أو البلوجرز فى السينما بصفة عامة وعالم الدراما التليفزيونية بصفة خاصة منذ سنوات وتواصل الظهور حتى آخر الأعمال الدرامية التى عرضت فى شهر رمضان الماضى وأيضا الإعلانات، حيث ظهر الشاذلى أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعى فى إعلان لصالح بنك مصر، كما ظهرت فى نفس الإعلان البلوجر سلمى ياسر، والتى ظهرت أيضا فى إعلان لصالح شركة اتصالات كبرى بصحبة الفنان محمد رمضان، والفنانة أنغام، وفى إعلان لصالح شركة مشروبات ظهرت البلوجر أم خالد، كما ظهر فى إعلان آخر لنفس الشركة مطرب المهرجانات كزبرة والذى ظهر أيضا فى مسلسل كوبرا مع محمد إمام، وفى إعلان بنك مصر أيضا ظهر البلوجر محمد رشاد، وقام بغناء أغنية الإعلان بعنوان "عاش" الفنان أحمد سعد.
ومع وصولنا الى هذا الحد من الإسفاف وانتشار ظاهرة مشاركة مشاهير "السوشيال ميديا" فى المسلسلات والأفلام السينمائية، أتمنى أن تتخذ نقابة المهن التمثيلية المصرية قرارات رادعة، لمنع هذه المشاركات وفرض عقوبات على المخالفين، خاصة أن هناك أزمة فى تشغيل أعضائها النقابيين، وأثق أن الدكتور أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية لديه القدرة على إعادة صياغة المشهد الفنى بأكمله، وأنا على يقين بأننا قادرون على التحدى والمواجهة ضد ما يحدث من إسفاف نراه على الشاشة،وهنا أطالب بعض النجوم بأن يعيدوا ترتيب أوراقهم ولا يستسلموا لحالة التردى التى أصبحوا عليها، التجديد مطلوب والتطور عامل أساسى لنجاح النجم، لكن أستطيع أن أجزم بأن بعض نجوم الصف الأول أصبحوا فى "تلاشى" مستمر ولكن من يمتلك الموهبة والذكاء فى إدارة نفسه هو الذى يستطيع الاستمرار، ولا يخفى على أحد أن المواهب الموجودة لم تطور نفسها وأصبحت تعتمد فقط على تاريخها، ولا تبحث عن التجديد والتنوع فى الوقت الذى يحتل فيه الكومبارسات وأنصاف المواهب وأرباعها و"بتوع" السوشيال ميديا مساحات باهظة من الانتشار، هل يعقل أن الفن المصرى "بجلالة قدره" أصبح هامشيًا يمثله مجموعة من "كومبارسات" و"بلوجرز" و"يوتيوبرز" لا يعرفهم أحد ولا يصح مطلقًا أن يظهروا على الشاشة؟!