«استثمار الحليف».. ماذا يفعل بن زايد فى القاهرة الآن.. ولماذا ذهب إلى العلمين الجديدة أولاً؟
- لماذا يشعر الإخوان بالجنون من الزيارة؟..وكيف رحبت مصر كلها بـ «الضيف الكبير»؟
- مابعد رأس الحكمة .. كواليس خاصة عن الصفقات الاقتصادية الكبرى بين القاهرة وأبو ظبى
توقفت أمام الخبر بالتأكيد.. النبأ يقول إن سمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قد وصل إلى مطار العلمين.. حيث يقضى إجازته السنوية على أرض مصر.. وبالتأكيد تتوج الزيارة بلقاء أخوى بين الصديقين.. الشيخ محمد والرئيس عبدالفتاح السيسى.
تحمل زيارة الشيخ محمد معانى كثيرة وخصوصا فى جانبها المتعلق بالعلمين.. فلا أبالغ عندما أقول إن هذه الزيارة المعتادة وقضاء الإجازة السنوية لرئيس دولة الإمارات على السواحل المصرية، بمثابة دعم مستمر من سموه لقطاع السياحة المصرى، وكذلك تأكيد منه على المستوى الرفيع الذى تقدمه مصر بمختلف قطاعاتها لضيوفها الكرام سواء من الأشقاء العرب أو من كل أنحاء العالم.
ثم إن هذه الزيارة تعتبر رسالة دولية من الشيخ محمد بن زايد تبرز مدى رقى الخدمات السياحية المصرية واستقرار الدولة واستتباب الأمن والأمان فى مصر العظيمة.
لقد وُلدت العلاقات المصرية - الإماراتية كبيرة؛ إذ كانت مصر من أولى الدول التى اعترفت بالاتحاد الإماراتى فى ديسمبر 1971، ودعمت هذا الاتحاد إقليميًا ودوليًا.
وفى المقابل، كانت الإمارات على رأس الداعمين لمصر فى محطات تاريخية فارقة بدايةً من عدوان 1956 مرورًا بنكسة يونيو 1967، وحرب أكتوبر 1973، ووصولًا إلى ثورة 30 يونيو 2013.
وقد اكتسبت العلاقات المصرية - الإماراتية صفة "الإستراتيجية"؛ بمعنى أنها ظلت محافظة دائمًا على طبائعها التعاونية والتكاملية والأخوية، بغض النظر عن المتغيرات المحلية أو الإقليمية أو الدولية التى حدثت على مدار الخمسين عامًا الماضية، وهو الأمر الذى أكسب هذه العلاقات خصوصية شديدة.
وتحظى العلاقات المصرية - الإماراتية بخصوصية على المستوى العربى؛ وذلك فى ضوء البعد التاريخى والحضارى والثقافى، بالإضافة إلى الأبعاد القومية والدينية التى تبلورت فى كنفها، إذ كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت بالاتحاد الإماراتى الذى نشأ فى 2 ديسمبر 1971، وراحت مصر تؤكد على دعمها هذا الاتحاد فى المحافل الإقليمية والدولية، وحتى قبيل توحد إمارات ساحل عمان "سابقًا" كان الجانبان يرتبطان بعلاقات ثقافية وحضارية كبيرة من خلال البعثات التعليمية المختلفة التى كانت تُرسل من مصر وإليها فى فترة الخمسينيات، الأمر الذى زاد من الروابط الأخوية والتداخل الثقافى بينهما.
وقد عبر الشيخ زايد آل نهيان - رحمه الله - عن حجم هذا الترابط بمقولة مأثورة حتى اليوم قال فيها: "نهضة مصر من نهضة العرب، وقد أوصيت أبنائى بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، لأن هذا هو الطريق لنهضة العرب، مصر هى قلب المنطقة العربية، والمنطقة العربية بدونها تفقد الحياة".
وقد كانت هذه المقولة هى الخط الناظم والحاكم لعلاقات البلدين حتى اللحظة، على الرغم من كم المتغيرات التى طرأت داخليًا وإقليميًا وعالميًا.
أيضا تحظى الدولتان مصر والإمارات بمكانة ووزن إستراتيجيين مهمين فى المنطقة العربية، بل ليس من قبيل المبالغة القول إن الدولتين - إلى جانب السعودية- هما "الفواعل الأهم" فى المنطقة وإقليم الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى انعكس على حجم انخراط ودور كل منهما فى أزمات وقضايا المنطقة الملحة، ومنها: القضية الفلسطينية، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن.
لكن اللافت خصوصية الحالة المصرية - الإماراتية، فهى ترتبط بوجود ميزات نسبية لكل دولة، توظفها فى إطار التكامل الثنائى، فضلًا عن أن الدولتين وفى كل مباحثات ثنائية بين قادتيهما، يحرصان على التأكيد على أولويات العمل المشترك، ومقاربتهما للتعامل مع دول الأزمات، وهى المقاربة التى تقوم على عدد من العناصر الأساسية ومنها: التأكيد على أولوية بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومواجهة الفاعلين المسلحين من دون الدول، سواء الميليشيات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية، وكذا رفض التدخلات الخارجية فى شؤون الدول العربية.
وتمتعت الدولتان منذ مرحلة ما قبل الاتحاد الإماراتى بعلاقات سياسية راسخة وقوية، عززتها المواقف الداعمة من كلا البلدين لبعضهما البعض.
وقد كانت هناك بعض المحطات التاريخية التى عززت من أواصر الارتباط بين البلدين، ومنها الدعم الإماراتى لمصر عقب عدوان 1956، ونكسة 1967، وحرب 1973، وصولًا إلى ثورة 30 يونيو 2013، والدعم الكبير الذى قدمته الإمارات لمصر على كافة المستويات، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته أمام القمة العالمية للحكومات بالإمارات فى فبراير الماضى.
وفى ذات السياق كان الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر، داعمًا كبيرًا لقيام اتحاد الإمارات، وقام بإرسال بعثات من المدرسين والمهندسين والأطباء، والنماذج المصرية التى كانت حاضرة فى مرحلة التأسيس لقيام الاتحاد.
وبعد رحيل عبدالناصر، ساندت الدولة المصرية بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إعلان قيام دولة الاتحاد عام 1971، وزار الرئيس المصرى دولة الإمارات العربية المتحدة، ليرد بعدها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الزيارة إلى القاهرة، مقدمًا وشاح آل نهيان للرئيس السادات.
ويعد البعد والمحدد الاقتصادى إحدى الركائز الأساسية للعلاقات المصرية - الإماراتية، وقد اتخذ هذا البعد أهمية متزايدة فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث قدمت دولة الإمارات حينها 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصرى، وأسهمت فى تنفيذ العديد من المشروعات التنموية بمصر، وهو الدعم الذى حظى بأهمية وتقدير كبير من الدولة المصرية وقيادتها، فى ضوء ما كانت تعانى منه الدولة المصرية فى ذلك الوقت من أزمات على كافة المستويات.
كما أن السوق الإماراتية الوجهة الأولى للصادرات المصرية، وتستقبل سنويًا نحو 11% من إجمالى صادرات مصر للعالم.
وخلال عام 2020، صدرت مصر بحوالى 3 مليارات دولار إلى الإمارات، وفى عام2021، وصل حجم التبادل التجارى غير النفطى بين البلدين إلى نحو 3.7 مليار دولار.
وتعد دولة الإمارات أكبر مستثمر عربى فى مصر والثالثة عالميًا، برصيد استثمارات تراكمى يزيد على 28 مليار دولار أمريكى.
وتستثمر الشركات المصرية فى الإمارات أكثر من مليار دولار، وفى نوفمبر عام 2019 تم تأسيس منصة استثمارية مشتركة بين مصر والإمارات، بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبو ظبى التنموية القابضة وصندوق مصر السيادى.
وفى مايو 2022، تم إطلاق مبادرة الشراكة المتكاملة بين مصر والإمارات والأردن والبحرين، وتم تخصيص صندوق استثمارى بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار فى المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة فى القطاعات المتفق عليها تترجم الشراكة هذه العلاقات الإستراتيجية لعمل فعلى. كما تعد الإمارات من الدول المستقطبة للعمالة المصرية بشكل كبير، إذ يوجد بالإمارات ما يقرب من 950 ألف مصرى تقدر تحويلاتهم بنحو 3.4 مليار دولار خلال العام 2020.
وتتضمن القضايا الملحة على سلم أولويات التعاون المصرى - الإماراتى تعزيز العمل العربى المشترك.. إن أحد المستهدفات الأساسية من المباحثات الدورية والمستمرة التى تتم بين قادة مصر والإمارات يتمثل فى دعم أواصر العمل العربى المشترك، وبناء مقاربة عربية للتعامل مع المتغيرات العالمية المصاحبة ، فضلًا عن ضمان تعامل هذه المقاربة مع مهددات الأمن القومى العربى بشقيها التقليدى (نشاط الفاعلين المسلحين من دون الدول، والتدخلات الخارجية، وظاهرة الدول المأزومة) وغير التقليدى "قضايا الأمن الغذائى والأمن المائى والتغيرات المناخية وأمن الطاقة.
يمكن القول إن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى القاهرة تأتى من جانب فى إطار الشراكة الإستراتيجية والعلاقات الوثيقة التى تربط البلدين خصوصًا فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، ومن جانب آخر فى إطار الحراك المبنى على هذه الشراكة والذى يستهدف تعزيز العلاقات الثنائية، والتعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة، وما صاحبها من تداعيات وتحديات.
تحيا مصر
وتحيا الإمارات