الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

كالعادة بين فترة وأخرى تطل علينا حادثة جديدة للمنتمين للقطاع الطبى ممن بكل أسف يحملون لقب طبيب وهم أبعد ما يكونون عن أن ينتموا لهذا المكان الهام فى كل المجتمعات، فطالما ساندنا ووقفنا مساندين الأطباء خاصة عند الجوائح التى تجتاح المجتمعات، وطالبنا بتعديل وتوفيق أوضاعهم ومساندتهم لأن الله جعلهم خط الدفاع الأول عنا أمام الأمراض، إلا أنه هناك تصرفات فردية صادرة من بعضهم تجعلنا دائمًا أمام واقع صادم هو السائد فى أغلب الأوقات ومعظم المدن والذى يمكننا أن نسميه فوضى العلاج الخاص متفاوت الأسعار والخدمات والطرق فى التعامل، حتى طلت برأسها مؤخرًا واقعة طلب طبيب من مساعده الممرض السجود -والعياذ بالله- لكلبه، فى واقعة تجسد حال الغرور والتعالى وانعدام الأخلاق والدين الذى وصل إليه بعض المنتمين لهذه الفئة والذين يجب أن يُجتثوا من بين الأطباء أصحاب أحد أنبل المهن التى عرفتها البشرية.

وأنا لست بصدد الحديث عن هذا الأمر فجهات التحقيق والنقابات المعنية قد بدأت بالفعل العمل على إنهاء هذه الواقعة، بل وكالعادة جعلت السوشيال ميديا بكل أنواعها هذا الطبيب تريند تهافت الجميع على الحديث معه ودعونا ننتظر ما تؤول إليه التحقيقات، وحديثى اليوم عن نوع آخر من الفوضى فى هذا القطاع الحيوى والهام، فمنذ ما يقرب من ثلاثة شهور نجحت إحدى السيدات فى الحصول على حجز لدى إحدى أشهر طبيبات الروماتيزم بمحافظة الغربية وكان الحجز بعدها بثلاثة شهور بالتمام والكمال، وتحملت السيدة آلامها طول هذه الفترة على أمل الذهاب للطبيبة التى ذاع صيتها، وبالفعل ذهبت السيدة فى الموعد حاملة آمال الحصول على علاج يكون سببًا فى شفائها وانتظرت فى العيادة الخاصة بالطبيبة المشهورة بمدينة طنطا وطال الانتظار لتخبرها مديرة العيادة بعد انتظار طال ٤ ساعات أن الطبيبة لن تحضر فى هذا اليوم وأنها والموجودون بالعيادة من مرضى عليهم الانتظار والحضور مرة أخرى لتحديد موعد جديد لأن كل الأيام مشغولة وعليهم الانتظار من جديد. ووسط سخط الحضور ارتفع صوت أحد المرضى وأحد المرافقين ووصل الأمر لتراشق الألفاظ والتعدى والاشتباك بالأيدى لينتهى الأمر برفض حتى مجرد الحجز لكل الحضور تأديبًا لهم، فى حين أن من تحتاج التأديب وتعلم أصول معاملة الناس هى الطبيبة نفسها وطاقم العيادة الخاصة بها، وانتهى الأمر إلى هذا الحد وظن الجميع أن هذا يرجع لأن صاحبة العيادة هى الأشهر فى مدينة طنطا، ووسط الفلاحين ولن يتكرر هذا الأمر أبدًا لو كان بإحدى عيادات القاهرة أو الأماكن الأكثر رقيًا معللين ذلك بأن المجتمع الأرقى سيحترم الناس وأوقاتهم وظروفهم، ولكنى وفى مطلع الأسبوع الجارى فوجئت باتصال من زميل يُقيم بأحد الأحياء الراقية الحديثة بالقاهرة الكبرى يحكى لى واقعة مماثلة لطبيب متخصص فى أمراض الجهاز الهضمى، ويحكى لى أنه حجز الموعد منذ ستة شهور كاملة وبقيمة كشف اقتربت من راتب شهرى لموظف حكومى حيث بلغت ٣ آلاف جنيه، إلا أنه وبعد حضوره ومعه زوجته لعيادة الطبيب الشهير وانتظاره اعتذر مدير العيادة لأن الطبيب مشغول فى تصوير حلقة دعائية فى إحدى القنوات الفضائية،  وعليهم أن ينتظروا من جديد حتى يُحدد لهم موعد جديد، فليموت من يموت وليحيا من يحيا ولكن يبقى المال والشهرة هما الأهم، لتثبت لى الواقعتان أن الأمر لا يتعلق بمدن كبيرة ومدن صغيرة ولا حضر وريف الأمر مُتعلق فقط بضمير الطبيب وهل مازال لديه ضمير إنسانى أم أصابه عمى القلب وموت الضمير وأصبح يبحث فقط عن الشهرة والمال.

نُصاب بالإحباط عندما نجد الطبيب قد تحول من حكيم -كما كان يُنعت فى الماضى- أرسله الله لمساعدة الناس، إلى تاجر يشترى ساعات إعلانية مدفوعة الأجر يُسوق فيها لنفسه ولطرق العلاج التى يدعى معرفتها ويستخدمها فى اجتذاب أكبر قدر ممكن من الأموال من جيوب زبائنه والذين يكونون بكل أسف هم المرضى، ممارسات طبية يصادفها الإنسان من خلال التجربة الشخصية أو يسمع عنها من خلال آخرين تُشعرك أنها أصبحت تتخذ شكل التشكيلات العصابية التى يتقاسم أعضاؤها المهام والأرباح التى يتم اقتطاعها من لحم الحى، ويتفنن هؤلاء المنتمون لهذه المهنة السامية فى شق جيوب الناس ليس بالشكل المباشر فقط ولكن بإرسالهم لمعامل تحاليل ومراكز أشعة ومراكز علاج وأحيانًا مستشفيات خاصة لا لشيء إلا من أجل العمولة المزعومة يستبيحون كل شيء من أجل الحصول على أموال ومهما كانت الطرق المهم المال والشهرة. قبل عدة شهور كتبت هنا فى هذه النافذة "قلم حر" عبر جريدتكم "الشورى" بعنوان "أطباء استأصلوا ضمائرهم فأساءوا للمهنة"، وأشرت وقتها إلى أن هناك من امتهنوا مهنة الطب قاصدين العمولات والبيزنس المشبوه ليعملوا تجارًا بالأوجاع وليسوا أطباء، ومن جديد نطالب بتفعيل دور إدارة العلاج الحر فى وزارة الصحة وفى مديريات الصحة بالمحافظات، مع منحها كافة الإمكانات والصلاحيات حتى تستطيع مراقبة هذه السوق الضخمة من المستشفيات الخاصة والمراكز والعيادات والتى تحقق أرباحًا بالمليارات، لأنهم فى سوق ضخمة قوامها ملايين المواطنين الغلابة، لابد من تفعيل دور مؤسسات الدولة المختلفة فى ضبط هذه السوق وفى تقديم خدمة صحية بسعر التكلفة وليس بأسعار لصوصية كتلك التى تفرضها المستشفيات ومن أسموا أنفسهم أطباء الفئة الأولى، وإن كنت لا أنكر سعى الدولة فى الجمهورية الجديدة، وما تسعى إليه لعودة دورها فى تقديم الرعاية الصحية، ولكننى أسأل عن سوق العلاج الخاص، وأتعجب من المتاجرة بأناس ليسوا أغنياء ولا من أصحاب الملايين هم فقط يحاولون البحث عن خدمة أفضل لذويهم أو لأنفسهم.

على مؤسسات الدولة أن تتدخل سريعًا لإصلاح مجال العلاج الخاص فى مصر وضبطه، والعودة به إلى المسار الطبيعى والحقيقى والصحيح له، والتصدى بكل قوة للنشاط الذى أصبح يُشبه أنشطة المافيا إلى نشاط يمارسه أطباء أصحاب رسالة، وأسأل وزارة الصحة والجهات الرقابية: ألا توجد ضوابط لهذه السوق؟ وأين دور المؤسسات من الطبيب الذى يتقاضى راتب شهر لموظف أو عامل فى الكشف الواحد فى عيادته الخاصة أليس هذا أبشع وأسوأ استغلال؟ أليس هذا تحويلًا للطب من رسالة سامية إلى سلعة رخيصة؟ هؤلاء هم من استغلوا أسمى المهن لأحط الغايات .. والاسم طبيب.  

تم نسخ الرابط