القاهرة لا تقبل الإملاءات .. كيف انتصر الرئيس السيسي في معارك الظل والنار؟

محمود الشويخ - صورة
محمود الشويخ - صورة أرشيفية

- صفقة الغاز.. هكذا خضع نتنياهو لشروط مصر بالإجبار.. لا تنازل ولا تفريط ومكاسب كبرى

- شهادة قائد الموساد عن السيسي: زعيم لا يمكن لقوة على وجه الأرض  أن تجبره على شيء

في عالم تتغير فيه موازين القوة بسرعة، وتُدار فيه العلاقات الدولية بمنطق المصالح الخشنة لا المجاملات، لا يبقى للدول إلا خياران: إما الصمود وفرض الإرادة، أو التراجع والدخول في دوامة الابتزاز.

ومنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية قيادة الدولة المصرية، اختارت مصر بوضوح الطريق الأصعب، طريق القرار المستقل، حتى وإن بدا مكلفاً في لحظته، لكنه الأكثر أماناً على المدى البعيد.

لم تكن تلك مجرد خطابات أو شعارات سياسية، بل مساراً عملياً انعكس في كل الملفات الكبرى التي واجهتها الدولة خلال السنوات الماضية.

مصر، التي خرجت من واحدة من أخطر مراحل عدم الاستقرار في تاريخها الحديث، وجدت نفسها في مواجهة ضغوط غير مسبوقة، بعضها إقليمي وبعضها دولي، وبعضها مغلف بشعارات اقتصادية أو إنسانية.

وكان التحدي الأكبر هو الحفاظ على تماسك الدولة، ومنع تفكيك القرار الوطني، في وقت كانت فيه دول كبرى تراهن على إنهاك القاهرة ودفعها إلى تقديم تنازلات متتالية.

هنا تحديداً، تشكلت فلسفة الحكم القائمة على رفض الابتزاز أياً كان شكله أو مصدره.

هذه الفلسفة لم تُعلن نظرياً، بل تجسدت عملياً في ملفات شديدة الحساسية، أبرزها ملف الطاقة.

فالغاز لم يعد مجرد مورد اقتصادي، بل أصبح أداة نفوذ سياسي وإستراتيجي في عالم مضطرب.

ومع اكتشافات شرق المتوسط، حاولت أطراف متعددة إعادة رسم خرائط القوة في المنطقة، مستندة إلى حاجة الأسواق العالمية للطاقة.

غير أن القاهرة تعاملت مع هذا الملف بعقل الدولة لا بعقل التاجر، فاستثمرت في بنيتها التحتية، وطورت قدراتها، وفرضت نفسها مركزاً إقليمياً لا يمكن تجاوزه.

في هذا الإطار، جاءت صفقة الغاز مع إسرائيل كاختبار حقيقي لمدى صلابة القرار المصري.

فعلى عكس ما حاول البعض تصويره، لم تكن الصفقة تنازلاً أو خضوعاً، بل كانت انعكاساً لتوازن قوى جديد فرضته القاهرة.

مصر دخلت المفاوضات وهي تمتلك أوراق القوة: الموقع، البنية التحتية، القدرة على التسييل، والشراكات الإقليمية.

النتيجة كانت اتفاقاً يحقق مكاسب اقتصادية مباشرة، ويعزز الدور المصري إقليمياً، ويضع حدوداً واضحة لأي محاولة للضغط أو الابتزاز.

حتى بنيامين نتنياهو، المعروف بقدرته على المناورة السياسية، وجد نفسه مضطراً للتعامل مع واقع مختلف، عنوانه أن القاهرة لا تقبل الإملاءات.

لم يكن الأمر استعراض قوة، بل إدارة هادئة لمعادلة معقدة، أثبتت أن مصر قادرة على تحويل الملفات الشائكة إلى فرص، دون التفريط في ثوابتها أو المساس بسيادتها.

هذا النهج نفسه تكرر في ملفات أخرى، حين قال السيسي «لا» في توقيتات كان فيها الجميع ينتظر منه التراجع.

قال «لا» لمحاولات الضغط في قضايا إقليمية تمس الأمن القومي، وقال «لا» لسياسات دولية أرادت تحميل مصر أعباء أزمات لم تصنعها، وقال «لا» لأي تصور ينتقص من استقلال القرار المصري.

هذه الـ«لا» لم تكن رفضاً من أجل الرفض، بل كانت رسالة واضحة بأن القاهرة تدير مصالحها وفق حساباتها الخاصة، لا وفق رغبات الآخرين.

اللافت أن هذا الموقف الصلب لم يؤدِ إلى عزل مصر، كما كان يروّج البعض، بل على العكس، أعاد لها احتراماً افتقدته في فترات سابقة.

الدول الكبرى، مهما اختلفت توجهاتها، تتعامل بجدية مع من يملك موقفاً واضحاً، ويستطيع الدفاع عنه.

وهو ما يفسر تنامي الدور المصري في ملفات إقليمية معقدة، من غزة إلى ليبيا، ومن البحر الأحمر إلى شرق المتوسط.

وفي هذا السياق، تكتسب شهادة أحد قادة الموساد عن الرئيس السيسي أهمية خاصة.

حين يعترف مسؤول أمني إسرائيلي بأن السيسي «زعيم لا يمكن لقوة على وجه الأرض أن تجبره على شيء»، فإننا أمام قراءة واقعية لمشهد القوة، لا أمام مجاملة سياسية.

هذه الشهادة تعكس إدراكاً داخل دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن مصر لم تعد ساحة ضغط، بل طرفاً صلباً يحسب الجميع حسابه.

لكن معارك «القوة والنار» لم تكن خارجية فقط.

داخلياً، خاضت الدولة المصرية مواجهة شرسة مع الإرهاب، خاصة في سيناء، حيث كان الرهان على إنهاك الجيش والدولة معاً.

المعركة هناك لم تكن أمنية فحسب، بل كانت معركة وجود، أُديرت بإرادة سياسية حاسمة، رغم الضغوط الدولية والحملات الحقوقية المسيسة.

النتيجة كانت استعادة السيطرة، وتفكيك البنية الإرهابية، وإعادة فرض سيادة الدولة كاملة على أراضيها.

اقتصادياً، واجهت مصر تحدياً لا يقل خطورة.

اقتصادا مثقلا بالديون، وبنية تحتية متهالكة، وسنوات من سوء الإدارة.

هنا أيضاً، اختارت القيادة المواجهة بدلاً من الهروب.

إصلاحات قاسية، وقرارات غير شعبية، لكنها كانت ضرورية لتفادي الانهيار.

قال السيسي «لا» للحلول السهلة، و«لا» لترحيل الأزمات إلى المستقبل، واضعاً الدولة على مسار أكثر صلابة، رغم الكلفة الاجتماعية المؤلمة.

ومع دخول عام جديد، يبرز سؤال جوهري حول ما يخطط له القائد في المرحلة المقبلة.

المؤشرات تشير إلى استمرار النهج نفسه: تعزيز أوراق القوة، وتوسيع هامش الحركة الإقليمية، مع إدارة دقيقة للملفات الخطرة.

مصر لا تبحث عن صدام، لكنها أيضاً لا تقبل أن تُفرض عليها معادلات تمس أمنها أو مصالحها.

يبقى ملف إثيوبيا وسد النهضة من أخطر التحديات المفتوحة.

ورغم طول أمد الأزمة، فإن إدارة الملف تعكس نفس الصبر الإستراتيجي، مقروناً بوضوح الخطوط الحمراء.

القاهرة تتحرك دبلوماسياً، لكنها في الوقت ذاته تُبقي كل الخيارات مطروحة، في رسالة مفادها أن الأمن المائي مسألة وجود لا تقبل المساومة.

في النهاية، ما تحقق لم يكن مجرد انتصارات متفرقة، بل إعادة تعريف لدور مصر ومكانتها.

دولة تقول «لا» حين يجب أن تُقال، وتتحمل كلفة القرار، وتفرض احترامها بهدوء.

في هذا العهد، مصر لا تخضع للابتزاز، ولا تساوم على جوهرها، وتدرك أن العالم لا يحترم إلا من يملك الإرادة والقوة معاً.

تم نسخ الرابط