الجمعة 31 يناير 2025
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

لا يا ترامب.. أرض مصر ليست للبيع

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- ما سر مقترح الرئيس الأمريكي؟.. وكيف تقف مصر والأردن "صفا واحدا" ضد اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه؟

- مصر التي رفضت سابقا المليارات وإسقاط الديون مقابل استضافة الفلسطينيين.. لن تقبل الصفقة الآن.. هذا هو الشرف في زمن عز فيه الشرف

في أروقة السياسة الدولية، تتغير الخطط وتُعاد صياغة المصالح، لكن هناك خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، ومصر دائمًا على رأس من يحمي هذه الخطوط.

مرة أخرى، يظهر مقترح جديد من الولايات المتحدة - أو بالأحرى مناورة قديمة بحُلة جديدة – يسعى إلى تهجير أهل غزة إلى الأراضي المصرية كجزء من حلول مزعومة للقضية الفلسطينية، لكن مصر، بتاريخها الطويل ومواقفها الثابتة، تقف كالجبل الشامخ، لتقول للعالم: "لا، أرض مصر ليست للبيع".

خلفيات المقترح الملعون

مع تعقيدات القضية الفلسطينية وازدياد الضغوط على أهل غزة نتيجة الحصار، تأتي مثل هذه المقترحات كجزء من محاولات لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل؛ فقد قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، اقتراحًا يتضمن توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم الأصلية، وركزت هذه الفكرة على نقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن.

الفكرة – كما رُوج لها - هي تقديم حلول "إنسانية" للأزمة، ولكنها في الواقع ليست إلا خطة لتفريغ الأرض الفلسطينية من شعبها، وطمس الهوية الفلسطينية بشكل كامل.

هذا المقترح يتجاهل موقف مصر التاريخي فمنذ نكبة 1948 وحتى اليوم، لم تكن مصر يومًا جزءًا من مؤامرات التهجير أو التخلي عن القضية الفلسطينية. بل كانت دائمًا داعمًا قويًا لحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره وإقامة دولته المستقلة.

في أواخر القرن الماضي، رُفضت عروض بمليارات الدولارات من جهات دولية تضمنت شطب ديون مصر الخارجية مقابل قبول توطين الفلسطينيين في سيناء.

تلك العروض قوبلت برفض قاطع من القيادة المصرية آنذاك؛ لأن مصر لا تساوم على أرضها أو على كرامتها الوطنية. واليوم، يأتي الرد المصري نفسه على مقترح ترامب.

والمؤكد أن رفض مصر هذه الخطة ليس رفضًا إنسانيًا، بل موقف مبدئي يحمي الشعب الفلسطيني من اقتلاع جذوره.

غزة ليست مجرد أرض جغرافية، بل هي جزء من تاريخ فلسطين وشاهد حي على نضال شعبها.

نقل أهل غزة إلى سيناء يعني ترك الأرض الفلسطينية فارغة، وهو ما يسهل على الاحتلال الإسرائيلي ضمها بشكل نهائي دون أي مقاومة.

ولا شك في أن الموقف المصري ينبع من عدة مبادئ أساسية:

1. حماية الهوية الفلسطينية: أي تهجير يعني تشتيت الشعب الفلسطيني وفقدان هويته الوطنية.

2. السيادة المصرية: سيناء أرض مصرية، ومصر ترفض أي محاولة لتغيير ديموجرافيتها أو استخدامها كحلول لأزمات خارجية.

3. تاريخ الصمود: مصر، التي خاضت حروبًا من أجل تحرير سيناء، لن تسمح بتحويلها إلى مأوى للفارين من الظلم بدلاً من مواجهة جذور الأزمة.

ومن المهم الإشارة إلى أن الموقف المصري الرافض هذه الخطة ليس وحيدًا.

هناك تنسيق وثيق مع الأردن، الشريك الأساسي في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.

كلا البلدين يعلمان جيدًا أن أي قبول بمثل هذه الأفكار يعني إنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وفتح الباب أمام تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل.

الأردن أيضًا يعاني من ضغوط مشابهة فيما يتعلق بمحاولات نقل اللاجئين الفلسطينيين إليه.

لكن الموقف الأردني متماسك مثل الموقف المصري، والرسالة واضحة: لا تهجير، ولا استسلام للأمر الواقع.

مصر.. الشرفُ الذي لا يُباع

مصر ليست مجرد دولة تقف على الحياد، بل هي جزء أصيل من معادلة الدفاع عن فلسطين وحقوق شعبها.

عبر التاريخ، أثبتت مصر أنها لا تساوم على المبادئ، حتى في أوقات الشدة الاقتصادية والسياسية.

رفض مصر مقترحات توطين الفلسطينيين في سيناء لا ينبع فقط من الدفاع عن أرضها، بل هو موقف أخلاقي وشرفي يدعم حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم، ومقاومة أي خطط تهدف إلى اقتلاعهم من جذورهم.

لقد شهدنا سابقًا كيف عرضت قوى كبرى دعمًا ماليًا هائلًا لمصر، تصل قيمته إلى مليارات الدولارات، مقابل التخلي عن بعض الثوابت الوطنية.

ورغم الحاجة الاقتصادية، لم تفرط مصر أبدًا في سيادتها أو مواقفها. واليوم، يتكرر السيناريو مع مقترح ترامب، لكن مصر تُثبت مرة أخرى أنها ليست للبيع، لا بأموال العالم ولا بصفقاته.

الرسالة المصرية للعالم

الموقف المصري في هذه القضية يحمل رسائل قوية وواضحة للعالم بأسره:

1. لا للتهجير القسري: الشعب الفلسطيني له الحق في البقاء على أرضه، وأي محاولات لتهجيره لن تحل المشكلة، بل ستخلق أزمات جديدة.

2. القضية الفلسطينية ليست للبيع: مهما حاولت القوى الكبرى فرض حلول على حساب الفلسطينيين، ستظل مصر تدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة.

3. أمن مصر خط أحمر: سيناء جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية، وأي تغيير في تركيبتها السكانية أو استخدامها كحلول لأزمات خارجية هو أمر مرفوض تمامًا.

أين تكمن الأزمة الحقيقية؟

إن النظر إلى الأزمة من منظور إنساني بحت قد يدفع البعض إلى التفكير في أن تهجير أهل غزة إلى سيناء هو حل عملي لمعاناتهم اليومية.

لكن الحقيقة هي أن الأزمة الحقيقية تكمن في الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية، وليس في غزة نفسها.

نقل أهل غزة إلى سيناء لن ينهي الحصار، ولن يغير من واقع الاحتلال.

على العكس، سيؤدي ذلك إلى تفريغ غزة من سكانها، وهو هدف أساسي لإسرائيل منذ عقود.

سيناء لن تكون الحل؛ لأن الحل الوحيد يكمن في إنهاء الاحتلال وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية، وليس نقلهم إلى أراضٍ أخرى.

شرف الموقف في زمن المساومات

في عالم مليء بالمساومات السياسية والضغوط الاقتصادية، يظل التمسك بالمبادئ موقفًا نادرًا وشجاعًا.

مصر اليوم تقدم نموذجًا فريدًا في هذا السياق.

فرغم الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، ورغم الضغوط الدولية، تظل ثابتة في موقفها الرافض أي حلول على حساب الشعب الفلسطيني أو أرضها وسيادتها.

إن الشرف الوطني لا يُقدر بثمن، ومصر تعلم أن الحفاظ على هذا الشرف هو الضمان الوحيد لمكانتها واحترامها على الساحة الدولية.

عندما تقف مصر ضد مثل هذه الخطط، فهي لا تدافع فقط عن أرضها، بل عن مبادئ أوسع تشمل العدالة، والكرامة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

مصر ليست للبيع

الرسالة المصرية واضحة: "أرضنا ليست للبيع، وشعبنا لا يقبل المساومة".. هذه الكلمات البسيطة تختزل موقف مصر التاريخي في الدفاع عن الحق الفلسطيني.

لن تقبل مصر أن تكون جزءًا من صفقة تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ولن تسمح بأن تتحول سيناء إلى حل لمشاكل العالم على حساب سيادتها وشعبها.

إن الموقف المصري يظل درسًا في الشرف السياسي في زمن عز فيه الشرف.

وستبقى مصر، بأرضها وشعبها وتاريخها، داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، مهما اشتدت الضغوط أو تغيرت الظروف.

ودائما وأبدا.. تحيا مصر.

الصفحة الثانية من العدد رقم 398 الصادربتاريخ 30 يناير2025
تم نسخ الرابط