6 أكتوبر.. الأمل المتجدد فى ذكرى أيام الكرامة
- ذكرى أكتوبر لابد أن تتحول إلى منهج فى كل حياتنا... فمن انتصر مرة يمكن أن ينتصر كل مرة
- الأجيال الجديدة لابد أن تعرف بطولات من حققوا النصر حتى يكونوا بالنسبة لهم قدوة على الطريق
- نحتاج إلى تمكين روح أكتوبر حتى نحقق انتصارات فى كل مجالات حياتنا... فهذا هو الحل الوحيد
فى مثل هذه الأيام من كل عام أجد نفسى مشدودا إلى تنسم ما عرفناه وسمعناه وقرأناه عن أيام الانتصار العظيمة فى أكتوبر من العام 1973.
لقد تعرضت حرب أكتوبر العظيمة إلى أكبر محاولة للتشويه، ونال قائدها الرئيس البطل صانع الحرب والسلام أكبر قدر من التشويه والإساءة، ليس لشيء إلا لأنه بعد أن انتصر فى الحرب قرر أن يقود شعبه إلى السلام، معلنا أن هذه ستكون آخر الحروب، وكأنه كان يجب عليه أن يحارب إلى الأبد، بما تعنى الحرب من دمار وتخريب.
كان الرئيس السادات عندما تولى حكم مصر فى أكتوبر 1970 قد ورث تركة ثقيلة، فالهزيمة التى لحقت بنا فى يونيو 1967 لا تزال تخيم بظلالها على كل شيء فى مصر، صحيح أنه كانت هناك محاولات إزالة آثار العدوان بتعبير الرئيس عبد الناصر، وكانت حرب الاستنزاف قائمة ببطولاتها وعملياتها الفدائية التى أوجعت إسرائيل، لكن فى النهاية كانت الأرض لا تزال محتلة، وكان ينظر إلى مصر على أنها دولة مهزومة، ولجيشها على أنه انكسر فى حرب الست ساعات وانسحب جنودها وتراجعت قواته بلا غطاء، فى أكبر مهزلة يمكن أن يقابلها جيش فى حياته.
لم يستسلم الرئيس السادات، بل العكس تماما قرر من اللحظة الأولى أن يخوض حربا هجومية يسترد بها الأرض، وكانت فكرة الرئيس السادات هى أن يقوم الجيش بتحرير ولو متر واحد من أرض سيناء، وبعد ذلك تلعب السياسة دورها من خلال المفاوضات لاسترداد الأرض.
بنى الرئيس السادات من البداية خطته على ذلك، وتحمل لتنفيذ هذه الخطة ما لا يتحمله أحد، ظل يخطط فى الخفاء، وقرر أن يخدع الجميع، حتى لا يعرف أحد شيئا عما ينتويه أو ما سيقوم به، ولذلك كانت حرب أكتوبر أكبر مفاجأة إستراتيجية فى حرب الحروب، ولا تزال المعاهد والأكاديميات العسكرية فى العالم تدرس لطلابها ما الذى فعله الجيش المصرى فى هذه الحرب العظيمة.
فى العام الماضى احتفلت مصر بمرور خمسين عاما على حرب أكتوبر، وكان احتفالا مهيبا بكل معنى الكلمة، وأفرجت القوات المسلحة عن بعض الوثائق التى يمكن من خلالها التأريخ لهذه الحرب، وقد بدا من هذه الوثائق عظمة ما قام به القادة المصريون، بل عرفنا لماذا كان النصر حليفنا من اللحظة الأولى.
هذا العام وبعد مرور عام على حرب غزة نحتفل بمرور العام الـ 51 على حربنا العظيمة، ولعلنى أربط بينهما لسبب بسيط أبتعد به عن محاولة الربط الهزيلة التى قام بها البعض بين الحربين، فالفرق بينهما كان ولا يزال وسيظل شاسعا بدرجة كبيرة.
إن ما يحدث على الأرض يعلمنا قيمة ومعنى الدولة الوطنية، يعرفنا قيمة أن يكون لدينا جيل وطنى مؤسسى لا يدين لفكر بعينه ولا لجماعة بعينها ولا لأيديولوجية محددة، ولكن يكون انتماؤه الأول والأساسى والوحيد للدولة وللشعب، عندما يتحقق ذلك تكون الدولة فى أمان واستقرار، فلا يقوم هذا الجيش بمغامرات يمكن أن تورد الدولة موارد التهلكة، القرار يكون مؤسسيا وليس فرديا، فقد رأينا أمامنا أن قادة الميليشيات يمكن أن يقوموا بأفعال فردية وقرارات ذاتية تحول الأخضر إلى يابس وتدمر كل ما بناه الإنسان، بل إنهم بما يفعلون يحطمون أحلام شعوبهم ويطيحون بكل ما يخططون له من مستقبل آمن ومستقر.
إننى فى كل لحظة أحمد الله على نعمة مصر الآمنة المستقرة، وأحمد الله على نعمة الجيش المصرى الذى يقف طوال الوقت حاميا أرضنا وشعبنا ومواردنا ومقدراتنا، ولا يدخل بنا فى مغامرات نحن فى غنى عنها طوال الوقت، فالمغامرات العسكرية لا يمكن أن تكون مفيدة فى أى وقت من الأوقات، ولكنها كما نرى أمامنا تخلف وراءها الخراب والدمار.
لا ينكر أحد فضل حرب أكتوبر على الدولة المصرية، فقد كانت نقطة البداية لبناء دائم ومستقر، كما أنها أعادت إلينا عزتنا وكرامتنا المفقودة، وأثبتت للعالم كله أن الجندى المصرى إذا أراد فلابد أن يحقق ما يريده، وأن الشعب المصرى يستطيع أن يحقق المعجزات، عندما يجد نفسه فى أزمة فإنه لا يرتاح ولا يطمئن ولا يهدأ له بال إلا بالخروج من هذه الأزمة.
لقد تعلمنا من انتصارنا فى أكتوبر كثيرا، ولا نزال نتعلم حتى الآن، وهى دروس لا يجب أبدأ أن نستهين بها أو نقلل من شأنها، بل يجب علينا أن نعززها، ونجعل منها دستورا لحياتنا وللأجيال القادمة، لابد أن يكون انتصار أكتوبر وما حدث فى هذه الحرب وبطولات من قاموا بها هى الدرس الأكبر والأهم فى كتب تاريخنا المدرسية، ويجب أن يهتم المؤرخون والكتاب والمفكرون بأن يرووا للأجيال القادمة ما حدث لأن هذا التاريخ الذى يدعو للفخر سيكون هو وحده ما يحمى هذه الأجيال من الاختراق أو التغرير بها أو جعلها تبتعد عن الوطن بكل ما يمثله من معانٍ سامية.
إن حرب أكتوبر لا يجب أبدا أن تكون ماضيا، وانتصارنا على الأعداء لا يجب أبدا أن يكون جزءا من تراثنا السياسى والعسكرى، ولكنها لابد أن تكون جزءا متجددا من حاضرنا وثقافتنا وفكرنا وقوتنا الناعمة، وهنا أقصد المعنى الذى يعكسه النصر، فهو طاقة روحية يجب أن تظل متمكنة من قلوبنا وأرواحنا، إلا أننا من خلالها نستطيع أن نكمل مشوارنا ونتغلب على كل ما يعترض طريقنا من أزمات ومشاكل وصعاب بل وهزائم أيضا.
علينا أن ننظر فقط إلى ماضينا، ننظر إلى ما كنا فيه، ثم ننظر بعد ذلك إلى قدرتنا على تحويل الهزيمة إلى انتصار، على تحويل الواقع المحبط الكئيب الذى لا يبعث على أى أمل إلى طاقة بناء وتعمير واستمرار.
هذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تساعدنا على الخروج من أزماتنا الراهنة، روح أكتوبر التى حاول كثيرون أن يقللوا منها، وأحيانا يسخروا منها، دون أن يعرفوا أن هذه الروح تحديدا هى التى كانت سندا وعونا لنا، استطعنا من خلالها أن ننتصر على الهزيمة ونعبرها، واستطعنا من خلالها أن نغير صورتنا أمام العالم، واستطعنا أن نحصل من العالم على اعتراف بأننا نقدر ونستطيع، فقد حولتنا حرب أكتوبر والانتصار فيها إلى رقم حقيقى وصعب فى المعادلة الدولية لا يمكن أن يتخطاه أحد أو يعبر عليه أحد دون أن يتوقف طويلا ليسأل عن رأى مصر وموقف مصر قبل أن يصدر أى قرار فى الإقليم.
6 أكتوبر ليست مجرد ذكرى ولا يجب أن تكون ذلك، نحتفل بها فى يوم أو حتى فى شهر ثم ينتهى الموضوع كله، 6 أكتوبر لابد أن تتحول إلى منهج حياة، ليس فى العمل العسكرى فقط، ولكن فى العمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وتخيلوا أن الجميع يعملون فى مجالاتهم بروح الأبطال الذين خاضوا هذه الحرب وانتصروا فيها، مؤكدين أننا سنحقق انتصارات كثيرة ولن يستطيع أحد أن يوقفنا.
عندما وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أحد احتفالات أكتوبر، وقال: من فعلها مرة يمكن أن يفعلها ألف مرة، أعتقد أنه كان يقصد أننا يمكن أن نفعلها فى مجالات كثيرة وليس فى المجال العسكرى فقط، وهو ما نحتاج إليه بالفعل، حتى تتحول حياتنا كلها إلى انتصارات.