الإثنين 16 سبتمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

قوة الحكماء وحكمة الأقوياء

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشفية

- كيف وضعت مصر خطوطها الحمراء فى مفاوضات وقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل؟

- ما سر رفض القاهرة أى بقاء صهيونى فى معبر رفح ومحور فيلادلفيا؟.. وكواليس الرد الإسرائيلى 

- إلى أين يمضى بنا المسار؟.. وهل تتوسع الحرب فى المنطقة؟.. وخطة التحرك المصرى

هذه ساعات حاسمة تقف فيها الدولة المصرية، لا سيما رجال الظل، موقفا بطوليا.. أتحدث عن الوساطة فى صراع معقد بين طرفين يريد كل منهما إبادة الآخر وأقصد إسرائيل وحركة حماس. 

والعبء يتزايد عندما ترتبط هذه الوساطة بأمننا القومى بشكل مباشر.. وهذا أمر يحمل المفاوض المصرى أعباء كبيرة.. ويدفعه فى بعض الأحيان لأن يتحول من وسيط إلى طرف أساسى فى الأزمة.

لكن الرجال يفعلون كل ما يجب على مدار الساعة من أجل إنقاذ الدم الفلسطينى ووقف الشلال المتدفق منذ أشهر وفى الوقت ذاته حماية الأمن القومى.

ولا يمكن أن نفصل الموقف المصرى الرافض تمامًا استمرار الاحتلال الإسرائيلى لكلٍ من محور فيلادلفيا ومعبر رفح عن موقف مصر تجاه أزمة غزة ككل، ومعارضة احتلال القوات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من القطاع، بل وما يثار بشأن اعتزامها البقاء فى القطاع حتى بعد انتهاء الحرب لفترة غير محدودة.

ورغم أن كلاً من محور فيلادلفيا ومعبر رفح الفلسطينى يقعان على أراضٍ فلسطينية وليس لهما علاقة مباشرة ببنود معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية الموقعة فى مارس 1979، فإن موقف مصر لم يتغير منذ بداية الحرب، وكانت الرسالة والرؤية المصرية حاسمة لا تقبل الجدل ومفادها أنه لا بد من التوصل إلى هدنة تتيح المجال أمام وقف إطلاق النار، وإنجاز صفقة تبادل أسرى، ثم إنهاء الحرب تمامًا والتمهيد أمام إعادة إعمار غزة على أن نصل بجميع هذه الخطوات إلى الهدف الأسمى وهى مفاوضات تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية.

الموقف المصرى الذى يتمسك بضرورة انسحاب إسرائيل 

‎من محور فيلادلفيا ومعبر رفح يستند إلى ما يلى: عدم وجود أى مبررات للوجود العسكرى الإسرائيلى فى المحور، وأن الادعاءات بوجود أنفاق على الحدود المصرية مع غزة تعد ادعاءات كاذبة من أجل دعم البقاء غير الشرعى فى المحور.

إن معبر رفح الفلسطينى يعد المعبر البرى الوحيد بين غزة ومصر وأن السكان ينطلقون منه إلى مصر والعالم الخارجى، خاصة أن المعبر البرى الآخر وهو معبر إيريز يعد معبراً إسرائيلياً ومن غير المسموح للفلسطينيين بالعبور منه إلا بتنسيق أمنى مسبق لا يتوافر للجميع، ومن المهم أن نعيد التذكير بأن مصر لم تكن طرفاً فى اتفاق المعابر الذى نظم العمل فى المعبر الفلسطينى والموقع فى 15 نوفمبر 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ونص على وجود قوات شرطة ومراقبة أوروبية بالمعبر.

وبالتالى فإن أى حديث منصف عن الموقف المصرى تجاه أزمة غزة يجب أن يأتى أولاً فى سياق الدور التاريخى لمصر تجاه القضية الفلسطينية فى جميع مراحلها، أما بالنسبة للحرب على غزة فإن مصر لم تتوان عن التحرك المكثف منذ بدايتها، وطرحت أول مقترحات للحل بمراحله الثلاث فى ديسمبر الماضى وأصبحت تلك المقترحات أساس جميع المفاوضات التى تتم مناقشتها منذ هذا الحين وحتى الآن.

ثم إن مصر لم تقف مطلقًا موقف المراقب بل استخدمت جميع الأدوات المتاحة من أجل إدخال المساعدات إلى القطاع ووقف الكارثة الإنسانية وإنهاء الحرب، واستثمرت قدرتها فى التواصل الدائم مع جميع الأطراف المعنية، ولا سيما إسرائيل وحماس وقطر والولايات المتحدة، كما كانت حريصة على عدم المساس بجوهر معاهدة السلام ما دام الطرف الآخر لم ينتهكها حتى لا تفقد إحدى أهم الأدوات التى تمتلكها، وهى ممارسة دور الوساطة الفاعلة فى ظل أصعب الظروف التى تواجهها هذه الوساطة.

ومن المؤكد أن مصر لم تفاجأ بالسياسات المتشددة التى ينتهجها نتنياهو ومدى ما يمثله الائتلاف الحاكم من قيود إضافية عليه، ولكنها كانت واضحة تمامًا عندما تحركت على الفور لوقف هذه الحرب الظالمة على غزة، وانخرطت فى مفاوضات مكثفة من أجل حلها على مدى عشرة شهور وحتى الأسبوع الحالى، وفى رأيى فإن التمسك المصرى بالانسحاب الإسرائيلى من محور فيلادلفيا ومعبر رفح سوف يكون نقطة تحول فى الحرب وسيقود إلى تحقيق الهدنة، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا يوجد ما يمنع من مناقشة أى مقترحات أمريكية أو إسرائيلية فى هذا الشأن بشرط أن تكون نتيجتها النهائية انسحاب إسرائيل من المحور والمعبر كمقدمة لانسحاب إسرائيلى كامل من القطاع.

‎وفى الوقت نفسه سوف أظل أطرح على نتنياهو مجموعة من الأسئلة المرتبطة بعضها ببعض وأهمها ما حساباته لكيفية انتهاء الحرب؟ وما طبيعة اليوم التالى لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار الدائم؟ وما الحدود التى يمكن أن يصل إليها فى علاقاته مع مصر مستقبلاً؟ وما طموحاته لمسار التطبيع العربى؟ وما مدى قدرته على مواجهة حرب إقليمية من المؤكد لن يكون هو الرابح فيها؟ وأتمنى أن تكون القراءة الصحيحة للواقع الراهن تمثل الإطار الذى يحكم الإجابة عن هذه الاستفسارات.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فلا أجد أى كلمات سوى أن ما يحدث فى غزة كان ظاهرة كاشفة سياسة المعايير المزدوجة التى تحكم مواقفها، فالإدارة الأمريكية أصبحت عاجزة عن مواجهة نتنياهو الذى تم استقباله كالأبطال فى الكونجرس فى يوليو الماضى، كما أن عشر زيارات لوزير خارجية أكبر دولة عظمى فى العالم للمنطقة لم تنجح فى وقف الحرب، وكم أتمنى أن يتحول الشعار المستهلك (بأنه آن الأوان لوقف الحرب على غزة فورًا) إلى واقع على الأرض ولو لمرة واحدة فقط حفاظًا على ما تبقى من المصداقية الأمريكية.

أما فيما يتعلق بالمنطقة فللأسف فقد أصبحت أسيرة لتهديدات الدولة الإيرانية التى أرسلت رسالة واضحة للجميع بأنها قادرة على توسيع دائرة الصراع وتفجير الاستقرار الوهمى أو النسبى الحالى، وأن تحقيق شرطها الرئيسى بوقف الحرب على غزة يمكن أن يدفعها لإعادة التفكير فى طبيعة ردها المنتظر، والمؤكد ضد إسرائيل، وأنها صاحبة القرار الوحيد فى استقرار المنطقة من عدمه.

ودائما وأبدا.. تحيا مصر.

الصفحة الثانية من العدد رقم 376 الصادر بتاريخ 29 أغسطس2024
 
تم نسخ الرابط