وكالة الفضاء المصرية.. حلم يتحقق على أرض الواقع

- مصر صاحبة الحضارة الممتدة في عمق الزمن على مشارف إطلاق قمرين صناعيين جديدين
- مركز مصري متطور لتجميع واختبار الأقمار الصناعية.. ومصر تستضيف مقر وكالة الفضاء الإفريقية
- أكاديمية مصرية متخصصة في علوم الفضاء لتأهيل الكوادر
- مصر تستحق أن تكون في مقدمة الدول التي تقود حركة العلم في القرن الحادي والعشرين
- رصد التغيرات المناخية في القارة.. وتوفير بيانات دقيقة تعين صناع القرار في مواجهة الكوارث البيئية المتزايدة
- مصر التي علّمت العالم يومًا مبادئ الفلك والرياضيات تعود اليوم لتأخذ مكانها بين الأمم في الفضاء
- الاستثمار في الفضاء هو استثمار في الزراعة والبيئة والتعليم والاقتصاد
توقفت طويلاً أمام تقرير إعلامي تناول استعداد وكالة الفضاء المصرية لإطلاق قمرين صناعيين جديدين خلال عام 2025، فقد شعرت بشيء مختلف في قلبي.
ليس فقط لفرحتي بالإنجاز العلمي، ولكن لما يحمله هذا الحدث من رمزية عميقة تعكس تطور الدولة المصرية وسعيها نحو المستقبل، وتعيد تشكيل علاقتها بالعلم والطموح والأحلام.
لطالما كانت السماء، بكل ما تحمله من أسرار واتساع، رمزًا للحلم الإنساني اللامحدود. ومنذ أن بدأ الإنسان يغادر الأرض بحثًا عن إجابات هناك، أصبح الفضاء رمزًا للتقدم والريادة.
واليوم، عندما تعلن مصر- صاحبة الحضارة الممتدة في عمق الزمن - أنها على مشارف إطلاق قمرين صناعيين جديدين، فهذا لا يعني فقط امتلاكًا للتكنولوجيا، بل هو تأكيد على عودة الحلم المصري للصدارة، وتأصيل لمكانة هذه البلاد في سجل الدول الطامحة للمستقبل.
لقد بدأت قصة وكالة الفضاء المصرية منذ سنوات قليلة، حين صدر القانون الخاص بإنشائها عام 2018، لتبدأ مصر أولى خطواتها في تأسيس منظومة فضائية متكاملة، تحاكي ما وصلت إليه دول كبرى سبقتنا في هذا الميدان.
ولأن البدايات دومًا تصنع الفرق، فقد كان لافتًا حجم التخطيط والجدية التي صاحبت هذا المشروع. تم إنشاء مقر ضخم ومتكامل في "مدينة الفضاء المصرية" شرق القاهرة، وبدأنا نسمع لأول مرة عن مركز مصري متطور لتجميع واختبار الأقمار الصناعية، وعن أكاديمية مصرية متخصصة في علوم الفضاء لتأهيل الكوادر، بل واستضافة مصر مقر وكالة الفضاء الإفريقية.
كل تلك المؤشرات كانت تقول شيئًا واحدًا: مصر بدأت فعليًا مرحلة جديدة في تاريخها، مرحلة لا مكان فيها للتردد أو الاكتفاء بالماضي.
القمران المزمع إطلاقهما هذا العام، "سبينكس" و"قمر التنمية الإفريقي"، ليسا مجرد جهازين يدوران في الفضاء.
إنهما تجسيد لرؤية جديدة ترى في العلم طريقًا للتنمية، وفي التعاون سبيلًا لتحقيق الأهداف المشتركة.
"سبينكس"، كما قرأت، هو قمر صغير الحجم من فئة النانو سات، لكنه يحمل مهام علمية كبيرة، حيث سيسهم في دراسة طبقات الغلاف الجوي العليا، وتحديدًا خصائص "البلازما" في طبقة الأيونوسفير.
أما "قمر التنمية الإفريقي"، فهو ثمرة تعاون مشترك بين مصر وخمس دول إفريقية شقيقة، سيعمل على رصد التغيرات المناخية في القارة، وتوفير بيانات دقيقة تعين صناع القرار في مواجهة الكوارث البيئية المتزايدة.
إن اللافت في المشروعين ليس فقط التقدم التكنولوجي، وإنما الروح التي تقف وراءهما.
فأن تمتلك مصر اليوم القدرة على تصميم وإنتاج قمر صناعي بأيادٍ مصرية، وتشارك في بناء آخر بالتعاون مع الأشقاء الأفارقة، فذلك يشير إلى نضج في الرؤية السياسية والعلمية، وإلى إيمان بأن مستقبل هذه الأمة لا يبنى إلا من خلال المعرفة، وبالشراكة مع محيطها الحيوي في إفريقيا.
وأمام هذا الإنجاز، لا يمكنني إلا أن أتوقف عند البعد الإنساني للمسألة. فوكالة الفضاء المصرية، بمشاريعها وتطلعاتها، لا تخاطب العلماء فقط، بل تخاطب أجيالًا بأكملها.
الطفل الذي يرى صور المهندسين المصريين وهم يعملون على القمر الصناعي في المعمل، قد يحلم يومًا بأن يكون أحدهم.
والطالب الذي يشارك في ورش التدريب الصيفية التي تنظمها الوكالة، قد يجد في نفسه شرارة الشغف التي تدفعه إلى دراسة الفيزياء أو هندسة الطيران.
بهذا المعنى، فإن مشروع الفضاء ليس فقط مشروعًا تكنولوجيًا، بل هو مشروع تربوي ومعنوي أيضًا، يعيد زرع الأمل والطموح في نفوس الشباب، ويؤكد لهم أن العلم ليس حكرًا على الغرب، وأنهم قادرون على المساهمة في صناعة مستقبل وطنهم بأيديهم وعقولهم.
والأجمل من ذلك كله، أن مصر لا تسير وحدها في هذا الدرب، بل تتشارك مع محيطها العربي والإفريقي في الحلم.
فبينما أطلقت الإمارات مسبارها إلى المريخ، وأرسلت السعودية أول رائدة فضاء عربية إلى المحطة الدولية، تدخل مصر هذا السباق بثقة واستعداد، مستندة إلى تراث علمي عريق، وإلى بنية تحتية بدأت تؤتي ثمارها.
كما أن التعاون مع دول إفريقيا في مشروع القمر المشترك يعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الشراكة والتكامل في مواجهة التحديات، وهو ما يعطي للمشروع أبعادًا إنسانية وسياسية تتجاوز حدود العلم.
ما يحدث اليوم على أرض مدينة الفضاء المصرية ليس فقط بناء أقمار صناعية، بل هو بناء لرؤية وطنية، قوامها أن مصر تستحق أن تكون في مقدمة الدول التي تقود حركة العلم في القرن الحادي والعشرين.
ولعل الأجمل أن هذا الحلم لم يعد حكرًا على العلماء والنخبة، بل بات متاحًا للجميع، من خلال برامج تعليمية، وشراكات جامعية، ومبادرات لدمج الشباب في علوم المستقبل.
وهذا في حد ذاته ثروة لا تُقدّر بثمن.
لقد حان الوقت أن نتوقف عن النظر إلى الفضاء بوصفه رفاهية أو ترفًا لا يناسب ظروفنا.
فالعالم يتغير من حولنا بسرعة مذهلة، والدول التي تتأخر عن الركب العلمي ستجد نفسها عاجزة عن مواكبة أبسط تحديات التنمية.
إن الاستثمار في الفضاء هو استثمار في الزراعة والبيئة والتعليم والاقتصاد، قبل أن يكون استثمارًا في التكنولوجيا فقط.
وما تقوم به وكالة الفضاء المصرية اليوم هو وضع حجر الأساس لهذا الاستثمار الإستراتيجي طويل المدى، والذي ستجني ثماره أجيال قادمة.
وأنا أكتب هذه السطور، لا يسعني إلا أن أشعر بالفخر.
الفخر بوطن قرر أن يحلم من جديد، وأن يجعل من الحلم مشروعًا، ومن المشروع واقعًا. الفخر بشباب مصريين يعملون في صمت داخل معاملهم، يصممون ويراجعون ويختبرون، واضعين نصب أعينهم أن سماء مصر تستحق أن تُزيَّن بثمار عقولهم.
الفخر بأن مصر، التي علّمت العالم يومًا مبادئ الفلك والرياضيات، تعود اليوم لتأخذ مكانها بين الأمم في الفضاء.
إن ما يحدث ليس نهاية الطريق، بل بدايته.
ومع كل قمر صناعي يُطلق، ومع كل طالب يُلهم، ومع كل شراكة تُبنى، يقترب هذا الحلم المصري من الاكتمال.
وما علينا إلا أن نُحسن الدعم، ونُشعل الحماس، ونؤمن بأن المستقبل لنا… طالما أننا نؤمن بأنفسنا، ونواصل السير بثقة تحت سماء نعرف تمامًا أنها كانت دومًا، ولا تزال، لنا.

- طالب
- درة
- الاقتصاد
- العالم
- مؤشرات
- قانون
- التعليم
- يوم
- رياضي
- اقتصاد
- الاستثمار
- خالد الطوخى
- مصر
- القاهرة
- قادرون
- عون
- الشباب
- الدول
- بيان
- المصري
- خالد الطوخى يكتب
- حماس
- اخبار خالد الطوخى
- اول
- مشروع
- تعلن
- زراعة
- المناخ
- قرار
- دمج
- مقر
- مقالات خالد الطوخى
- الدولة المصرية
- مستقبل وطن
- دقيق
- حركة
- طفل
- داخل
- تجميع
- البيئة
- الزراعة
- اليوم
- قري
- عامل