◄بحث وطنى يرصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تكبدها المجتمع بسبب الإرهاب
◄التكلفة الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية بالنسبة للناتج المحلى تبلغ نحو 385 مليار جنيه فى الفترة من 2011-2016
◄نتائج البحث تضع إستراتيجيات شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب على أساس علمى موثق
◄يجب تكريس نموذج قيمى وثقافى يُجذر المواطنة والاعتدال واحترام التنوع
◄نحتاج إلى نموذج تنموى احتوائى ينشر الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين
من بين أهم وأبرز الأنشطة التى استوقفتنى فى الفاعليات المهمة التى شهدها معرض القاهرة الدولى للكتاب ، تأتى الاحتفالية التى نظمتها وزارة التضامن وأعلنت فيها نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى، نتائج المشروع البحثى المتعلق بتكلفة التطرف والإرهاب فى مصر على مدى ثلاثة عقود فهو مشروع مهم نفذته وزارة التضامن الاجتماعى بالشراكة مع المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية.
فقد أكدت الوزيرة أن فكرة هذا البحث جاءت بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية إلى الحكومة، بضرورة إجراء بحث وطنى متكامل يرصد التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التى تكبدها المجتمع المصرى بفعل موجات التطرف والإرهاب التى مرت على مصر فى الثلاثة عقود الأخيرة، وقد أوصى سيادته بأن تنشر نتائج البحث بشكل جماهيرى وإعلامى، من أجل أن يساهم وبشكل فعلى فى تثقيف المواطن والمواطنة المصرية بالثمن الفادح للتطرف والإرهاب على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وأن يساهم أيضاً فى تنمية وعى المواطنين بتصورات وأساليب المواجهة الفكرية والمادية للتطرف والإرهاب بكافة أشكاله.
وفى تقديرى فإن أهمية هذا البحث المهم تكمن فى أنه ثمرة تعاون استمر ثمانية عشر شهراً بين وزارة التضامن الاجتماعى والمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، تكللت بالمراجعة الدقيقة بمعرفة اللجنة الفنية لتقييم ومراجعة البحث والتى ضمت أهم العقول المصرية فى مجال دراسات التطرف والإرهاب وهم الدكتور عبد المنعم سعيد عضو مجلس الشيوخ ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق - أمين سر اللجنة ، وعضوية كلٍ من الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولى - ووزير المجالس النيابية الأسبق، والدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية- ووزير الشباب والرياضة الأسبق، والدكتور مصطفى الفقى المفكر السياسى- ورئيس مكتبة الإسكندرية السابق، والدكتور أحمد زايد أستاذ الاجتماع السياسى - ورئيس مكتبة الإسكندرية، والدكتورة سميحة فوزى أستاذة الاقتصاد ووزيرة التجارة والصناعة الأسبق.
واللافت للنظر أن هذا البحث هدف إلى تناول قضايا التطرف والإرهاب الذى عانت منه مصر منذ عقود طويلة فى إطار رؤية سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية شاملة، تبحث فى الأسباب والجذور وتمتد لتقديم إستراتيجيات لمواجهة التطرف والإرهاب فى إطار شراكة فاعلة بين كافة المؤسسات الحكومية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص.
وأعتقد أن هذا البحث تميز بعدة أمور أهمها تناول قضايا التطرف والإرهاب من منظور شامل ومتعدد الأبعاد "الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية"، على اعتبار أن الإرهاب المادى يبدأ بالعنف الفكرى والتشدد، ثم يتمدد فى جميع مفاصل ومؤسسات الدولة والمجتمع، كما رصد التكاليف الاقتصادية الباهظة التى تكبدتها الدولة المصرية جراء الهجمات الإرهابية، وانعكاسها بشكل مباشر على إهدار موارد الدولة البشرية والمادية، وبشكل غير مباشر على النمو والتنمية الاقتصادية من خلال التأثير التتابعى المضاعف ويؤثر الإرهاب أيضا على موارد الدولة من النقد الأجنبى من خلال التأثيرات على قطاعات الاستثمار والتجارة الخارجية والسياحة.
ويقدر البحث إجمالى التكاليف التى تحملتها الدولة والقطاع الخاص كخسائر فى قطاع السياحة خلال الفترة 2001- 2018 تقدر بما يقرب من 208 مليارات دولار أمريكى، كما يقدر البحث التكلفة الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية بالنسبة للناتج المحلى بـ 385 مليار جنيه فى الفترة من 2011-2016 .
كما رصد البحث أيضاً التكلفة الاجتماعية من خلال اعتماد المنهج العلمى وأدوات البحث الاجتماعى فى رصد العلاقة بين الفقر "متعدد الأبعاد" والتهميش الاجتماعى من جهة، والتطرف والإرهاب من جهة أخرى، وذلك من خلال تحليل البيانات القومية ذات الصلة والأبحاث الميدانية التى أُجريت فى عدد من المحافظات المصرية التى عانت من التطرف والأحداث الإرهابية.
وقد أثبت البحث أن الفقر بأبعاده المختلفة والتهميش الاجتماعى يوفران بيئة حاضنة دافعة للتطرف والإرهاب، هو ما يُعرفان فى أدبيات هيئة الأمم المتحدة بقوى الدفع ، إلا أن الفقر والتمهيش الاجتماعى وحدهما لا ينتجان التطرف والإرهاب، فهناك قوى جذب تلعب دوراً تعبوياً فى ضم الأفراد الذين يعانون من الفقر والتهميش إلى جماعات التطرف والإرهارب، وتتمثل هذه القوى فى البنية الفكرية والأيديولوجية الدينية المتشددة والتكفيرية لجماعات الإسلام السياسى التى انتشرت فى المناطق الفقيرة فى العقود الثلاثة الماضية، وكذلك العمل الاجتماعى لتلك الجماعات، والذى تم توظيفه سياسياً فى المناطق المحرومة تنموياً، واستغلال الظروف النفسية والعائلية السلبية لبعض الأشخاص لدمجهم فى الجماعات الإرهابية.
وكما جاء فى البحث فإن التكلفة الاجتماعية تركزت فى تهديد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعى، وقد أثبت البحث من خلال أدوات البحث الميدانى أن المجتمعات التى ضربها التطرف والإرهاب، قد عانت من تراجع حاد فى التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العابرة للانتماء الدينى بكل ما تمثله من إضعاف الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمع وإضعاف شبكات التفاعل الاجتماعى والقدرة على التعاون المجتمعى.
كما اهتم البحث بالإعاقات التى شكلها التطرف والإرهاب للمجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، والمتعلقة بتغلغل الأفكار والممارسات المتطرفة فى بعض قطاعاته، لتعبئة المجتمعات المحلية لتكون حاضنة للتطرف والتشدد الدينى والاجتماعى، وتمثل هذه القضية أهمية قصوى بالنسبة لوزارة التضامن الاجتماعى المنوط بها تشجيع وتحفيز الجمعيات والمؤسسات الأهلية للعب دور أكبر فى التنمية الاقتصادية والثقافية والمدنية للمجتمع المصرى، وفى بناء شراكة فاعلة مع الحكومة والقطاع الخاص من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وأثبت البحث فى مجال التكلفة السياسية أن التطرف والإرهاب قد عطلا مسيرة تطور الدولة الوطنية الحديثة فى مصر، والتى نشأت على أكتاف وتضحيات المصريين جميعاً فى المائتى سنة الماضية، وتمثلت التكلفة السياسية فى فرض التشدد على المجتمع المصرى فى أربعة مجالات هى : تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسى عبر إنشاء مجتمع وسلطة موازية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة تسعى لإقامة دولة "دينية متشددة بديلة"، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية، مشددا على أنه وبالرغم من ضخامة التكلفة الاقتصادية للإرهاب المادى على موارد الدولة ونموها الاقتصادى، فإن التكلفة السياسية والاجتماعية، كانت أكثر فداحة وأعمق تأثيراً فى تعطيل تطور الدولة، وفى تهديد التماسك المجتمعى والتكامل الوطنى، وهى تكلفة لا يمكن تقديرها بثمن.
كما وضع البحث إستراتيجيات شاملة لمواجهة التطرف والإرهاب على أساس علمى موثق، وكذلك البناء على المبادرات التنموية الرئاسية والحكومية الراهنة مثل: مبادرة حياة كريمة، والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك من أجل بناء نموذج للمواجهة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الشاملة، وتعظيم الفائدة والاستمرارية فى اقتلاع جذور التطرف والإرهاب من بلدنا.
وأعتقد أن الجزء الخاص فى البحث، والمتعلق بسياسات مواجهة التطرف والإرهاب، يمثل خارطة طريق متكاملة للحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، لإنتاج رؤى وسياسات وآليات تكون محلاً للتوافق بين القطاعات الثلاثة، وتقديم معالجات هيكلية للمحفزات الدافعة والجاذبة للتطرف والإرهاب، وذلك فى إطار استدامة جهود مكافحة التطرف والإرهاب عبر تكريس نموذج قيمى وثقافى يُجذر المواطنة والاعتدال واحترام التنوع، ونموذج تنموى احتوائى ينشر الفرص المتكافئة والعدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين.