الجمعة 24 يناير 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

الذوق العام "في ذمة الله"

الكاتب والإعلامى
الكاتب والإعلامى محمد فودة - صورة أرشيفية

- سطحية الترفيه تقتل الإبداع الحقيقي  .. والفن الراقي  في مهب الريح

- موجات الابتذال تجتاح الساحة.. وأشباه المواهب يقودون الفن للهاوية

- صناعة الموسيقى والغناء ضلت الطريق في  ذهاب بلا عودة

- السينما المصرية بين شباك التذاكر وفقدان الهوية

- هل يمكن إنقاذ الذوق العام.. أم فات الأوان؟

على  مر الأزمنة، كان الذوق العام في مصر مرآة صادقة لوعيها الثقافي وعمقها الفني.

من قلب القاهرة، مركز الإبداع في العالم العربي، كانت تُصاغ ألحان وأفلام تخاطب الروح وتُحيي القيم.

لكن، ومع الأسف الشديد، أصبحت تلك الصورة مجرد ذكرى ، بعدما اجتاحت الساحة موجات من السطحية والابتذال.

في البداية، كنت أعتقد أن ما نشهده مجرد عثرة مؤقتة في مسيرة الفن المصري، وأنها مسألة وقت قبل أن يعود الإبداع إلى  مجراه الطبيعي.

لكن الحقيقة الصادمة هي أن ما يحدث ليس أزمة عابرة، بل انهيار متكامل الأركان في الذوق العام، نتيجة تراكمات ثقافية واجتماعية طويلة الأمد.

قد يكون تراجع الذوق العام في مصر ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة عدة عوامل متراكمة تداخلت مع بعضها البعض لتشكل هذا الواقع المؤسف.

أصبحت الثقافة السائدة أكثر استهلاكية، وتراجعت القيم التي كانت تشجع على  التذوق الفني الرفيع.

مع هذا التغيير، بدأ الفن والجمال يُعتبران كماليات غير ضرورية، وأصبح الانشغال بالأمور المادية والربح السريع هو السائد.

أدى  ذلك إلى  ظهور أنماط فنية تجارية تركز على  جذب أكبر عدد من الجمهور دون الالتفات إلى  الجوانب الفنية والجمالية للأعمال.

الفن في مصر كان دائمًا مرتبطًا بالقيم الثقافية والأخلاقية.

كان الفنان المصري في الماضي يعبر عن قضايا مجتمعية ويوجه رسائل تعكس معاناة الشعب وآماله.

لكن في العقود الأخيرة، بدأ الفن في مصر ينفصل عن هذه القيم، ليصبح أكثر تجاريًا، حيث تركز الأعمال الفنية على  تحفيز العواطف السطحية دون تبني أي قيم فنية حقيقية.

الإعلام في مصر لعب دورًا كبيرًا في تشكيل الذوق العام، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح العديد من الإعلاميين يسهمون في نشر الفن التجاري الذي لا يتسم بالجودة أو الأصالة.

مع انتشار القنوات الفضائية واليوتيوب، أصبح هناك دعم إعلامي كبير لأعمال غنائية وفنية تفتقر إلى الجودة الفنية، مما ساهم في تراجع ذوق الجمهور.

وللأسف، رأينا بعض الشخصيات التي لا يمكن وصفها بالفنية تُقدم على  أنها نجوم في بعض البرامج، ما ساهم في تدهور المشهد الفني بشكل عام.

السوشيال ميديا أيضًا لعبت دورًا بارزًا في هذا التراجع، حيث أدى  الانفتاح على  العالم إلى تأثيرات سلبية على  الذوق العام في مصر، خاصة مع انتشار الأنماط الغربية في الموسيقى والفن.

في الوقت الذي كان فيه الفن المصري يعكس ثقافة الشعب المصري وأسلوبه الخاص، أصبحنا نرى  تقليدًا أعمى  للأغاني الأجنبية والموسيقى  الغربية، مما جعل الكثير من الأعمال الفنية المصرية تفتقد الهوية الثقافية الأصيلة.

من أبرز مظاهر تراجع الذوق العام في مصر هو التدهور الكبير في مستوى  الغناء.

على  الرغم من أن مصر كانت تُعتبر منارة للفن والغناء في العالم العربي، حيث قدمت العديد من الأصوات الرائعة والأغاني الخالدة، فإننا اليوم نشهد ظاهرة الأغاني التي تقتصر على  الإيقاعات السريعة والكلمات السطحية التي تفتقر إلى  المعنى  العميق.

حتى  الأفراح أصبحت لا تسمع فيها سوى  أغاني المهرجانات، التي تقدم مضمونًا سطحيًا لا يعبر عن الذوق الحقيقي ولا يجسد متطلبات السميعة الحقيقيين.

أصبح الفنان يُقاس بمظهره وكيفية تقديمه صورته عبر السوشيال ميديا، بدلًا من تقييمه بناءً على  قدراته الفنية.

السينما والمسرح أيضًا لم يسلما من هذا التراجع.

السينما المصرية التي كانت تعد من أهم صناعات السينما في المنطقة العربية، أصبحت تتجه نحو الإنتاج التجاري الذي يضمن النجاح السريع في شباك التذاكر، حتى  لو كانت محتوياته سطحية ومبتذلة.

ومع هذا التحول، بدأنا نفقد الأفلام التي تعكس قضايا مجتمعية هامة وتغيب الرسائل العميقة التي تجمع بين الفن والترفيه.

ورغم كل ذلك، يبقى  الأمل موجودًا في إمكانية إعادة إحياء الذوق الفني في مصر.

هذا يتطلب التوعية الثقافية، وتعليم النشء منذ الصغر، بالإضافة إلى  دور الإعلام في نشر الفن الرفيع والمبدع.

الفن المصري بحاجة إلى  العودة إلى  جذوره، وتقديم أعمال فنية تركز على  القيم الثقافية والإنسانية بعيدًا عن الابتذال والتركيز على  الربح السريع.

إن تراجع الذوق العام في مصر ليس مجرد خلل مؤقت، بل هو تحول كبير في طريقة التفكير والفهم الفني لدى  الجمهور.

لكن يبقى  الأمل في أن يتحقق التوازن بين التجديد الفني والتمسك بالقيم الثقافية الأصيلة.

إذا أردنا إعادة مصر إلى  مكانتها الثقافية والفنية التي كانت تحتلها، فيجب أن نعمل جميعًا على  إحياء الذوق العام، والاهتمام بالفن الحقيقي الذي يعكس الهوية المصرية ويُشبع الروح المصرية.

 

تم نسخ الرابط