المتحف المصري الكبير.. أيقونة الحضارة ومشروع القرن

صابر سالم - صورة
صابر سالم - صورة أرشيفية

لم يكن المتحف المصري الكبير مجرد مشروع لتجميع القطع الأثرية القديمة في مبنى حديث، بل هو رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين المصريين وتاريخهم، وبين العالم والحضارة المصرية التي كانت وما زالت مصدر إلهام للبشرية كلها.

فالفكرة الجوهرية التي يقوم عليها المتحف هي أن الآثار ليست مجرد شواهد جامدة، بل هي جزء من الوعي والهوية المصرية التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين.

لقد حرصت الدولة المصرية على أن يكون هذا المشروع الضخم نتاج تعاون عالمي بأيدٍ مصرية، فالمهندسون والعمال والفنيون الذين عملوا فيه يمثلون نموذجًا للقدرة الوطنية على تنفيذ أضخم المشروعات بمعايير عالمية.

وقد استخدمت أحدث التقنيات في البناء والتصميم والإضاءة وأنظمة الحماية، لتوفير بيئة مثالية لحفظ القطع الأثرية وعرضها في أجواء تحاكي طبيعتها الأصلية.

كما أُخذ في الاعتبار الجانب البيئي، فالمتحف صُمم وفقًا لمعايير الاستدامة المعمارية، ويعتمد على الطاقة الشمسية في جزء كبير من احتياجاته.

وما يميز المتحف المصري الكبير عن غيره من المتاحف في العالم أنه لا يكتفي بعرض الآثار في واجهات زجاجية، بل يمنح الزائر تجربة تفاعلية متكاملة، تجمع بين المشاهدة والمعرفة والتقنية.

فكل قطعة أثرية تُعرض في سياقها التاريخي والاجتماعي، مدعومة بشاشات عرض رقمية وتقنيات الواقع الافتراضي، مما يسمح للزائرين بفهم القصة الكاملة وراء كل قطعة، وكأنهم يعيشون داخلها.

هذه الفلسفة الجديدة في العرض المتحفي تجعل من الزيارة رحلة تعليمية وثقافية، وليس مجرد جولة سريعة بين القاعات.

ومن المشروعات المرافقة للمتحف، الساحات الخارجية الواسعة التي تضم مساحات خضراء ومناطق للأنشطة الثقافية والعروض الفنية، فضلًا عن مركز للمؤتمرات الدولية، ومجمع تجاري وثقافي وفندقي متكامل لخدمة الزائرين.

وبهذا المعنى، فإن المتحف المصري الكبير لا يقتصر دوره على كونه مقصدًا سياحيًا، بل هو أيضًا مركز إشعاع ثقافي وحضاري يساهم في نشر الوعي بالتراث الإنساني، ويخلق فرص عمل جديدة للشباب في مجالات متعددة.

وقد أولت الدولة اهتمامًا خاصًا بطريقة استقبال الزائرين وتنظيم مسار الزيارة داخل المتحف.

فهناك مناطق مخصصة للمدارس والعائلات، وأخرى مهيأة لذوي الهمم، مع تطبيق أنظمة ذكية لتوجيه الزوار وتنظيم تدفقهم بما يضمن تجربة مريحة وآمنة للجميع.

كما تم تصميم القاعات بحيث تحاكي رحلة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ، مرورًا بمراحل تطور الدولة الفرعونية والعصور اللاحقة، وصولًا إلى مصر الحديثة التي تواصل بناء مجدها على أسس من الأصالة والمعاصرة.

ويُعد المتحف المصري الكبير أيضًا جزءًا من رؤية مصر 2030، التي تسعى لجعل الثقافة والتراث عنصرًا أساسيًا في التنمية المستدامة.

فالمتحف لا يخدم السياحة فقط، بل يدعم التعليم والبحث العلمي، ويعمل على تعزيز صورة مصر عالميًا كدولة رائدة في مجال حماية التراث الإنساني.

كما يرسل رسالة قوية بأن مصر، التي أبهرت العالم بأهراماتها قبل آلاف السنين، قادرة اليوم على إبهاره مرة أخرى بقدرتها على الجمع بين التاريخ والتكنولوجيا في مشروع حضاري فريد.

ولعل أجمل ما في المتحف أنه يُعيد تعريف معنى الفخر الوطني.

فكل مصري حين يقف أمام تمثال رمسيس الثاني أو قناع توت عنخ آمون، يدرك أن هذه الحضارة التي أبدعها أجداده لا تزال حيّة، وأن روح الإبداع لم تنقطع عبر العصور.

فالمتحف المصري الكبير هو مرآة تعكس هوية الأمة المصرية بكل ما تحمله من عظمة وإصرار وقدرة على التجدد.

وفي ختام القول، فإن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح أثري أو مشروع معماري ضخم، بل هو عمل وطني يجسد طموح مصر في أن تكون مركزًا عالميًا للثقافة والسياحة والمعرفة.

إنه وعدٌ بالمستقبل، ورسالة للعالم بأن أرض الفراعنة لا تزال قادرة على الإبهار والعطاء، وأن مصر - التي أنارت العالم قديمًا بالعلم والفن والعمارة - تواصل اليوم رسالتها في صناعة الحضارة الإنسانية من جديد.

الصفحة الثامنة  من العدد رقم 438 الصادر بتاريخ  13 نوفمبر 2025
تم نسخ الرابط